خشية الله أساسُ التغيير وضمانُه

خُلقٌ عظيم وخصلة صالحة يحتاجها المسلم في جميع أحواله، يحتاجها لإنجاح وإدراك جميع مآربه ومطالبه، يحتاجها في خاصة نفسه، ويحتاجها في معاملته مع الناس، يحتاجها في أسرته، ويحتاجها في وظيفته ومسئوليته، ويحتاجها في تجارته وصناعته، يحتاجها الفرد، والأسرة، والمجتمع، وتحتاجها أمة الإسلام مجتمعة وهي تسلك طريق التغيير وتسعى لإصلاح ذاتها وتبؤ مكانها في هذا العالم،

  • التصنيفات: تربية النفس - خطب الجمعة -


 الخطبة الأولى.

- الحمد والثناء والوصيّة بالتقوى.

- عباد الله: خُلقٌ عظيم وخصلة صالحة يحتاجها المسلم في جميع أحواله، يحتاجها لإنجاح وإدراك جميع مآربه ومطالبه، يحتاجها في خاصة نفسه، ويحتاجها في معاملته مع الناس، يحتاجها في أسرته، ويحتاجها في وظيفته ومسئوليته، ويحتاجها في تجارته وصناعته، يحتاجها الفرد، والأسرة، والمجتمع، وتحتاجها أمة الإسلام مجتمعة وهي تسلك طريق التغيير وتسعى لإصلاح ذاتها وتبؤ مكانها في هذا العالم، أتدرون ما هي يا عباد الله؟

إنها خشيِّة الله أساس صلاح الدنيا والآخرة، هذه الخصلة قد أمر الله بها في كتابه في آياتٍ كثيرة منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}

وقوله جلّ وعلا: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.

وبيّن الله تعالى الأجر العظيم والجزاء الكريم لأهل خشِّيته في آيات كثيرة، من ذلك قوله  تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}  فوزاً شاملاً في الدنيا، والآخرة.

وقوله جلّ ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}

وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهم وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}، أي ذلك الجزاء العظيم من كونهم خير البريَّة، وأن لهم الجنات ورضوان الله عنهم ورضوانهم عنه كل ذلك لأنهم يخشون ربهم، والأعمال العظيمة التي تحقق صلاح الدنيا والدين إنما يصنعها الذين يخشون الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}.


هذه الآيات يجب علينا ونحن نسعى نحو التغيير أن نتأملها جيداً، فالله تعالى يقرّر فيها أن الذين يسارعون في الخيرات لأنفسهم، ولأممهم يسارعون في خيرات الدنيا، وخيرات الآخرة، وهؤلاء الذين يقودون التغيير والإصلاح هم الذين يتصفون بهذه الصفات التي أولها:

أنهم من خشية ربهم مشفقون خائفون أن يحاسبهم الله ويعاقبهم على أي خطأ يرتكبونه أو انحراف يسلكونه أو أمانة يضيعونها أو فساد يُحدثونه، مشفقون من خشية الله أن يحاسبهم أو يعاقبهم على ذلك.

وثانيها: أنهم بآيات ربهم يؤمنون إيماناً صادقاً جازماً، يورثهم تلك الخشيَّة والشفقة من عظمة الله.

وثالثها: أنهم بربهم لا يشركون شركاً أكبر ولا أصغر، ومن أهم الشرك الذي يجب أن يجتنبه المصلحون عبودية الهوى، عبودية الشهوة، عبودية المطامع والمصالح الذاتية التي تخرجه عن عبودية الله إلى عبودية النفس, والهوى، والشيطان، فيعف عن كل خطيئة، ويعدل في كل قضية، ويترفع عن كل دنية.

رابعها: أنهم يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، يعملون الطاعات وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، يعملون الطاعات وقلوبهم وجلة من أن ترد عليهم، يؤدون ما عليهم من الواجبات، وقلوبهم وجلة أن لا يكونوا أدوها كما يحب الله، كما قال (عمر): "لو أن بغلة عثرت بالعراق لخشيت أن يسألني الله عنها لم لا أمهد لها الطريق".

يأخذون ما أخذوا من حقوقهم وقلوبهم وجلة أن يكونوا أخذوا ما لا يحل لهم، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «قال إني لَأَنْقَلِبُ إلى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً على فِرَاشِي فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا» (رواه البخاري ومسلم) .

كل ذلك موقنون أنهم إلى ربهم راجعون وأنه سيحاسبهم على ذلك.

عباد الله: إن الغرائز البشرية الحاملة على الظلم، والفساد، والطغيّان، والعناد، والتي أوصلت النظام القائم ورموزه وأركانه، وكماً كبيراً من منتسبيه في سائر المرافق والمفاصل إلى الحال الذي هو عليه، وجعلته ممقوتاً مكروهاً يطالب الجميع بإزالته وتغييره.

إن تلك الغرائز موجودة هي ذاتها موجودة لدينا جميعاً، وهي موجودة لدى المُنادين بالتغيير فكل النفوس البشرية في ذلك سواء كما قال المتنبي:

والظلم من شيم النفوس فإن تجد *** ذا عفة فلعلة لا يظلم

ولذلك يجب ونحن نستقبل فجر التغيير أن نستلهم هذا المعنى الذي يشمل أصل وقاعدة الإصلاح والتغيير المنشود، فندعوا الله ابتداءً بما يدعوا به الصالحون: (اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك) ونستعيذ بالله من ضد ذلك داعين بما كان يدعوا به النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا تسلط علينا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا».


ثم نبحث عن أهل تلك الصفات: الخشية من الله، والإيمان بآياته، والخوف والوجل من محاسبة الله على جميع التصرفات، نبحث عنهم ليكونوا هم قادة التغيير، وهم صانعوه، وهم المحافظون عليه من أن ينحرف ثم يحتاج إلى ثورة جديدة لتغييره.

وعلينا ثالثاً أن نُشيع خشيِّة الله، ومراقبته، والوجل من حسابه، وعقابه في نفوس جميع شرائح الأمة من مسئولين كباراً وصغاراً؛ لأنه لا يردعهم عن ظلمهم، وفسادهم، ورشوتهم، وتلاعبهم بالمال العام وسائر الانحرافات الفاشية في أجهزة الدولة لا يردع عن ذلك شيء أكثر من خشية الله، فليكن في مطلع وسائل التغيير تربية أولئك الناس على خشية الله، وأنظر ماذا ستكون النتائج وحتى في الفترة الراهنة فترة الخلل الأمني واستهتار الناس بالدولة وأجهزتها إننا بحاجة إلى خشية الله، فإذا غاب وازع السلطان يجب أن يبقى وازع القرآن، ووازع القرآن من تلاوته وتعليمه والتذكير والوعظ به لا ينفع إلا أهل الخشية من الله قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى. سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى. وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى. الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} فالذين يستفيدون من الوعظ والتذكير إنما هم أهل خشية الله.

الخطبة الثانية.

- الحمد والثناء:

عباد الله: من يردع التجار ومصاصي الدماء اليوم؟ من يردعهم عن تنفيق البضائع الرديئة المنتهية الصلاحية؟ من يردعهم في هذا الوضع؟ لا يمكن أن يردعهم أحدٌ إلا خشيتهم وخوفهم من الله، وعلى من يفرحُ بالأزماتِ لأجل استغلالها لتحقيق مآربه، أن يسمعَ هذه القصة:

عمّت سنةٌ مجدبة بعض البلاد، واشتد الجفاف، ونفدت المؤن، وصار الناس يبحثون عن الطعام بأي ثمنٍ كان، وقد عمل تاجر على جلب قافلة كبيرة محملة بالحبوب، وقدَّر أنه سيربح منها ربحاً عظيماً، إن بقي الحال على ما هو عليه إلى حال ورود القافلة، وبينما هو كذلك يؤمل الآمال ويُقدّر الأرباح، إذ رأى في السماء علامات الغيث ومناشي السحب؛ مما يجعل الناس يؤملون خيراً في المستقبل؛ فلا يندفعون في شراء الطعام فتكسد التجارة أو تنخفض أسعارها.

فلمَّا رأى ذلك تكدر خاطره، وخاب أمله، وكره ما رأى عند مفاجأة الحال.

ولكنه ما لبث أن عاد إليه وعيه، ورجع إليه خوفه من ربه، ومراقبته له واستحضر الأدب مع الله، وكيف أنه كره مراد الله؛ فأدرك الخطأ الذي وقع فيه، وعظم عليه ذلك، وفكَّر كيف يُكفر عن ذلك الخطأ، فما وجد إلا أن قال: "هذه القافلة وهذه التجارة هي التي أوقعتني في سوء الأدب مع الله، وفي كراهة ما يريد فهي صدقة لوجهه الكريم، وتصدق بها كلها".

إنها خشيةُ الله وحسن مراقبته وقوة الإيمان بآيات الله سبحانه، ولو أن بعض التُّجار الذين سيطر عليهم الجشع، وغلب عليهم الطمع؛ فأنساهم ذكر الله، لو أنهم إذ أمنوا من سلطة الدولة خافوا من سلطة رب السموات والأرض لمات وقع الناس فيما وقعوا فيه.

عباد الله: الجرائم المختلفة التي تُرتكب هنا وهناك، والتي شجع عليها غياب هيبة الدولة؟ ما الذي يمنع منها، إنها خشية الله، فمن خشي الرحمن بالغيب لا يمكن أن يقتل نفساً بريئة، الذي يخشى الله بالغيب لا يمكن أن يقطع الطريق، الذي يخشى الله بالغيب لا يمكن أن يقطع الطريق، أن يزوِّر أو يغش أو يخون؛ لذلك يا عباد الله فإن على من يسعى إلى تغيير حال الناس إلى الأفضل والأحسن، أن يجعل خشية الله مبدؤه وقاعدته وموجه حياته وعمله.

وعليه أن يأخذ فريق عمله الذي يريد أن يغير به، أن يأخذهم بتقوى الله ويربيهم على خشيِّة الله، فمن لا تقوى لديه ولا خشية لله في نفسه فإنه لا يمكن أبداً أن يكون عامل إصلاح.

علينا معشر الشعوب: أن نُربي أنفسنا، وأسرنا، ومن تحت أيدينا، على خشية الله؛ يصلح الله أحوالنا ويغير ما بنا، قال  تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ ?َضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

 

أحمد بن حسن المعلم.