نماذج من عفوه صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ القمة، والدرجة العالية في العفو والصفح، كما هو شأنه في كلِّ خلُقٍ من الأخلاق الكريمة، فكان عفوه يشمل الأعداء فضلًا عن الأصدقاء...
- التصنيفات: السيرة النبوية -
كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ القمة، والدرجة العالية في العفو والصفح، كما هو شأنه في كلِّ خلُقٍ من الأخلاق الكريمة، فكان عفوه يشمل الأعداء فضلًا عن الأصدقاء.
"وكان صلى الله عليه وسلم أجمل الناس صفحًا، يتلقى من قومه الأذى المؤلم فيعرض عن تلويمهم، أو تعنيفهم، أو مقابلتهم بمثل عملهم، ثم يعود إلى دعوتهم ونصحهم كأنما لم يلقَ منهم شيئًا. وفي تأديب الله لرسوله بهذا الأدب أنزل الله عليه في المرحلة المكية قوله: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ . إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [الحجر:85-86]، ثم أنزل عليه قوله: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:89]...
فكان يقابل أذى أهل الشرك بالصفح الجميل، وهو الصفح الذي لا يكون مقرونًا بغضب أو كبر أو تذمر من المواقف المؤلمة، وكان كما أدَّبه الله تعالى. ثم كان يقابل أذاهم بالصفح الجميل، ويُعرِض قائلًا: سلام. وفي العهد المدني لقي الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة أنواعًا من الخيانة فأنزل الله عليه قوله: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة من الآية:13]، فصبر الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم وعفا وصفح، حتى جاء الإذن الرباني بإجلائهم، ومعاقبة ناقضي العهد منهم" (الأخلاق الإسلامية؛ لعبد الرحمن الميداني، ص: [1/432]).
- فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى. قال الله تعالى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران من الآية:186] وقال: {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة من الآية:109]، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو عنهم ما أمر الله به..." (رواه البخاري: [4566]).
- وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رضي اللهُ عنهما واصفًا النبي صلى الله عليه وسلم: "...ولا يَدفَعُ السيئةَ بالسيئةِ، ولكن يعفو ويَصفَحُ" (رواه البخاري: [4838]).
- وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما "أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارًا، عليه إكاف[1]، تحته قطيفة فدكية. وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر. حتى مرَّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبي، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة[2] الدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه، ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلَّم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل؛ فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن...
فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء، لا أحسن من هذا، إن كان ما تقول حقًّا، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا؛ فإنا نحب ذلك، قال: فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود، حتى همُّوا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفِّضهم[3]، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة. فقال: «
» -يريد عبد الله بن أبي-، قال كذا وكذا قال: اعف عنه يا رسول الله، واصفح، فو الله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة[4] أن يتوِّجوه، فيعصبوه بالعصابة[5] فلما ردَّ الله ذلك بالحقِّ الذي أعطاكه، شرق[6] بذلك، فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم" (رواه مسلم: [1798]).- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله عزَّ وجلَّ" (رواه مسلم: [2328]).
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أنَّه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد، فلما قفل[7] رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة[8] في وادٍ كثير العضاة، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، وعلَّق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي. فقال: «
[9] [10] ». ثلاثًا، ولم يعاقبه وجلس" (رواه البخاري: [2910]).موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل ثقيف:
فعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال: «
»، قال: « »، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »" (رواه مسلم: [1795]).موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة:
"لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت، فصلى بين الساريتين[11]، ثم وضع يديه على عضادتي[12] الباب، فقال: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين} [يوسف:92]»" (رواه الأزرقي في أخبار مكة، ص: [2/121]، وابن عساكر في تاريخ دمشق، ص: [73/53]، وابن زنجويه في الأموال، ص: [1/293] من حديث عطاء والحسن وطاوس رحمهم الله).
». قالوا: نقول خيرًا، ونظن خيرًا: أخ كريم، وابن أخ، وقد قدرت، قال: « : {موقفه صلى الله عليه وسلم مع عكرمة بن أبي جهل:
عن عروة بن الزبير قال: "قال عكرمة بن أبي جهل: لما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا محمد، إنَّ هذه أخبرتني أنَّك أمَّنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمراجع:
[1]- (الإكاف: يكون للبعير والحمار والبغل. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، ص: [9/364]).
[2]- (العجاج: الغبار. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، ص: [2/319]).
[3]- (يخفضهم: أي يسكنهم ويهون عليهم الأمر. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر؛ لابن الأثير، ص: [2/54]).
[4]- (البحيرة: مدينة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي تصغير البحرة. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، ص: [4/44]).
[5]- (فيعصبوه بالعصابة يعني: يرئسوه عليهم ويسودوه وسمي الرئيس معصبًا لما يعصب برأسه من الأمور. انظر: فتح الباري؛ لابن حجر، ص: [8/232]).
[6]- (الشرق: الشجا والغصة. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، ص: [10/177]).
[7]- (القفول: الرجوع من السفر. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، ص: [11/560]).
[8]- (القائلة: الظهيرة. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، ص: [11/577]).
[9]- (اخترط السيف: استله من غمده. انظر: تاج العروس؛ للزبيدي، ص: [19/241]).
[10]- (صلت: الصلت: البارز المستوي. وسيف صلت: منجرد. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، ص: [2/53]).
[11]- (السارية: الأسطوانة، وقيل: أسطوانة من حجارة أو آجر. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، ص: [14/383]).
[12]- (عضادتا الباب هما خشبتاه من جانبيه. انظر: شرح مسلم؛ للنووي، ص: [3/70]).
[13]- (الإيضاع: السير بين القوم. انظر: لسان العرب؛ لابن منظور، ص: [8/398]).