كِتابُ نهج البلاغة
عبد الله بن محمد زُقَيْل
- التصنيفات: طلب العلم -
كما هو معروف شهرة كتاب " نهج البلاغة " عند أهل السنة والشيعة ، ولكن لأهل السنة رأي في نسبة الكتاب إلى علي رضي الله عنه ، وفي المقابل يستميت الرافضة في إثبات نسبة الكتاب إليه رضي الله عنه .
وفي هذا المقال نُورد رأي أهل السنة من خلال كلام العلماء في صحة نسبة الكتاب لكي لا يغتر السني بما يزخرفه الشيعة من كثرة النقول عنه .
من هو مؤلفُ كتاب " نهج البلاغة " ؟؟؟؟
- ذكر الإمام الذهبي في السير (17/589) الاختلاف في مؤلف الكتاب فقال :
المُرْتَضى ، عَلِيُّ بنُ حُسَيْنِ بنِ مُوْسَى القُرَشِيُّ العَلاَّمَةُ، الشَّرِيْف ُ، المُرْتَضَى ، نَقِيْبُ العَلَوِيَّة ، أَبُو طَالِبٍ عَلِيُّ بنُ حُسَيْنِ بن مُوْسَى القُرَشِي ُّ، العَلَوِيُّ ، الحُسَيْنِيُّ ، المُوْسَوِيُّ ، البَغْدَادِيُّ ، مِنْ وَلد مُوْسَى الكَاظِم .
وُلِد َ: سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة ٍ. وَحَدَّثَ
عَن ْ: سَهْلِ بنِ أَحْمَدَ الدِّيباجِي ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ
المَرْزُبَانِي ّ، وَغيرهمَا . قَالَ الخَطِيْب ُ: كَتَبْتُ عَنْهُ
.
قُلْت ُ: هُوَ جَامعُ كِتَابِ ( نَهْجِ البلاغَة ) ، المنسوبَة
أَلفَاظُه إِلَى الإِمَامِ عَلِيّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ، وَلاَ
أَسَانيدَ لِذَلِك َ، وَبَعْضُهَا بَاطِل ٌ، وَفِيْهِ حق ٌّ، وَلَكِن
فِيْهِ مَوْضُوْعَاتٌ حَاشَا الإِمَامَ مِنَ النُّطْقِ بِهَا ،
وَلَكِنْ أَيْنَ المُنْصِف ُ؟!
وَقِيْل َ:
بَلْ جَمْعُ أَخِيْهِ الشَّرِيْف الرَّضي .ا.هـ.
- وقال أيضا في الميزان (3/124) : وهو المتهم بوضع كتاب نهج البلاغة
.
وانظر لسان الميزان (4/256 - 258) في ترجمته .
- وقال ابن كثير في البداية والنهاية (12/56 - 57) في سنة ست وثلاثين
وأربع مئة عند ترجمة الشريف المرتضى :
قال : ويقال : إنه هو الذي وضع كتاب " نهج البلاغة " .ا.هـ.
فـائـدةٌ
:
- ذكر
الحافظ ابن كثير في ترجمة الشريف المرتضى أمورا عجيبة ومن ذلك :
علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد
بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الشريف الموسوي ، الملقب
بالمرتضى ذي المجدين - كان أكبر من أخيه الرضي - ذي الحسبين ، نقيب
الطالبين ، وكان جيد الشعر على مذهب الإمامية والاعتزال يناظر على ذلك
، وكان يناظر عنده في كل المذاهب ، وله تصانيف في التشيع ؛ أصولا
وفروعا ، وقد نقل ابن الجوزي في ترجمته أشياء من تفرداته في التشيع ،
فمن ذلك أنه لا يصح السجود إلا على الأرض أو ما كان من جنسها ، وأن
الاستجمار إنما يجزئ في الغائط لا في البول ، وأن الكتابيات حرام ،
وذبائح أهل الكتاب حرام ، وكذا ما ولوه هم وسائر الكفار من الأطعمة ،
وأن الطلاق لا يقع إلا بحضرة شاهدين ، والمعلق منه لا يقع وإن وجد
شرطه ، ومن نام عن صلاة العشاء حتى انتصف الليل وجب قضاؤها ، ويجب
عليه أن يصبح صائما كفارة لما وقع منه .
ومن ذلك أن المرأة إذا جزت شعرها يجب عليها كفارة قتل الخطأ ، ومن شق
ثوبه في مصيبة وجب عليه كفارة يمين ، ومن تزوج امرأة لها زوج لا يعلمه
وجب عليه أن يتصدق بخمسة دراهم ، وأن قطع السارق من أصول الأصابع
.
قال ابن الجوزي : نقلتها من خط أبي الوفاء بن عقيل .
قال : وهذه مذاهب عجيبة تخرق الإجماع ، وأعجب منها ذم الصحابة ، رضي
الله عنهم . ثم سرد من كلامه شيئا قبيحا في تكفير عمر وعثمان وعائشة
وحفصة ، رضي الله عنهم ، وقبحه وأمثاله إن لم يكن تاب ، فقد روى ابن
الجوزي قال : أنبأنا ابن ناصر ، عن أبي الحسن بن الطيوري قال : سمعت
أبا القاسم بن برهان يقول : دخلت على الشريف المرتضى أبي القاسم
العلوي في مرضه ، وإذا قد حول وجهه إلى الجدار ، فسمعته يقول : أبو
بكر وعمر وليا فعدلا ، واسترحما فرحما ، فأنا أقول : ارتدا بعد ما
أسلما ؟! قال : فقمت فما بلغت عتبة الباب حتى سمعت الزعقة عليه
.ا.هـ.
- وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان في ترجمة المرتضى :
وقد اختلف الناس في كتاب " نهج البلاغة " المجموع من كلام علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ، هل هو من جمعه أم جمع أخيه الرضي ؟ .
وقد قيل : إنه ليس من كلام علي رضي الله عنه ، وإنما الذي جمعه ونسبه
إليه هو الذي وضعه .ا.هـ.
وقال القنوجي في أبجد العلوم (3/67) عند ترجمة الشريف المرتضي
:
وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة ، المجموع من كلام الإمام علي
بن أبي طالب ، هل هو جَمَعَه ، أم جَمْعُ أخيه الرضي ؟ وقد قيل : إنه
ليس من كلام علي، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه
.ا.هـ.
- وقال محب الدين الخطيب في تعليقه على " المنتقى من منهاج السنة " (
ص 20) :
وهذان الأخوان تطوعا للزيادة على خطب أمير سيدنا علي بكل ما هو طارئ
عليها وغريب منها ؛ من التعريض بإخوانه الصحابة ، وهو بريء عند الله
عز وجل من كل ذلك ، وسيبرأ إليه من مقترفي هذا الإثم .ا.هـ.
- وقال أيضا ( ص 508) :
ومن المقطوع به أن أخاه علي بن الحسين المرتضى المتوفي سنة (426 هـ)
شاركه في الزيادات التي دُسَّت في النهج ، ولا سيما الجُمل التي لها
مساس بأحباب علي وأولياء النبي صلى الله عليه وسلم كقول الأخوين أو
أحدهما : لقد تقمصها فلان ، وما خرج من هذه الحمأة .ا.هـ.
- وقد رجح الشيخ صالح الفوزان في " البيان لأخطاء بعض الكتاب " ( ص
72) أن الكتاب من وضع الاثنين فقال :
والذي يظهر لي أنه من وضع الاثنين ... ومما يدل على أن كتاب " نهج
البلاغة " إما من وضع المرتضى أو له فيه مشاركة قوية ما فيه من
الاعتزاليات في الصفات ، والمرتضى كما ذُكر في ترجمته من كبار
المعتزلة .ا.هـ.
آراءُ علماءِ أهلِ السنةِ في كتابِ " نهج البلاغة " :
تكلم علماء أهل السنة على كتاب " نهج البلاغة " بأدلة ظاهرة واضحة
ساطعة بما لا يدع مجالا للشك أن الكتاب يستحيل أن ينسب إلى علي بن أبي
طالب رضي الله عنه ، وإليك بعضا من أقوالهم .
- قال الخطيب البغدادي في الجامع (2/161) :
ونظير ما ذكرناه آنفا أحاديث الملاحم ، وما يكون من الحوادث ، فإن
أكثرها موضوع ، وجُلها مصنوع ، كالكتاب المنسوب إلى دانيال ، والخُطب
المروية عن علي بن أبي الخطاب .ا.هـ.
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/55 - 56) :
وأيضا ؛ فأكثر الخطب التي ينقلها صاحب "نهج البلاغة "كذب على علي ،
وعليٌّ رضي الله عنه أجلُّ وأعلى قدرا من أن يتكلم بذلك الكلام ، ولكن
هؤلاء وضعوا أكاذيب وظنوا أنها مدح ، فلا هي صدق ولا هي مدح ، ومن قال
إن كلام علي وغيره من البشر فوق كلام المخلوق فقد أخطأ ، وكلام النبي
صلى الله عليه وسلم فوق كلامه ، وكلاهما مخلوق ...
وأيضا ؛ فالمعاني الصحيحة التي توجد في كلام علي موجودة في كلام غيره
، لكن صاحب نهج البلاغة وأمثاله أخذوا كثيرا من كلام الناس فجعلوه من
كلام علي ، ومنه ما يحكى عن علي أنه تكلم به ، ومنه ما هو كلام حق
يليق به أن يتكلم به ولكن هو في نفس الأمر من كلام غيره .
ولهذا يوجد في كلام البيان والتبيين للجاحظ وغيره من الكتب كلام
منقول عن غير علي وصاحب نهج البلاغة يجعله عن علي ، وهذه الخطب
المنقولة في كتاب نهج البلاغة لو كانت كلها عن علي من كلامه لكانت
موجودة قبل هذا المصنف منقولة عن علي بالأسانيد وبغيرها ، فإذا عرف من
له خبرة بالمنقولات أن كثيرا منها بل أكثرها لا يعرف قبل هذا علم أن
هذا كذب ، وإلا فليبيِّن الناقل لها في أي كتاب ذكر ذلك ، ومن الذي
نقله عن علي ، وما إسناده ، وإلا فالدعوى المجردة لا يعجز عنها أحد ،
ومن كان له خبرة بمعرفة طريقة أهل الحديث ومعرفة الآثار والمنقول
بالأسانيد وتبين صدقها من كذبها ؛ علم أن هؤلاء الذين ينقلون مثل هذا
عن علي من أبعد الناس عن المنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها
.ا.هـ.
- وقال الإمام الذهبي في الميزان (3/124) :
ومن طالع كتابه " نهج البلاغة " ؛ جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين
علي رضي الله عنه ، ففيه السب الصراح والحطُّ على السيدين أبي بكر
وعمر رضي الله عنهما ، وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات
التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة ، وبنفس غيرهم ممن بعدهم من
المتأخرين ، جزم بأن الكتاب أكثره باطل .ا.هـ.
- وجاء في كتاب مختصر التحفة الإثنى عشرية ( ص 36) :
ومن مكائدهم - أي الرافضة - أنهم ينسبون إلى الأمير من الروايات ما
هو بريء منه ويحرفون عنه ، فمن ذلك " نهج البلاغة " الذي ألفه الرضي
وقيل أخوه المرتضى ، فقد وقع فيه تحريف كثير وأسقط كثيرا من العبارات
حتى لا يكون به مستمسك لأهل السنة ، مع أن ذلك أمر ظاهر ، بل مثل
الشمس زاهر .ا.هـ.
- وقال الشيخ الفوزان في " البيان " ( ص72) :
ثم نقل ابن حجر في لسان الميزان كلام الذهبي مقررا له .
فهؤلاء الأئمة : شيخ الإسلام ، والإمام الذهبي ، والحافظ ابن حجر ؛
كلهم يجزمون بكذب نسبة ما في هذا الكتاب أو أكثره إلى علي بن أبي طالب
رضي الله عنه ، وأنه من وضع مؤلفه .ا.هـ.
- وقال الدكتور زيد العيص في كتاب " الخميني والوجه الآخر في ضوء
الكتاب والسنة " (ص 164) بعد أن نقل كلام العلماء في تكذيب نسبة
الكتاب إلى علي رضي الله عنه :
ونعم ما قاله هؤلاء العلماء رحمهم الله ، فإن الناظر في محتويات هذا
الكتاب ، وفي مضمون خُطبه يجزم بأنه مكذوب على علي إلا كلمات يسيرة
وردت عنه ، ويتأكد هذا الحكم بالأمور التالية : ... وذكر ثلاثة أمور
.ا.هـ.
- وقال الشيخ الدكتور ناصر القفاري في " أصول الشيعة " (1/389)
:
فتراهم مثلا يحكمون بصحة كتاب نهج البلاغة ، حتى قال أحد شيوخهم
المعاصرين - وهو الهادي كاشف الغطاء في مدارك نهج البلاغة - : إن
الشيعة على كثرة فرقهم واختلافها متفقون متسالمون على أن ما في نهج
البلاغة هو من كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه اعتمادا على رواية
الشريف ودرايته ووثاقته .. حتى كاد أن يكون إنكار نسبته ليه رضي الله
عنه عندهم من إنكار الضروريات وجحد البديهيات اللهم إلا شاذا منهم .
وأن جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال
ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم .
مع أن كتاب النهج مطعون في سنده ومتنه ، فقد جُمع بعد أمير المؤمنين
بثلاثة قرون ونصف بلا سند ، وقد نسبت الشيعة تأليف نهج البلاغة إلى
الشريف الرضي ، وهو غير مقبول عند المحدثين لو أسند خصوصا فيما يوافق
بدعته فكيف إذا لم يسند كما فعل في النهج ، وأما المتهم - عند
المحدثين - بوضع النهج فهو أخوه علي .ا.هـ.
بعض أهل السنة
ينسب الكتاب إلى علي رضي الله عنه :
وبالرغم من تكذيب هؤلاء
الأعلام من علماء أهل السنة نسبة الكتاب إلى علي بن أبي طالب رضي الله
عنه وُجد من أهل السنة من يجزم أن الكتاب من كلام علي رضي الله عنه
.
- قال الشيخ مشهور حسن في " كتب حذر منها العلماء " (2/251) :
وقد قال محمد محيى الدين عبد الحميد في مقدمة تعليقه عليه إنه من
كلام علي رضي الله عنه ، وقال : إنه يعتقد أن محمد عبده كان مقتنعا
بأن الكتاب كله للإمام علي رضي الله عنه وإن لم يصرح بذلك ، وحتى إنه
ليجعل ما فيه حجة على معاجم اللغة .
وذهب محمد الخضري بك إلى أنه من وضع حيدرة .ا.هـ.
ثم نقل الشيخ مشهور رد محمد العربي التباني على محمد الخضري بك بطلان
نسبة الكتاب إلى علي رضي الله عنه من عشرة أوجه ، فليرجع إليها .
ولولا خشية الإطالة لنقلتها بنصها .
وقد استهجن الدكتور زيد العيص في كتاب " الخميني والوجه الآخر " ( ص
166) موقف محمد عبده من الكتاب حيث قام محمد عبده بشرح ألفاظ الكتاب
.
قال الدكتور : وليس بمستغرب أن يصدر هذا الافتراء عن الشريف المرتضى
، إنما المستهجن موقف الشيخ محمد عبد الذي قام بشرح ألفاظ هذا الكتاب
، وكان يمر بالعبارات التي تذم الشيخين ، والصحابة ، والنصوص التي
توحي بأن عليا يعلم الغيب ، وغيرها من النصوص المستنكرة ، دون أن يعلق
بكلمة واحدة ، وكأنها مسلمات عنده .
ولم يكن هم الشيخ سوى شرح الألفاظ ، وتقريب المعاني إلى القاريء
بأسلوب ميسر ليحببه إلى النفوس ، ويشجع على قراءته ، والغريب أيضا أنه
عبر في بعض المواضع عن أهل السنة بقوله : " عندهم " . ولا أدري أين
كان يضع الإمام نفسه وقتئذ ؟! .ا.هـ.
وقد رد الشيخ صالح الفوزان في كتاب " البيان لأخطاء بعض الكُتاب " (
ص 69 - 85) على الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو الذي كتب بحثا بعنوان :
" نهج البلاغة بين الإمام علي والشريف الرضي " في مجلة كلية اللغة
العربية والعلوم الاجتماعية " بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
في ( العدد الخامس - عام 1395 هـ ) .
وسأفرد رد الشيخ الفوزان على الدكتور الحلو بموضوع خاص به إن شاء
الله تعالى .
أرجو أن يكونَ في هذه النقولات لكلام علماء أهل السنة كفاية لبيان
كذب نسبة كتاب " نهج البلاغة " .
ومن كان عنده زيادة أو تعليق أو تعقيب فأكون له من الشاكرين .
كتبه عبد الله زقيل
[email protected]