العقيدة.. كم نحتاج إليها الآن بل دومًا
السيد العربي بن كمال
في هذه الآونة الأخيرة ومع هذه المتغيرات المتلاحقة في المنطقة العربية عمومًا وفي مصر خصوصًا، والتي ظهر معها ومن خلالها من يتكلم على الإسلام وشريعته، وكأنه مطلب فئوي يمكن قبوله ويمكن رده، وغير ذلك مما يندى له الجبين بل وتدمع العين دمًا قبل الدمع، على ما وصل له حال المسلمين..
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
الحمد لله وكفي وسلام على عباده الذين اصطفي أمَّا بعد:
في هذه الآونة الأخيرة ومع هذه المتغيرات المتلاحقة في المنطقة العربية عمومًا وفي مصر خصوصًا، والتي ظهر معها ومن خلالها من يتكلم على الإسلام وشريعته، وكأنه مطلب فئوي يمكن قبوله ويمكن رده بل -والعياذ بالله- يمكن الطعن فيه وسبه وتشويهه، وغير ذلك مما يندى له الجبين بل وتدمع العين دمًا قبل الدمع، على ما وصل له حال المسلمين وموقفهم -بسبب عدم علمهم وبسبب ضعف وضبابية العقيدة عندهم- من إسلامهم الذي هو دينهم وسبب عزهم وقضية وجودهم الذي به -أي الإسلام- يكونون وبغيره لا يكونون.
هذا الحال يوجب على جميع المسلمين -خاصة أهل البصيرة والعلم- أن يتنبهوا وينبهوا إلى ماهية العقيدة الإسلامية وأهميتها، ومدى الحاجة إليها، وأنها الدواء الناجع لما نعاني منه من أمراض الجهل والغفلة، وفي هذا المقال أحاول أن أعرف تلك العقيدة حتى يستبين القارئ ماهيتها، ثم أبين بعض ما لها من أهمية وأثرًا بالغًا في مفاهيم المسلم وإيمانه، بل ما يحدث له من تقوى وتقويم واستقامة على مستوى الفرد والجماعة.
فأقول وبالله السداد والتوفيق:
- لا بد لكل بناءٍ ماديًا كان أو معنويًا من أساس يقوم عليه، والدين الإسلامي بناء متكامل يشمل جميع حياة المسلم منذ ولادته وحتى مماته، ثم ما يصير إليه بعد موته، وهذا البناء الضخم يقوم على أساس متين هو العقيدة الإسلامية، التي تتخذ من وحدانية الخالق منطلقًا لها كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].
فالإسلام يعنى بالعقيدة ويوليها أكبر عناية، سواء من حيث ثبوتها بالنصوص ووضوحها، أو من حيث ترتيب آثارها في نفوس معتقديها، لذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث عشر سنين بمكة ينزل عليه القرآن، وكان في غالبه ينصب على البناء العقدي، حتى إذا ما تمكنت العقيدة في نفوس أصحابه رضوان الله عليهم نزلت التشريعات الأخرى بعد الهجرة إلى المدينة.
- لما كان الدين الإسلامي بناءًا متكاملاً اعتقادًا وعبادة وسلوكًا، لزم أن يكون هذا البناء متناسقًا ومنسجمًا، لذلك فالعقائد الإسلامية والعبادات والمعاملات والسلوك كلها تتجه لوجهة واحدة، هي: (إخلاص الدين لله تعالى) وهذا الاتجاه المتحد له أهمية قصوى في فهم الدين الإسلامي قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء:125].
- إن الله قد جعل الإنسان خليفة في الأرض، وقد وكّل إليه إعمارها، كما أمر بعبادة الله تعالى والدعوة إلى دينه، والمسلم في حياته كلها يستشعر أنه يؤدي رسالة الله تعالى بتحقيق شرعه في الأرض، فعقيدته تدفعه إلى العمل الجاد المخلص لأنه يعلم أنه مأمور بذلك دينًا، وأنه مثاب على كل ما يقوم به من عمل جل ذلك العمل أم صغر.
- إن إفراد الله تعالى بالتوجه إليه في جميع الأمور يحقق للإنسان الحرية الحقيقية التي يسعى إليها، فلا يكون إلا عبدًا لله تعالى وحده لا شريك له، فتصغر بذلك في عينه جميع المعبودات من دون الله، وتصغر العبودية للمادة والانقياد للشهوات، فإن العقيدة ما إن تتمكن من قلب المسلم حتى تطرد منه الخوف إلا من الله تعالى، والذل إلا لله، وهذا التحرر من العبودية لغير الله تعالى هو الذي جعل جنديًا من جنود الإسلام وهو (ربعي بن عامر رضي الله عنه) عندما ذهب لملك الفرس حين سأله عن سبب مجيئهم أن يقول له: "لقد جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العالمين، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة".
- أن العقيدة الإسلامية هي العقيدة الوحيدة التي تحقق الأمن والاستقرار، والسعادة والسرور.
كما قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:112]، وقال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } [التغابن:11]، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82].
كما أن العقيدة الإسلامية وحدها هي التي تحقق العافية والرخاء، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]، ثم إن العقيدة الإسلامية هي السبب في حصول التمكين في الأرض، وقيام دولة الإسلام..
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105]، وقال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّة وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
والإنسان إنما يتحرك ويتصرف بما يعتقد حقًا كان أو باطلاً وبما يتصور واقعًا كان أم وهمًا، لذلك قالوا: "أن المسلك فرع عن التصور"، وإذا كان الأمر كذلك كان ما يظهر لنا من صلاح الإنسان أو فساده السلوكي راجعًا بالضرورة إلى صلاح معتقداته وتصوراته أو فسادها.
وقال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:81]، وفي الحديث: «أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَة إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» [البخاري:50].
- فإذا ما عرف الإنسان ربه وآمن به تفجرت ينابيع الخير في قلبه، ثم فاضت على جوارحه بمقدار علمه وقوة إيمانه، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى كما جعل الروح جوهر الإنسان، فقد جعل الإيمان به منبع كل خير فيه، لذلك كان كل رسول يدعو قومه إلى إفراد الله تعالى بالعبودية ثم يدعوهم بعد ذلك إلى تفاصيل الشريعة، وإلى ترك ما هم عليه من أنواع الانحرافات السلوكية، خُلقية كانت أم اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية..
فالعقيدة: هي التي تهيئ النفوس لعبادة الله وينشط الجوارح لها، وإذا حلت الهداية قلبًا نشطت للعبادة الأعضاءُ
- وهى التي تهيئ النفوس لقبول تفاصيل الشريعة، ففي الحديث عن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ قَالَ: "إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ وَيْحَكَ! وَمَا يَضُرُّكَ؟ قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعلي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إلى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ لَا تَزْنُوا لَقَالُوا لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُ} [القمر:46]، وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ" (البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن).
- وهى السبب الأساس لحل المشكلات الاقتصادية والسياسية والخلقية، أقول إنها الأساس ولا أقول إنها تغني عن التفاصيل التشريعية المبنية عليها، ولا عن الأسباب الطبيعية والاجتماعية التي جعلها الله أسبابًا مؤثرة، وهى السبب الأساس لبقاء النعم المادية وزيادتها، والكفر والإخلال بها هو السبب الأساس لنقصانها وزوالها.
قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12]، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96].
تعريف العقيدة:
العقيدة في اللغة: من العَقْدِ، وهو الرَّبطُ، والإِبرامُ، والإِحكامُ، والتَّوثقُ، والشَدُّ بقوه، والتماسُك، والمراصةُ، واليقين والجزم.. والعَقْد نقيض الحل، ويقال: عَقَده يعقِده عَقْدًا، ومنه عُقْدَة اليمين وعُقْدَة النكاح، قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ..} [المائدة:89]، فالعقيدة لغة: (المعقود التي عقد عليها القلب وعزم بالقصد البليغ) (ينظر: معجم مقاييس اللغة - لابن فارس 4/86-87 - ولسان العرب - لابن منظور 9/309 - والقاموس المحيط للفيروزآبادي صـ 383-384- والصحاح- للجوهري صـ:186-187]، وكل ما عقد الإِنسانُ عليه قلبه جازمًا به سواءٌ أكان حقًا، أَم باطلاً، فهو عقيدة، فإن كانت حقًا فهي عقيدة الإسلام، وإلا فلا!
والعقيدة: (هي ما يعقد ويوثق الإنسان عليه قلبه وضميره، ويجزم به، حتَّى يكون من الأُمور التي لا تقبل نفسُه الشَّكَّ فيها)، والعقيدة اصطلاحًا: (هي الإِيمان الجازم الذي لا يتطرَّق إِليه شك لدى معتقده، فكأن العقيدة هي العهد المشدود والعروة الوثقى، وذلك لاستقرارها في القلوب ورسوخها في الأعماق).
فالعقيدة في الاصطلاح العام: هي ما انعقد عليه القلب وصدق به وتعذر تحويله عنه، لا فرق في ذلك بين ما كان راجعًا إلى تقليد أو ظن أو وهم أو دليل، والعقيدة الإسلامية: هي الإِيمان الجازم بربوبية اللّه تعالى وأُلوهيته وأَسمائه وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وسائر ما ثَبَتَ من أُمور الغيب، وأصول الدِّين، وما أَجمع عليه السَّلف الصَّالح، والتسليم التام للّه تعالى في الأَمر، والحكم، والطاعة، والاتباع لرسوله، والعقيدة الإسلامية: هي كل خبر جاء عن الله أو رسوله يتضمن خبرا غيبيا لا يتعلق به حكم شرعي عملي.
ويدخل في العقيدة الإسلامية كل ما يتعلق بالله تعالى، وكل ما أخبر به عن نفسه تعالى: مما يتعلق بالذات والأسماء والصفات والأفعال.. ويدخل في العقيدة الإسلامية أيضا ما يتعلق بالرسل الكرام الذين بعثهم الله تعالى برسالاته إلى البشر، وما يتعلق بأولئك الرسل عليهم السلام من صفات وما يجب في حقهم وما يستحيل عليهم وما هو جائز منهم، ويدخل في العقيدة الإسلامية أيضًا الأمور الغيبية: وهي التي لا يمكن الوصول إلى معرفتها إلا بوحي من الله تعالى بواسطة رسول من رسله عليهم السلام أو كتاب من كتبه.
وأساس العقيدة الإسلامية:
هو أصول الإيمان الستة التي ذكرها الله سبحانه وذكرها رسول الله في غير موضع. قال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله سيدنا جبريل عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» (مسند أحمد:182/1).
والعقيدة الإِسلاميَّة عند إطلاقها:
فهي عقيدة أَهل السُّنَّة والجماعة، لأنَّها هي أصل الإِسلام الذي ارتضاه اللّه دينا لعباده، وهي عقيدة القرون الثلاثة المفضَّلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإِحسان إلى يوم الدين، والعقيدة الصَّحيحة (عقيدة أهل السنة والجماعة): هي ما يعقد ويُوثق المؤمنون المتَّبعون للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، قلوبَهم وضمائرَهم عليه، من الأمور التي ذكرها الله في كتابه، وذكرها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في سنته.
*هل هناك فرق بين العقيدة والإيمان؟
نعم هناك فروق عظيمة ودقيقة بين الإيمان -كأعمال إيمانية- والعقيدة من حيث الحقيقة والماهية الشرعية أبين بعضها فيما يلي.. فالإيمان لغة: "مصدر آمن يؤمن إيمانًا فهو مؤمن والأمن ضد الخوف، وكذلك عرف الإيمان بالتصديق والثقة والطمأنينة والإقرار.. والإيمان يختلف عن التصديق في اللفظ والمعنى، فالإيمان ضده الكفر والتصديق ضده الكذب (فالكفر يؤدي إلى التكذيب بينما التصديق لا يؤدي إلى الإيمان" (ينظر: لسان العرب- لابن منظور: مادة (أ م ن)، ومعجم مقاييس اللغة - لابن فارس، مادة: (أ م ن).
والإيمان اصطلاحًا: "اعتقاد بالجنان، وإقرار باللِّسان، وعمل بالأركان.." (ينظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز، صـ 332)، أو هو: "قول وعمل يزيد وينقص: قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل اللسان والجوارح" (ينظر التمهيد لابن عبد البر (9/248)، والفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/308).
- وهناك حقائق تُبين حقيقة العقيدة والايمان والفرق بينهما، وتبين أهمية العقيدة بالنسبة للإيمان خصوصًا:
أولا: أنَّ الإيمان أوسع معنى من العقيدة، فهو يشمل الاعتقاد والقول والعمل..
ثانيا: العقيدة أصل الإيمان وأساسه، وبدون العقيدة فلا يوجد إيمان، فالعقيدة تمثِّل اعتقاد القلب، وهو قولُ القلب وعمله، وهذا هو أصلُ وأساسُ الإيمانِ، فهذا يدُلُّ على أهمية العقيدة بالنسبة للإيمان.
ثالثا: بزيادة قُوَّة العقيدة في القلب يزيد ويقوى الإيمان، وبنقص قُوَّة العقيدة من القلب ينقص الإيمان وتنقص أعمال الإيمان، فقُوَّة الإيمان وضَعْفه مُرتَّب على قوة العقيدة وضعفها، يشهد لذلك الحديث: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَة إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» (البخارى برقم:50).
رابعا: العقيدة الصحيحة تورث إيمانًا صحيحًا على اللسان والجوارح، والعقيدة المنحرفة في القلوب تورث إيمانًا منحرفًا على اللسان والجوارح، فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون، ومن اقتدى بهم لمَّا كان الاعتقاد في قلوبهم صحيحًا، موافقًا للكتاب والسنة، كان إيمانُهم صحيحًا، فكانوا خَيْرَ أُمَّةٍ أُخرجت للناس ورضي الله عنهم ورضوا عنه، وبالننظر إلى أي فِرقَة مُنحرفة -كالمرجئة مثلا- نجد أنه لما انحرفت العقيدة في قلوبهم عن الكتاب والسنة، واعتقدوا أنَّ الإيمانَ هو المعرفة في القلب فقط، وأخرجوا العمل من مُسمَّى الإيمان، انحرف إيمانُهم، فصار عندهم مرتكب كبائر الذُّنوب والمعاصي، مثل المؤمن المطيع لله عزَّ وجلَّ المجتنب لمعصيته، وهكذا الخوارج والمعتزلة، وغيرهم من الفرق الضالة.
خامسا: الذنب المتعلِّق بالعقيدة خطير جدًا، لا يغفره الله إذا مات الإنسان مُصرًا عليه ولم يَتُبْ، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، والشِّرك ذنب كبير مُتعلق بالعقيدة..
سادسًا: الإيمان عند إطلاقه يشمل الدِّينَ بأكمله، أمَّا العقيدةُ فتشمل أهمَّ شيء في الدِّين، وهو قول القلب وعمله..
سابعًا: العقيدةُ الصحيحةُ -عقيدة أهل السنة والجماعة- تَنجي صاحِبَها من النَّار، ولو بعد دخول النار، والدَّليلُ على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه، رقم:6480: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال رجل لم يعمل حسنة قَطُّ لأهله: إذا مات فَحرِّقُوه، ثم اذْرُوا نصفه في البرِّ، ونِصْفَهُ في البحرِ، فواللّه، لئِنْ قَدَرَ الله عليه ليُعذِّبنَّه عذابًا لا يُعَذِّبُهُ أحدًا من العالمين، فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم، فأمر الله البَرَّ فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، ثم قال: لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: من خشيتك يا ربِّ، وأنت أعلم، فغفر الله عز وجل له» (أخرجه البخاري ومسلم).
وكذلك حديث صاحب البطاقة، الذي رواه الترمذي وغيره (رقم:2639)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم:1776): عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ سِجِّلا كُلُّ سِجِلٍّ مَدُّ الْبَصَرِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدِي حَسَنَة، وَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَيُخْرِجُ لَهُ بِطَاقَة، فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ؟ قَالَ: فَتُوضَع السِّجِلَّات فِي كِفَّة وَالْبِطَاقَة فِي كِفَّة فَطَاشَتْ السِّجِلَّات وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَة، وَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْئًا»، ودخل الرَّجُلُ الجنَّة بكلمة التوحيد والعقيدة!
وكذلك ما رواه مسلم في صحيحه (رقم:304): «أنَّه يخرج من النَّار مَن في قلبه مِثْقال ذَرَّة من خير»، والمقصود أنَّ أهل العقيدة الصحيحة يدخلون الجنَّة، ولو بعد حين، ولا يُخلَّدون في النار أبدًا! وفي الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «َقُالُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَة وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَة لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَة» (مسلم برقم:4852).
ثامنًا: أعمال الإيمان -الأعمال الصَّالحة- بدون عقيدة صحيحة لا تُنجي صاحِبَها من النَّار، والدليل على ذلك أنَّ المنافقين الذين يظهرون الإيمان والعمل الصالح، ويعتقدون الكُفْر في قلوبهم، لم تنفعْهُم أعمالُهم الصَّالحة الظاهرة بدون عقيدة سليمة، فهم في الدَّرك الأسفل من النار، قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَإلى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54]، قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:145].
وكذلك الكفار إذا عملوا أعمالاً صالحة لا تنفعهم يوم القيامة، لأنَّ عقيدتهم غير صحيحة، قال تعالى: " {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا} [الفرقان:23]، وغير ذلك..، والمقصود أنَّ أعمال الإيمان بدون عقيدة وإخلاص، فإنَّها لا تنفع صاحِبَها يوم القيامة..!
التاسع من تلك الفروق: أنَّ الحبَّ والبُغضَ والمولاة والمعاداة إنَّما هي بحسب العقيدة، فالكافر والمُنافق نبغضه ونعاديه بغضًا مطلقًا لكفره وفساد عقيدته، والمؤمن نحبُّه حبًا مطلقًا لإيمانه وصلاح عقيدته، والمسلم العاصي يُحبُّ ويُوإلى بحسب ما عنده من عقيدة صحيحة.
فهذا رجلٌ كان يشربُ الخمر، وكان يُؤتَى به كثيرًا عند النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيقيم عليه الحد، فأُتي به ذات مَرَّة، فقال بعضُ الصَّحابة: "اللهم الْعَنْهُ، ما أكثرَ ما يُؤتى به!"، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تلعنه، فإنَّه يُحبُّ اللهَ ورسوله» (رواه البزار برقم:269، وإسنادُه صحيح، ورجاله رجال الصحيح)، فنهى النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن لعنه، لأنَّ لديه عقيدة صحيحة عقيدة الكتاب والسنة، وهي حبُّ الله ورسوله.
عاشرًا: ومما يدُلُّ على أهمية العقيدة، خصوصًا في هذا الزَّمان: جَهْلُ المسلمين بالعقيدة الصَّحيحة، ومن ثَمَّ وقوعهم في أخطاءٍ شنيعة، فبعضُ المسلمين يُقدِّس القُبُور، ويرتكب الشِّرْكِيَّات والمُخالفات في التوحيد، وبعض المسلمين راحَ يقدِّم العقل على النُّصوص الشرعيَّة، فوقع في مُخالفات خطيرة، فأنكر بعضُ هؤلاء العصريين المادِّيِّين السِّحر وتلبُّس الجن بالإنس، ووجوب الحكم بالشَّريعة، ووجوبَ معاداة أعداء الله، وغير ذلك من أمور العقيدة التي جاءت الشَّريعة بإثباتها، مما يدُلُّ على أهمية تعلُّم ونشر ودراسة العقيدة الصَّحيحة، عقيدة أهل السنَّة والجماعة.
حادي عشر: ومما يدلُّ على أهمية العقيدة الصحيحة أيضًا: سَعْيُ أهل العقائد المنحرفة من الكفار كـ(النصارى والعلمانيين) ومن أهل البدع، إلى نشر عقائدهم بكُلِّ الوسائل، مما يُوجب على المسلمين دَفْع هذا المنكر، عن طريق نشر عقيدة أهل السنَّة والجماعة، عقيدة السَّلف الصالح، وإنقاذ الناس من هذه العقائد المنحرفة.
ولا بد أن نعلم هنا بعض الحقائق الهامة المتعلقة بالعقيدة وأهميتها من ذلك:
- العقيدة هي أول الواجبات على المكلفين: قال جل وعلا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، وأخرج البخارى ومسلم: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْيَمَنِ قَالَ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ -وفي رواية: فَادْعُهُمْ إلى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللَّهِ، وفي رواية: فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إلى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تعالى- فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاة مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» (البخاري برقم:1365 -1401،4000،6824، ومسلم برقم:27).
- العقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين، وتصح معه الأعمال، وتقبل به الأقوال، فمن صحت عقيدته صح عمله، ومن فسدت عقيدته فسد عمله.. قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلى أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وَإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِين} [الزمر:65].
- أن جميع الرسل أرسلوا بالدعوة للعقيدة الصحيحة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥]، إن تحقيق توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة هو الغاية الأولى من خلق الإنس والجن، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]،
إن قبول الأعمال متوقف على تحقق التوحيد من العبد، وكمال أعماله على كمال التوحيد، فأي نقص في التوحيد قد يحبط العمل أو ينقصه.
إن العقيدة تحدد العلاقة بين العبد وربه معرفة وتوحيدًا، وعبادة شاملة لله تعالى.
إن السعادة في الدنيا أساسها العلم بالله تعالى، فحاجة العبد إليه فوق كل حاجة، فلا راحة ولا طمأنينة إلا بأن يعرف العبد ربه.
إن العقيدة تجيب عن جميع التساؤلات التي ترد على ذهن العبد، ومن هذه التساؤلات صفة الخالق، ومبدأ الخلق ونهايته وغيرها من الأمور.
إن العقيدة الصحيحة هي سبب النصر والفلاح في الدارين الدنيا والآخرة..
وللعقيدة الإسلامبة خصائص، وخصائص العقيدة الإسلامية كثيرة منها:
- أنها عقيدة غيبية:
الغيب: ما غاب عن الحس، فلا يدرك بشيء من الحواس الخمس: السمع والبصر واللمس والشم والذوق، وعليه فإن جميع أمور ومسائل العقيدة الإسلامية التي يجب على العبد أن يؤمن بها ويعتقدها غيبي، كالإيمان بالله، وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وعذاب القبر ونعيمه، وغير ذلك من أمور الغيب التي يُعتمد في الإيمان بها على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
- أنها عقيدة توقيفية:
فعقيدة الإسلام موقوفة على كتاب الله، وما صح من سنة رسوله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فليست محلاً للاجتهاد، لأن مصادرها توقيفية، وذلك أن العقيدة الصحيحة لا بد فيها من اليقين الجازم، فلا بد أن تكون مصادرها مجزومًا بصحتها، وهذا لا يوجد إلا في كتاب الله وما صح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعليه فإن جميع المصادر الظنية، كالقياس والعقل البشري لا يصح أن تكون مصادر للعقيدة، فمن جعل شيئًا منها مصدرًا للعقيدة فقد جانب الصواب، وجعل العقيدة محلاً للاجتهاد الذي يخطئ ويصيب.
- موافقتها للفطرة القويمة، والعقل السليم:
فعقيدة أهل السنة والجماعة ملائمة للفطرة السليمة، موافقة للعقل الصريح، الخالي من الشهوات والشبهات.
- اتصال سندها بالرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين وأئمة الدين قولا، وعملاً واعتقادًا: وهذه الخصيصة قد اعترف بها كثير من خصومها، فلا يوجد بحمد الله أصل من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ليس له أصل أو مستند من الكتاب والسنة، أو عن السلف الصالح، بخلاف العقائد الأخرى المبتدعة.
- الوضوح والسهولة والبيان:
فهي عقيدة سهلة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، فلا لبس فيها ولا غموض، ولا تعقيد فألفاظها واضحة، ومعانيها بينة يفهمها العالم والعامي، والصغير والكبير، فهي تستمد من الكتاب والسنة، وأدلة الكتاب والسنة كالغذاء ينتفع به كل إنسان، بل كالماء الذي ينتفع به الرضيع، والصبي، والقوي، والضعيف..
- السلامة من الاضطراب والتناقض واللبس:
فلا مكان فيها لشيء من ذلك مطلقا، كيف لا وهي وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟!
فالحق لا يضطرب، ولا يتناقض، ولا يلتبس، بل يشبه بعضه بعضًا، ويصدق بعضه بعضًا، قال تعالى: {..وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافا كَثِيرا} [النساء: 82].
- أنها قد تأتي بالمحار، ولكن لا تأتي بالمحال:
ففي العقيدة الإسلامية ما يبهر العقول، وما قد تحار فيه الأفهام، كسائر أمور الغيب، من عذاب القبر ونعيمه، والصراط والحوض، والجنة والنار، وكيفية صفات الله عز وجل، فالعقول تحار في فهم حقيقة هذه الأمور وكيفياتها، ولكنها لا تعتبرها مستحيلة بل تسلِّم لذلك وتنقاد، وتذعن لأن ذلك صدر عن الوحي المنزل، الذي لا ينطق عن الهوى..
- ومن خصائصها العموم والشمول والصلاح:
فهي عامة، شاملة، صالحة لكل زمان ومكان، وحال، وأمة... بل إن الحياة لا تستقيم إلا بها.
- الثبات والاستقرار والخلود:
فهي عقيدة ثابتة، مستقرة خالدة، فلقد ثبتت أمام الضربات المتوالية التي يقوم بها أعداء الإسلام، من اليهود والنصارى، والمجوس وغيرهم.. فما إن يعتقد هؤلاء أن عظمها قد وهن، وأن جذوتها قد خبت ونارها قد انطفأت، حتى تعود جذعة ناصعة نقية، فهي ثابتة إلى قيام الساعة، محفوظة بحفظ الله تعالى تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، ورعيلاً بعد رعيل، لم يتطرق إليها التحريف، أو الزيادة، أو النقصان، أو التبديل، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
- أنها سببٌ للنصر والظهور والتمكين:
فذلك لا يكون إلا لأهل العقيدة الصحيحة، فهم الظاهرون، وهم الناجون، وهم المنصورون كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» (أخرجه مسلم والبخاري بنحوه)، فمن أخذ بتلك العقيدة أعزه الله، ومن تركها خذله الله، وقد عَلِم ذلك كلُّ من قرأ التاريخ، فمتى حاد المسلمون عن دينهم- حاق بهم ما حاق، كما حدث لهم في الأندلس وغيرها.
- أنها ترفع قدر أهلها:
فمن اعتقدها، وزاد علمًا بها وعملاً بمقتضاها، ودعوة للناس إليها أعلا الله قدره، ورفع له ذكره، ونشر بين الناس فضله، فردًا كان أو جماعة، ذلك أن العقيدة الصحيحة هي أفضل ما اكتسبته القلوب، وخير ما أدركته العقول، فهي تثمر المعارف النافعة، والأخلاق الذكية العالية.
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين..