(11) الوقفة الثامنة: أدب الإيثار عند الكبار من أصحاب العلم والخبرة

عبد العزيز بن محمد السدحان

  • التصنيفات: سير الصحابة -

فظهر عدم التقدم من الصحابة رضي الله عنهم بين يدي كبار علمائهم، فانظر عندما جاء الخبر بوفاة النبي عليه الصلاة والسلام لم يتكلم أحد من الصحابة غير عمر رضي الله عنه لأن له مقامه ويعرفون فضله وإيمانه وعلمه، فلم يتكلم أحد، ولكن لما جاء الصّديق رضي الله عنه وهو أرفع منه علما ودينًا وفضلًا تكلم.

فانظر كيف أمسك الصحابة رضي الله عنهم ألسنتهم ولم يتكلموا، لأن هناك من هو أعلى قدرًا في العلم وفي الديانة، ولا كلام مع كلامه، ولهذا كانوا من أدرى الناس بتحقيق هذه الآية: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].

فالإنسان ينبغي أن يتأدب في الكلام إذا كان يتكلم مع من هو أعلم منه، فانظر كيف كان عمر رضي الله عنه مع هيبته ومع سابقته في الإٍسلام كيف تأدب مع أبي بكر رضي الله عنه ولم يرفع يدًا عن طاعة الصّديق في طاعة الله تعالى، وأمسك لسانه؛ لأن من هو أعلم منه كان يريد الكلام قبله، فقدَّمه وآثره ولم يستأثر؛ وبذلك تكون العواطف مبنية على دليل شرعي، وأن أي عاطف تُزم بزمام العلم الشرعي فإن صاحبها متى ما تبين له أن الحق خلاف ما هو عليه نسف تلك العاطفة، ورجع إلى عين الحق.

ولهذا من أجمل ما قيل: "العواطف إن لم تكن مبنية على دليل، فإنها تنقلب عواصف". وكم من عواطف جياشة متدفقة وغِيرة مندفعة لم تُزم بزمام العلم الشرعي لا شك ولا ريب أن أصحابها كانوا على خير، وأن مقاصدهم طيبة، وأن نياتهم سليمة؛ لكن كل هذا لا يشفع لصلاح العمل، فالعواطف بلا علم تنقلب عواصف؛ يقول بعض العلماء: "كان الصّديق أقوى الصحابة قلبًا في مواطن الفتن، ولا شك أن قوة الإيمان، وخصاله في سبقه وعلمه وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم- له هذا التميز بين الصحابة رضي الله عنهم. لكن في الأخذ بالأسباب الشرعية، والأخذ بالأدلة الشرعية من أسباب ثبات القلب وبخاصة في مواطن الفتن".

وبعد هذا يأتي خبر آخر عالجه الصّديق رضي الله عنه بحزم وعلم، وكان لهذا الموقف أثره العظيم في تغيير مجرى التاريخ، وهو من الأحداث العظيمة التي مرت في حياة الصديق رضي الله عنه ألا وهو خبر سقيفة بني ساعدة.

 

ملخص من كتاب: وقفات منهجية تربوية دعوية من سير الصحابة.