صرف الزكاة لتزويج أو علاج الفقراء

لم ينص كثير من الفقهاء على حكم صرف الزكاة لتزويج الفقراء إلا أن ذلك يندرج ضمنا في حديثهم عن مفهوم الكفاية التي يستحقها الفقراء.

  • التصنيفات: فقه العبادات -

صرف الزكاة لتزويج أوعلاج الفقراء

أولاً: صرف الزكاة لتزويج الفقراء: لم ينص كثير من الفقهاء على حكم صرف الزكاة لتزويج الفقراء إلا أن ذلك يندرج ضمنا في حديثهم عن مفهوم الكفاية التي يستحقها الفقراء، وقد تقدمت الإشارة إلى خلافهم حول مقدارها، فمن اعتبر كفاية العمر[1] فإن تزويج الفقراء ضمن ذلك بلا ريب؛ لكون الزواج من الحاجات الأساسية التي تنفق في مثلها الزكاة، بل قد نص بعض الشافعية على ذلك[2]، أما من قيد مقدار الكفاية بالسنة[3]؛ فإنه يتخرج على قـولهم –فيما أرى-جواز صرف الزكاة للفقراء في حاجيات النكاح الضرورية التي تقارب كفاية السنة، لا جواز صرفها لتحمل جميع تكاليف الزواج وإن كثرت، وقد أشار لنحو هذا المعنى بعض المالكية[4]، وقد تقرر بناء على ما رجحنا في مقدار الكفاية المستحقة للفقير جواز صرف الزكاة في تزويج الفقير العاجز عن تكاليف الزواج، وقد اختار ذلك كثير من فقهاء العصر وأفتوا به، وليس ثم دليل يمنع من تحمل الزكاة لتكاليف الزواج بل إن الأدلة تدل عليه ومن ذلك:


- حديث قبيصة بن المخارق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة، -وذكر منهم - ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش[5]»[6].
ووجه الدلالة منه: أن تحصيل تكاليف الزواج من تحقيق قوام العيش.

 أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد أقسام أعلاها الضرورية، ومجموعها خمسة: ومنها حفظ النسل[7]، ولا يتحقق حفظه إلا بالنكاح، فكانت إقامته من تحقيق المقاصد الضرورية في الشريعة، مع ما في النكاح من تحصيل لمصالح شرعية متعددة من مثل سد خلة المحتاجين وبناء المجتمع المسلم وتحقيق التكافل فيه، وإحصان المسلمين وإشباع حاجاتهم الأساسية. وقد جاء في فتاوى الندوة الثامنة لقضايا الزكاة المعاصرة ما يلي: "يعطى من سهم الفقراء والمساكين ما يلي:

أ-من كان بحاجة إلى الزواج وهو عاجز عن تكاليفه المعتادة لمثله.
 

ب-طالب العلم العاجز عن الجمع بين طلب العلم والتكسب"[8]. وقد أفتت اللجنة الدائمة في السعودية بجواز صرف الزكاة في الإعانة على الزواج من غير إسراف[9].
 

ثانيا: صرف الزكاة لعلاج الفقراء: لم أقف على نص للفقهاء في حكم علاج الفقير من الزكاة إلا أن العلاج مما يدخل في مفهوم الكفاية التي اختلف الفقهاء حول الحد المستحق للفقير منها، فيكون حكم صرف الزكاة في ذلك مبنيا على ما تقدم تقريره من اتفاقهم على استحقاق الفقير كفاية السنة، واختلافهم فيما زاد على ذلك[10]، فيكون صرفها في التكاليف العلاجية التي يحتاجها الفقير لسنة واحدة مشروعا عند الجميع، وأما ما زاد على السنة فإنه يشرع عند القائلين باستحقاق الفقير لكفاية العمر وهم الشافعية والحنابلة في رواية[11]، إلا أن تجويز صرف الزكاة لعلاج الفقراء لابد له من ضوابط وهي على النحو التالي:
 

1-ألا يتوفر علاجه مجاناً، فإن توفر، فلا يجوز صرف الزكاة متى كان الاستطباب محققاً للمقصود من دفع المرض، مع عدم المنة في ذلك، كما لو أمكن علاجه في المستشفيات الحكومية، وكان ممن تنطبق عليه شروطها.
 

2- أن يكون العلاج لما تمس الحاجة لمعالجته من الأمراض، فأما ما كان من الأمور التجميلية الكمالية، أو كان من الأمراض اليسيرة الشائعة التي لا يلحق الشخص بتركها ضرر، فإني لا أرى مشروعية صرف الزكاة لعلاج مثل تلك الأمراض؛ لخروج ذلك عن الحاجات الأساسية التي يحتاجها الفقير، والتي شرعت الزكاة في هذا المصرف لسدها.
 

3- أن يراعى في مقدار تكاليف العلاج عدم الإسراف والإقتار، فمتى تحقق المقصود من العلاج بتكاليف أقل لم يلجأ إلى ما هو أعلى من ذلك؛ لأن القصد هو دفع المرض فمتى تحقق ذلك بمقدار كانت مجاوزته سرفاً وهو محرم، كما قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام من الآية:141][12].
 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ينظر: ص [337].
[2] كما في (حاشية الرملي[1/394])، حيث قال: "أفتى ابن البزري بأن من نذر صوم الدهر ولا يمكنه أن يكتسب مع الصوم فله الأخذ من الزكاة، وأنه لو كان يكتسب من مطعم وملبس ولكنه محتاج إلى النكاح فله أخذها لينكح؛ لأنه من تمام كفايته".
[3] ينظر: ص [342].
[4] قال في (حاشية الدسوقي [1/493]: (فائدة نقل المواق) عن ابن الفخار: أنه لا يعطى من الزكاة شيء في شوار يتيمة، وفي (الحطاب) عن البرزلي عن بعض شيوخه الجواز، ومثله في (المعيار) عن ابن عرفة: أنه سئل عن ذلك فأجاب بأن اليتيمة تعطى من الزكاة ما يصلحها من ضروريات النكاح والأمر الذي يراه القاضي حسنا في حق المحجور.ا.هـ قال الحطاب في (مواهب الجليل): فعلى هذا فمن ليس معها من الأمتعة والحلي ما هو من ضروريات النكاح تعطى من الزكاة. اهـ.
[5] قال النووي في (شرح مسلم [7/139]): القوام والسداد بكسر القاف والسين وهما بمعنى واحد: وهو ما يغنى من الشيء وما تسد به الحاجة وكل شيء سددت به شيئاً فهو سداد بالكسر ومنه سداد الثغر والقارورة، وقولهم سداد من عوز. ا.هـ.
[6] رواه مسلم في كتاب الزكاة باب من تحل له المسألة برقم [1044]، وأبو داوود في كتاب الزكاة باب من تجوز فيه المسألة برقم: [1640]، والنسائي في كتاب الزكاة باب الصدقة لمن تحمل بحمالة برقم: [2591،2580].
[7] قال الشاطبي في (الموافقات [2/ 8-9]: "فأما الضرورية: فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، والحفظ لها يكون بأمرين؛ أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعتها من جانب الوجود، والثاني ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم" وقال: ومجموع الضروريات خمسة: وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، وقد قالوا إنها مراعاة في كل ملة" ا.هـ.
[8] فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة ص[131].
[9] فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء[10/17]، فتوى رقم [4096].
[10] ينظر: ص [342].
[11] (تحفة المحتاج [7/164])، (كشاف القناع [2/284]).
[12] من كتاب (نوازل في الزكاة) للدكتور: عبد الله الغفيلي.

 

د. عبدالله بن منصور الغفيلي 

المصدر: المسلم