تقسيم العراق كابوس على الجميع

ممدوح إسماعيل

وتبقى الحقيقة الواضحة أنّ المنطقة العربية مقبلة على تغيرات كبيرة
أعد الأمريكان لها خطط وأعد الإيرانيون لها خطط وأعدت النظم العربية
الاستجابة لكل الخطط، وتبقى المقاومة هي الهدف ولكن هل لها خطط ؟

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
جاءت تصريحات الجنرال الأمريكي سانشيز فى الأسبوع الثاني من شهر اكتوبر2007 التي أعلن فيها أنّ القوات الأمريكية فى العراق تعيش كابوساً مزعجاً كاشفة لحقيقة مهمة حاولت الإدارة الأمريكية إخفائها، ألا وهي قوة المقاومة وتردي الوضع في العراق على جميع المستويات، وقوة هذه التصريحات تنبع من أنّ قائلها هو قائد سابق للقوات الأمريكية في العراق، والأهم أنّها تأتي عقب قرار الكونجرس الأمريكي المعنون بأنّه غير ملزم بتقسيم العراق وتفسير العلاقة بين التصريح وقرار تقسيم العراق يكشف لنا أن المحتل الأمريكي فاض به الكيل من تحمل تبعات احتلاله وحده للعراق. فبالرغم من مشاركة دول عربية للفاتورة المالية للاحتلال، إلاّ أنّ تبعات الاحتلال على الأرض جسيمة وتداعياتها على العسكرية الأمريكية خطيرة جدا، حيث اجتمعت تصريحات المسؤوليين العسكريين الأمريكان على خطورة الوضع فى العراق. فقد صرح الجنرال جيمس كونواي في كلمة ألقاها أمام مركز الأمن الأمريكي الجديد، الإثنين16 أكتوبر، بأنّه يشعر بالقلق إزاء القدرة على خوض حروب في دول أجنبية، "حيث أصبحنا أثقل كثيراً مّمّا كنّا عليه من قبل بعد الحرب على العراق".

ومن ناحية أخرى؛ أعرب كونواي عن مدى صعوبة المعركة مع عناصر المقاومة لأنّ التجارب السابقة أظهرت أنّ هذه المجموعات لديها "قدرة عجيبة على التجدد".

وقد اعترف الجنرال ريكاردو سانشيز في تصريحات صحفية، بأنّ القادة السياسيين الأمريكيين يتسمون "بضعف الكفاءة والفساد"، مضيفاً: "إنّ هؤلاء القادة السياسيين كانوا سيواجهون محاكمة عسكرية بتهمة التقصير في أداء الواجب لو كانوا يعملون في صفوف الجيش".

وتابع سانشيز: "إنّ أفضل ما تستطيع قوات الاحتلال الأمريكية القيام به في الوقت الراهن هو تجنب الهزيمة".

كما كشف الجنرال جورج كايسي رئيس أركان الجيش البري الأمريكي، أنّ الجيش يحتاج من ثلاث إلى أربع سنوات ليستعيد وتيرته الطبيعية بعد الحرب في العراق وأفغانستان، مؤكداً أنّ الجيش يعاني من فقدان التوازن بعد ستة أعوام من الحرب في أفغانستان والعراق.

وهكذا كان الكابوس على العسكرية الأمريكية وقد تأثرالداخل السياسي للولايات المتحدة أيضا حيث كثرت وتضاعفت الأصوات المطالبة بالانسحاب وانهزم الجمهوريون في الكونجرس وفاز الديمقراطيون المطالبون بجدولة الانسحاب لذلك كان لابد للمحتل الأمريكي أن يخرج من الكابوس ولقد فشلت كل الخطط لهزيمة المقاومة داخل العراق:

1-عن طريق إشعال الحرب الطائفية والعرقية.

2- عن طريق زرع الخلافات والشقاق بين فصائل المقاومة.

3- أخيرا عن طريق تجنيد عراقيين للتصدي للمقاومة السنية كما حدث من تجنيد ما يسمى (مجلس صحوة الأنبار) وغيره.

صحيح أنّ الحرب الطائفية اندلعت ولم تقف وأنّ الخلافات اشتعلت وقتل العراقيون بعضهم البعض، لكّن لم تتحق النتائج المرجوة حيث لم تتوقف المقاومة للمحتل.. فكان لابد من الخروج من كابوس العراق الذي يبدأ بقرار تقسيم العراق فهو ليس كما يظّن البعض مخرجاً من الأزمة العرقية والطائفية للداخل العراقي بل هو مخرج للإدارة الأمريكية ومخطط خبيث للإدارة الأمريكية.. وذلك للأتي:

أولا: التقسيم لم يكن وليد اليوم بل هو خطة قديمة فعلتها الولايات المتحدة قى صراعاتها مع الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، حيث عمدت إلى إشعال وتغذية النعرات العرقية وتقويتها للانقصال بحيث لايبقى كيان قوى متحد فتفككت تلك الدول إلى دويلات وهى خطة وضعت مسبقا للعراق ولبعض الدول العربية لتفتيت المنطقة العربية. وليتأمل القارىء ما يحدث في السودان في الجنوب ودارفور ثمّ ما يحدث في الصومال ثم هاهي لبنان على طريق التقسيم، وما يحدث حتى في فلسطين المحتلة من انقسام بين التيار الاسلامي والعلماني، حماس في غزة وفتح في الضفة كان ورائه مخطط أمريكي صهيوني عبر تقوية التيار العلماني (فتح) وإمداده بالسلاح والمال فحدث الاقتتال الداخلي ثمّ الانقسام وحتى الآن تلك الدول هى الظاهرة على سطح الأحداث وما خفى كان أعظم.

ثانيا: التقسيم تم إعداده عمليا على أرض الواقع عبر إعطاء الأكراد عملاء الاحتلال مطلق الحرية في الشمال العراقى وتشجعيهم على تهجير العرب والتركمان من الشمال العراقي، وتكوين كيان منفصل سياسيا في كوردستان شمال العراق وإنشاء برلمان منفصل، وانتخاب رئيس وعلم مستقل عن العراق وإدارات مستقلة عن جنوب ووسط العراق تماما. أمّا الجنوب العراقي فقد عمد الاحتلال على تقوية نفوذ عملائه من الشيعة والتواطؤ على قتل وتهجير السنة من الجنوب العراقي وإطلاق العنان للتصريحات الشيعية باستقلال الجنوب، وقد أصبح الجنوب تحت سيطرة المليشيات والعصابات الشيعية تماما وهم مسيطرون على كل الإدارات في الجنوب ولم يعد للسنة فيه مكان. أمّا الوسط العراقي أو المثلث السني فهو أكبر ضحية والمتضرر الأكبر من مخطط التقسيم، حيث تتمركز فيه المقاومة ويشتد فيه الصراع وقد عمد المحتل إلى تجنيد العملاء من المنتسبين إلى السنة وتقديمهم إلى الإعلام وتقويتهم بالدعم المالي والعسكري ليكونوا أتباعه المخلصين في مواجهة المقاومة، وهم الذين تمّ إعدادهم للمشاركة في لعبة التقسيم على أساس أنّهم هم الممثلون للسنة في دويلة الوسط السني المزمع إنشائها. فعلى أرض الواقع التقسيم واقع لكنّه يقف على الافتتاح الرسمي وقص الشريط.

ثالثا: لماذا يعمد المحتل الأمريكي إلى إعلان التقسيم طالما أنّه واقع عمليا؟.. الإجابة أنّ تكوين دويلات مستقلة شكلا أمام المجتمع الدولي يتيح لها رسميا الحصول على قواعد عسكرية بشكل رسمي من كل دويلة وهو مخطط يسعى إليه المحتل مع جدولة الإنسحاب وتخفيض القوات تبقى قواعد أمريكية باتفاقيات ثنائية مع عملائه الذين تمّ تعيينهم في مناصب كل دويلة وبذلك تخرج الإدارة الأمريكية من الضغط السياسي والشعبي الداخلي.

رابعا: إعلان التقسيم يعني إعلان تكوين دويلات يتم إمدادها بالدعم العسكري تتولى هي التصدي للمقاومة وتخفف العبىء على القوات الأمريكية، ومن ناحية أخرى إعلان التقسيم سوف يدفع طوائف كثيرة من كل دويلة ترفض تقسيم العراق إلى التصدي لطائفتها التي ارتضت التقسيم وتندلع حروب أهلية تخفف من ضغط المقاومة على القوات الأمريكية المحتلة.

خامسا: وأخيرا تكوين دويلات في هذه المنطقة الحساسة سوف يدفع بدول الجوار إلى حلبة الصراع وآتون النّار الذي طالما ابتعدت عنه وتركت القوات الأمريكية المحتلة وحدها تواجه القتل. فطالما طلبت الإدارة الأمريكية من الدول العربية الإسلامية المساهمة في التواجد العسكري داخل العراق، ولكنّها دائما كانت تخاف و ترفض. وإقامة دولة شيعية في الجنوب مدعومة أمريكيا وإيرانيا يعني أنّ المنطقة المحيطة بها سوف تشهد قلاقل شيعية مثال المنطقة الشرقية في السعودية في الإحساء والبحرين ولاتبتعد الكويت أيضا، وهو مّمّا يعني أنّ الشيعة لن تتوقف طموحاتهم، وسوف يعاودون تصدير ثورتهم من دولتهم الجديدة في الجنوب العراقي وأتباعهم سوف يجدون الملاذ والملجأ الآمن عند قيامهم بأي عمليات داخل أي دولة عربية أو إسلامية، وبالتالي سوف تدخل دول عربية حلبة النّار العراقية التي طالما وقفت تتفرج عليها وتشاهدها على شاشات الأخبار وسوف تدعم الدول العربية الدويلة السنية المزمع إعلانها بقيادة موالية للأمريكان، وسوف تصطدم بلاشك الدولة الشيعية بالسنية لتظل الأرض العراقية فى حروب وصراعات تمتد آثارها للجميع. وتكوين دولة كردية في الشمال سوف يقوي أحلام الأكراد بإنشاء دولتهم الكردية الكبيرة الممتدة داخل إيران وتركيا وسوريا، وهو مّمّا يشغل تلك الدول ويقلقها ويدفعها إلى النزول إلى حلبة الصراع سريعا، وهو ما فطن إليه الأتراك سريعا وقاموا بعمليات عسكرية ظاهرها ضد حزب العمال الكردستاني وحقيقتها ضد الطموح الكردي في الأراضي التركية وهو دخول علني وسريع للأ تراك في حلبة النّار العراقية بعد صمت وسكون طويل.

سادسا: لماذا حتى الآن القرار غير ملزم ولم يوافق عليه الرئيس الأمريكي سريعا مع أنّه مخطط مرسوم؟ الإجابة أنّ إقامة دولة شيعية في الجنوب يقوي الامتداد الإيراني في المنطقة، وحتى الآن لم يتفق الأمريكان والإيرانيون على خطة التقسيم وحدود كل منهما في المنطقة فالإيرانيون عندهم مطامع كبيرة، والأمريكان يريدون وضع حدود لايتعداها الإيرانيون حفاظا على مكتسابتهم في المنطقة فهم يريدون فوضى خلاقة في المنطقة ولكّن تحت سيطرتهم وألاّ يستفيد منها غيرهم، لذلك علانية التقسيم رسميا تنتظر الاتفاق السري بين الأمريكان والإيرانيون أي "سايكس بيكو - الإيرانمكية".

وأخيرا: قرار تقسيم العراق هو إعلان ضعف أمريكي على القدرة على المواصلة وحدهم في دفع فاتورة الاحتلال ورغبة أمريكية في تقسيم كابوس العراق على الجميع وإدخال المنطقة كلّها حلبة الصراع لإضعافها لتفكيكها وإعادة تقسيمها من جديد.

وتبقى الحقيقة الواضحة أنّ المنطقة العربية مقبلة على تغيرات كبيرة أعد الأمريكان لها خطط وأعد الإيرانيون لها خطط وأعدت النظم العربية الاستجابة لكل الخطط، وتبقى المقاومة هي الهدف ولكن هل لها خطط ؟ الأيّام سوف تنبؤنا بمن سيفرض خططه على أرض الواقع ومن سيستجيب لخطط الآخر.

القاهرة في 24 أكتوبر 2007م.
ممدوح إسماعيل
كاتب ومحام.



المصدر: طريق الإسلام