تأملات في اسم الله (المجيب)

الله تعالى هو المجيب لدعوة الداعين، وسؤال السائلين، وعباده المستجيبين.

  • التصنيفات: الأسماء والصفات -

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه الطيبين الطاهرين، وبعد:

فقد أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه (2736) من حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، مَن أحصاها دخل الجنة» [1].

من أسماء الله الحسنى التي سأتحدث عنه بإذن الله اسم الله: (المجيب)، قال تعالى عن نبيِّه صالح: {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود:61].

المعنى الشرعي:

الله تعالى هو المجيب لدعوة الداعين، وسؤال السائلين، وعباده المستجيبين، وإجابته سبحانه وتعالى نوعان:

أولاً: إجابة عامة للداعين: مهما كانوا، وأينما كانوا، وعلى كل حال كانوا، كما وعَدهم بهذا الوعد المطلق الصادق الذي لا يتخلَّف.

ثانيًا: إجابة خاصة: للمستجيبين له، المنقادِين لشرعه، المخلِصين له في الدعاء والعبادة؛ ولهذا عقب بقوله: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي}[البقرة:186] [2].

ومن هنا يتبيَّنُ أن اللهَ يجيب مَن دعاه في حالة الاضطرار، مؤمن أو كافر؛ قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. وقال تعالى عن استجابتِه للكفَّارِ في حالة الاضطرار: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]. أن يستجيبَ الله للمؤمن والكافر في حال اضطراره، فليس هذا بغريب على ربٍّ مجيب، لكن السؤال الذي دار في خَلَدي: هل يستجيب الله للكافر المستكبر المصرِّ على كُفره واستكباره؟! الجواب: نعم، ومن خلال تتبُّعي لاسم الله (المجيب) في بعضِ النصوص القرآنية، أحببتُ أن أبرز جلالَ هذا الاسم، فأقول وبالله التوفيق:

اسم (المجيب)، كما يجيب اللهُ دعاءَ من يُحبُّ، فإنه قد يجيب دعاء مَن يُبغِض، ومَن ليس له عنده أي كرامة، ومن القرآن العظيم أستشِفُّ هذا المكنون العجيب لاسم الله المجيب:

1- استجاب الله لإبليس دعوته حين طلب أن يُنظِرَه الله إلى يوم الوقت المعلوم: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ . إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [الحجر:36- 38]، قال العلامة السعدي في تفسيره: "وليس لإجابة اللهِ لدعائه كرامة في حقه، وإنما ذلك امتحان وابتلاء من اللهِ له وللعباد" [3].

2- استجاب الله لفرعونِ هذه الأمة أبي جهل حين استفتح يوم بَدْرٍ فقال مقولته: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرِفُه، فأَحِنْه الغداة، اللهم أينا أحبُّ إليك، وأرضى عندك، فانصُرْه اليوم، وفي ذلك أنزَل الله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:19] [4].

3- استجاب اللهُ لقوم سبأ في سورةٍ سمَّاها باسمهم؛ وذلك حين أنعَم اللهُ عليهم بنِعَمِه العظيمة، وآلائه الجسيمة، فاستكثروا نِعَم الله، وقابَلوها بالجحود والنُّكران: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ:19].

4- النَّضر بن الحارث حين دعا وقال: "اللهم إن كان هذا هو الحقَّ، فأمطِرْ علينا حجارة من السماء، أو ائتِنا بعذاب أليم"، قال عطاء: لقد نزَل في النضرِ بن الحارث بضعَ عَشْرةَ آيةً، فحاق به ما سأَل من العذابِ يوم بَدْرٍ.

هذه بعضُ المعاني التي وقفتُ عليها في جلال اسم "المجيب" ،، وفي الختام: احذر أن تدعو بدعاءٍ تسخط به ربَّك ،، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] أخرجه البخاري في صحيحه برقم: (2736).

[2] أسماء الله الحسنى؛ جلالها، لطائفها، وثمراتها في ضوء الكتاب والسنة صـ 88.

[3] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، صـ 443.

[4] الرحيق المختوم صـ 216.

 

جواهر بنت صويلح المطرفي