(8) القضية الكردية بأقلام المحللين

أخيرًا يلح عليّ سؤال هو: أين الجامعة العربية من ذلك الخطر الذي يهدد دولة عضوة بها؟ ولماذا لا نرى سوى تركيا في الساحة تعمل جاهدة للحفاظ على وحدة العراق؟

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

القضية الكردية من أبرز القضايا التي تناولتها أقلام كبار الكتاب والباحثين والمحللين السياسيين في كتاباتهم ومقالاتهم وها نحن نعرض لبعض منها:

1- فهمي هويدي: يعجبنا كلام الأكراد وتدهشنا أفعالهم[1]
إذا صح ما نشر بخصوص دخول العرب وإقامتهم فى كردستان العراق، فإنه يعد جرس إنذار جديد ينبهنا إلى خطورة ما يجرى هناك، ليس على ذلك البلد المدمر المستباح فحسب، وإنما أيضاً على المنطقة بأسرها.
إذا قررت البقاء في الإقليم ومزاولة عمل أو مهنة ما، فعليك أن تراجع دائرة الإقامة التابعة لمديرية الأمن العام في الإقليم، حيث تقدم طلباً خاصاً وتملأ عدداً من الاستمارات الخاصة، التي تحوي تفاصيل كاملة عن حياتك الخاصة، وإلى جانب ذلك أنت بحاجة إلى شخص كردي يتعهد بأن يكون كفيلاً لك أمام السلطات عند الحاجة، وفي حال لم تجد "الكفيل" فإن الحصول على الاستمارة يصبح أمراً مستحيلاً.
من ناحية أخرى فإننا لا نستطيع أن نتجاهل تأثير تيار قوى بين الأكراد، استثمر خلفية المعاناة من مظالم وعسف النظام العراقي، وشرع في تعبئة الجماهير -الشباب خاصة- ضد كل ما هو عربي وإسلامي. وهذا التيار يقوده نفر من الأكراد المتعصبين والشيوعيون السابقون وغلاة المتطرفين. وقد حقق في مسعاه نجاحات ينبغي عدم الاستهانة بها حتى برز جيل من الشباب يتبنى موقف الخصومة إزاء الانتماءين العربي والإسلامي. الأمر الذي سبب متاعب كثيرة للعرب الذين يعيشون في المحافظات الكردية أو يمرون بها.
ليس ذلك فحسب، وإنما عمد ذلك التيار -التيار المعادي للإسلام والعروبة- إلى قمع المثقفين الأكراد الذين يعارضون موقفهم، ولا يرون غضاضة في الجمع بين الهوية الكردية وعروبة اللسان، والانتماء الإسلامي.
بكلام آخر فإن الإجراءات التي تتم على أرض الواقع لا تؤيد ما يقال عن استبعاد نوايا الانفصال. ورغم أن ثمة عقبات لا يستهان بها تجعل من فكرة الانفصال طموحًا يتعذر بلوغه في ظل الأوضاع الراهنة، إلا أن الثابت أن ممارسات المتطرفين الأكراد القابضين على السلطة في أربيل تعمق من الانفصال الوجداني على الأقل حتى أننا لا نكاد نرى فى تلك الممارسات إجراء واحدًا يخدم التواصل والائتلاف مع العرب فى بقية أجزاء العراق وهو ما يدعونا إلى القول بأن عدم إقدام النخبة المتطرفة على إعلان الانفصال ليس راجعًا لأنهم لا يريدونه، ولكن لأنهم لا يستطيعون الإقدام على ذلك الإعلان بسبب الظروف غير المواتية المحيطة بهم ، خصوصًا فى ظل عدم وجود منفذ لكردستان إلى العالم الخارجي، وإزاء عدم تحقق الهيمنة على نفط كركوك رغم الجهود التي تبذل لتكريد المدينة وتهجير سكانها التركمان والعرب.

2- فوزي الاتروشي[2]: مستقبل الأكراد خارج مشرحة التقسيم والتجزئة
إن سياسة بعض الأطراف تجاه "الحالة الكردية" ليست قائمة على رؤية الحقيقة، بل على التشويه وخلط الأوراق، وهذا ما يضاعف الخوف المشروع لدى أكراد العراق ويجبرهم على التشبث بمنطق المثل الشهير "عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة".
إن الكرة الآن في ملعب الأطراف الإقليمية وبعض الأطراف العراقية المعارضة لتعزيز الثقة بالتوجه الكردي وطمأنة الأكراد على إن "حلالهم" سيبقى في يدهم في ظل التغيير الذي يجب أن يكون ديمقراطيًا، وإلا فمن العبث دفع الأكراد إلى شفا هاوية من النار دون ضمانات لإطفاء الحريق إذا ما شبّ في جسدهم، وهم الذين غبنهم التاريخ مرارًا وأدخلتهم الجغرافيا مشرحة التقسيم والتجزئة وغيّبتهم عن الخارطة السياسية للعالم.

3-  د. عبد الفتاح علي البوتاني[3]: كل عربي مطالب بتفهم القضية الكردية ويشارك الشعب الكردي آلامه وآماله

يعد الشعب العربي من أقرب الشعوب -التي تتقاسم دولها كردستان إلى الشعب الكردي، والكرد يكنون لإخوانهم العرب فائق الاحترام والتقدير، وتعاطفوا مع حركة القومية العربية التحررية منذ ظهورها، ولم تشكل الحركة القومية الكردية عائقًا أمام مسارها وتطورها ابدًا، وتأسيسًا على هذه الخلفية التاريخية، تشهد الساحة السياسية والثقافية العربية أحيانًا مواقفًا متقدمة حول الحقوق القومية للشعب الكردي، مثل مواقف الرئيس الليـبي معمر القذافي ومواقف السادة: الدكتور سعد ناجي جواد.
ولا تتناول الصحافة العربية القضية الكردية بالشكل المطلوب، فالكثير من الكتاب العرب لم يسمعوا بمذبحة حلبجة ولا بعمليات الأنفال السيئة الصيت، والبعض منهم يعد مثل هذه الكوارث تمثيليات كردية، كيف لا وهم يعدون الكرد قبائل عربية استكردت بفعل عوامل تاريخية!
باتت الحركة القومية الكردية (اليوم) تفرض نفسها على الساحتين الإقليمية والدولية، وترسخت القناعة بأنها قضية عادلة، قضية شعب صاحب حق يريد ممارسة حياته بالأسلوب الذي يرتضيه، ويقف إلى جانب الحق الكردي اليوم العديد من الكتاب العرب الذين يتميزون بالموضوعية والنزاهة، ويكتبون خارج إطار تفكير الدول التي تضطهد الكرد فوق أرض بلادهم. ونتمنى أن يتطور المفهوم القومي العربي للقضية الكردية، على يد هؤلاء وأمثالهم، وعلى الكتاب غير الموضوعيين السائرين في ركاب الحكومات التي تضطهد الكرد، أن يتخلوا عن خطابهم السياسي الموروث، لأن ما يكتبونه ويفكرون به يضلل الآخرين، وأقل ما يمكن أن يقال عنهم أنهم يخونون الأمانة، وإذا لم يتمكنوا من أن يتخلصوا من رواسبهم وسطوة ماضيهم فليخفوا رؤوسهم خجلاً على الأقل، ولا يذكروننا.

4-  فهمي هويدي: أكراد العراق يلعبون بالنار[4]
"الحل الناقص" هو الحل
في دفاعي عن فكرة "الحل الناقص" استشهدت بالقاعدة الأصولية والمنطقية التي تدعو إلى القبول بالضرر الأدنى تجنبًا لضرر آخر أكبر وأفدح. وهي القاعدة التي تنطبق بشدة على الملف الكردي؛ باعتبار أن بقاءهم في إطار الدولة العراقية لا يُلبي رغبتهم في تقرير المصير الذي يطمحون إليه، لكنه إذا ما حفظ لهم كرامتهم وهويتهم؛ فإنه يجنبهم ويجنب المنطقة بأسرها ضررًا محققًا من جراء إعادة رسم خرائطها الجغرافية والسياسية، وما يستصحبه ذلك من شرور لا حدود لها.
ما أدعو إليه ليس أمرًا شاذًا أو غريبًا؛ فذلك هو وضع البربر في شمال أفريقيا والآذريين في إيران والأوزبكيين في أفغانستان. إذ بقيت تلك الجماعات كمواطنين في دول أخرى غير وطنها الأم، أو توزعت على أقطار عدة، مرتضية العيش ضمن حدود الجغرافيا السياسية التي استقرت منذ عقود، ولم تجد في ذلك غضاضة، طالما وفر لها ذلك الوضع حق المواطنة، وفي ظله احترمت هويتها ضمن النسيج العام.
إن ما تمارسه القيادات الكردية الراهنة ليس سوى لعب بالنار، لم تحسب عواقبه جيدًا، من حيث إنه يتعلق بالأماني والطموحات، متجاهلة حقائق الواقع المعقد وخرائطه، ووحدها تلك القيادات القادرة على إطفاء تلك النار.

أخيرًا يلح عليّ سؤال هو: أين الجامعة العربية من ذلك الخطر الذي يهدد دولة عضوة بها؟ ولماذا لا نرى سوى تركيا في الساحة تعمل جاهدة للحفاظ على وحدة العراق؟

5- خالد عزيز الجاف: بين حلم الانتصار والانفصال فشلت فرحة قادة الأكراد[5]
وأبرز ما يمكن استخلاصه من هذه الأزمة التي حصلت بين الترك والأكراد هو إن من يعين الانفصاليين من أمثال جلال الطالباني والبرزاني اليوم ينقلب عليهم في الغد، وهذا ما حدث لحزب العمال الكردستاني حيث كان يحظى بدعم السوريين في الأمس، بينما قررت دمشق اليوم الوقوف إلى جانب أنقرة. وحتى الولايات المتحدة على وشك أن تسحب البساط من تحت أقدام هؤلاء الأقزام في الشمال.
وإذا وقعت الحرب في شمال العراق هذه المرة فإنها ستكون حرب طويلة المدى بين تركيا والأكراد وستهرب القيادة الكردية الشوفينية إلى جبال العراق مرة أخرى لتمارس حرب العصابات الإرهابية وبالطبع الضحايا سوف يكونون أكراد وأتراك مسلمون بجانب ضياع الموارد في شراء السلاح يعني بصريح العبارة كل شيء ينصب في مصلحة أعداء الأمة الإسلامية والمسلمين، إنهم الصهاينة يخططون ليل نهار والمسلمون ينفذون باقتدار وبغباء شديد وبالطبع سوف تتأثر فرص التنمية والتطور للبلدان الإسلامية سواء كانت تركيا أو العراق أو إيران.

6- صلاح الدين حافظ: المصالحة الوطنية بدلا من العنف الطائفي[6]
في الأفق سحابات سوداء من العنف الطائفي‏,‏ أو الفتنة الطائفية‏,‏ إن شئت‏,‏ تظلل بكآبتها أكثر من دولة في المنطقة‏,‏ فتهدد وحدتها في الأساس‏,‏ أكثر مما تهدد مجرد استقرارها الراهن‏.‏
إن كان طبيعيًا أن تتعايش هذه التنويعات الدينية والطائفية والعرقية فوق أرضنا العربية بسلام وتسامح وتوازن ومساواة‏,‏ فمن غير الطبيعي أن تتناقض إلي حدود الصدام والقتال تمهيدًا للتقسيم والتفتيت والانفصال‏.
المسئول الأول والأخير‏,‏ هي حكوماتنا التي عمقت التناقضات وتجاهلت‏,‏ أو ارتكبت المظالم‏,‏ وفق أفكار خاطئة وسياسات قاصرة‏,‏ ثم جاءت التدخلات الأجنبية ذات المطامع والمطامح‏,‏ لتستغل هذه الأوضاع والتناقضات المتفجرة‏,‏ لتحقيق مصالحها هي‏,‏ وإن كان الغطاء الجاذب والسلاح السحري هو إنقاذ المضطهدين ومساعدة المظلومين‏...‏
العراق هو الآن الساحة المثلي لتطبيق هذه السياسات الاستعمارية الأمريكية الجديدة‏,‏ وراثة عن السياسات الاستعمارية البريطانية في الماضي‏...‏ وهي ساحة مثلى لأن فيها كل عوامل التناقض والتفتيت العرقي والديني‏,‏ الجاهزة للاشتعال في كل لحظة‏,‏ أغلبية إسلامية وأقلية مسيحية‏,‏ أغلبية عربية وأقلية كردية‏,‏ وتركمانية وأشورية‏,‏ أغلبية شيعية وأقلية سنية.

لا شك أن هذا المشهد المأساوي‏,‏ يعيدنا إلي بداية المقال‏,‏ لنفهم جيدا أن تهميش الأغلبية للأقلية‏,‏ لا يقل خطرًا عن هيمنة الأقلية علي الأغلبية‏,‏ كلاهما يزرع بذور الشر ويُنبت زهور الشيطان والعنف الطائفي‏..‏ فلماذا لا نعود الي الأصول والقواعد القائمة علي العدل والمساواة‏,‏ عبر مصالحات وطنية حقيقية ودائمة؟‏!‏

7- زوهات كوباني: حذار للكرد الوقوع في فخ الأعداء[7]
يتكرر اليوم مرة أخرى محاولات الأعداء في دق الإسفين بين الكرد كما فعلوه كثيرًا في الماضي القريب وجعلهم يتعاركون مع البعض من خلال اتباع سياسة "فرق تسد" والتهديد بالتوغل والتلويح باستعمال العصا أو تفضيل البعض على الآخر، أو تقديم مصالح للبعض في جزء دون الآخر أو إبراز البعض إلى الواجهة وتسويد الآخرين ونعتهم بمختلف الصفات، أو وضع مصالحهم في خطر إذا ما لم يقفوا في وجه الكرد الآخرين، بالضغط عليهم أو فرض الحصار عليهم أو منعهم من العمل والنضال في مناطقهم، للإعلان في المنابر الإعلامية والصحفية وإعطاء التصريحات ضد الكرد، أو التفوه كما يتفوه الأعداء ووصفهم بصفات أخرى كما يصفهم الأعداء تارة بقيامهم بالأعمال المخربة وتارة بأنهم يلحقون الضرر بالكرد عامة وتارة بأنهم إرهابيين وتارة بأنهم يضعوننا في الخطر حتى يصفهم الأعداء بأنهم تعقلوا وفهموا الأمور. كل هذا من باب إرضاء أعداء الكرد الذين طبقوا بحق الكرد منذ التاريخ سياسات الإنكار والامحاء والجيوناسيد.
لنسأل هل تغيرت المعادلة وأصبح أعداء الكرد أصدقاء، والكرد أصبحوا أعداء أنفسهم كمثل "الحجل خوان قومه"، وهم الذين يقدمون فاتورة ذلك أنهار الدماء تراق منذ قرون من أجل الحفاظ على الكرامة والشرف تجاه ما يرتكب بحقهم من المجازر وأعمال القتل والدمار الذي وصل إلى درجة دمار الطبيعة وتدمير البنية التحتية في كردستان وتدمير القرى وكأنهم يعلنون للكرد عامة "لن نبقي شيئًا حيًا إذا لم تركنوا لنا ولعبوديتنا حتى سنجعلكم تندمون على ولادتكم".
دعوتي إلى بعض كتاب الكرد للعودة إلى العقل والواقعية والبعد من تمثيل عقلية الأعداء والتفوه بما يتفوه الأعداء، وليحدد موقعه بشكل سليم من صراع الوجود والفناء هذا، تجاه الأعداء، فأما إن تكون في جبهة الشعب وتدافع عنهم وتحمل أعباءه وتناضل من أجل حريته رغم العراقيل والصعوبات، أو أن تكون في جبهة الأعداء وتعلن علنية وهذا ما لا خجل فيه، لأن التاريخ مليء بالعبر والدروس بمن باعوا أوطانهم وشعبهم من أجل بضعة عظام أو تلقي كلمة الشكر "عفارم " من الأعداء وأصبحوا سببًا وعاملاً مساهمًا في تلك المجازر المرتكبة، أو أدوات بيد الأعداء يرتكبون المجازر بحق شعبهم سواء بالسلاح أو بالقلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (الشرق الأوسط - الأربعاء 20 شعبـان 1427 هـ 13 سبتمبر 2006 العدد 10151).
[2] ( كاتب من كردستان).
[3] (كلية الآداب/جامعة دهوك)
[4] ( الشرق الأوسط).
[5] (دنيا الوطن 20 نوفمبر 2007).
[6] (الأهرام المصرية 15 - ديسمبر - 2004).
[7] (صحيفة كوردستان المستقلة).

المصدر: قصة الإسلام