منهج سيد قطب في العقيدة
قبل بضعة أشهر تم مناقشة رسالة الدكتوراه، التي تقدَّم بها الطالب ماجد شباله، والمدرِّس (المحاضر) بجامعة إب، إلى قسم الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء، وأشرف على الرسالة أ. د. حسن الأهدل، مشرفًا رئيسًا، وصالح صواب، مشرفًا مشارِكًا. وقد كانت لجنة المناقشة مكونة من الأستاذ المشرف، والأستاذ الدكتور عبد الوهاب الديلمي، والأستاذ الدكتور خليل الكبيسي. وقد كانت الرسالة قيمة، وبلغت 1236 صفحة..
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية - السياسة الشرعية -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
قبل بضعة أشهر تم مناقشة رسالة الدكتوراه، التي تقدَّم بها الطالب ماجد شباله، والمدرِّس (المحاضر) بجامعة إب، إلى قسم الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء، وأشرف على الرسالة أ. د. حسن الأهدل، مشرفًا رئيسًا، وصالح صواب، مشرفًا مشارِكًا. وقد كانت لجنة المناقشة مكونة من الأستاذ المشرف، والأستاذ الدكتور عبد الوهاب الديلمي، والأستاذ الدكتور خليل الكبيسي. وقد كانت الرسالة قيمة، وبلغت 1236 صفحة..
ونظرًا لأهمية هذا الموضوع، فقد أحببت طرح بعض معالِم الرسالة، بمقتطفات من المقدِّمة والخاتمة، عِلمًا أن الرسالة -حاليًا- تحت الطبع، وسوف تصدر بإذن الله تعالى في كتاب.. ومما ورد في المقدمة من منهج البحث التي اتخذه الطالب، حيث سار على المنهج الآتي (أنقل بعضها):
1- جمع مؤلفات سيد قطب رحمه الله وقد استطعت بتوفيق الله الحصول على جميع كتبه المطبوعة.
2- قراءة جميع كتبه قراءة فاحصة.
3- حصر المسائل المتعلقة بالعقيدة التي اشتملت عليها كتبه.
4- تقسيم وتصنيف المسائل على أبواب العقيدة ومباحثها وِفق ما رسمه السلف في كتبهم ومؤلفاتهم.
5- جمع كلام سيد المتفرق عن كل مسألة من مواضعه المختلفة، للتوصل إلى معرفة منهجه في تلك المسألة.
6- حرصت على نقل كلامه بالنص في كل مسألة، ليقف القارئ على عباراته بدون تصرُّف فيها، ما لم تدع الحاجة إلى نقل كلامه بالمعنى، من أجل تلخيصه إذا كان طويلًا بحيث يصعب نقله بالنص، وما لم تدع الحاجة إلى سوق كلامه المفرق مساقًا واحدًا لإعطاء القارئ صورة متكاملة عن رأي سيد في المسألة إذا كان بعض كلامه يُكمِل بعضًا، وإذا تكرَّر كلامه على مسألة في أكثر من موضع وكان متقارِبًا نقلته من أحدها وأحلت على الأخرى.
7- أصدر كل مسألة من مسائل البحث بالنصوص الشرعية المتعلقة بها ثم أنقل كلام سيد قطب رحمة الله وأُبيِّن في نهاية كل مسألة ما إذا كان رأيه موافقًا لرأي أهل السنة والجماعة أو مخالِفًا له.
8- قد أُكرِّر كلام سيد قطب في أكثر من موضع وذلك لاشتماله أحيانًا على أكثر من مسألة من مسائل العقيدة.
أما الخاتمة: فقد أورد فيها الباحث عددا من النتائج أنقل هنا بعضها، كما أوردها الباحث نصًا، حيث قال ضمن الخاتمة:
1- فيما يتعلق بمنهجه في تقرير العقيدة:
أ- كان سيد قطب موافقًا لما عليه أهل السنة في الاعتماد على مصادر تلقي تقرير العقيدة، والمتمثلة في الكتاب والسنة والفطرة والعقل، ومخالفته لمنهج الفلاسفة وعلماء الكلام في تقرير العقيدة، حيث بيَّن مخالفتهم لمنهج القرآن في هذا الباب ونقد ما عندهم من أخطاء في هذا الباب، مع وقوعه في خطأ فيما يتعلق بالأخذ بحديث الآحاد في العقيدة.
ب- فيما يتعلق بموقفه من العقل وفطرية المعرفة يُقرِّر ما عليه أهل السنة وينتقد المخالفين، وكذا فيما يتعلق بقضية تطور العقيدة ومقارنة الأديان، حيث يرى سيد بطلان نظرية تطور العقيدة وبطلان منهج علماء مقارنة الأديان الغربيين ومن تأثر بهم في هذا الباب ومخالفتهم لنمهج القرآن الكريم.
2- اهتم سيد قطب رحمه الله كثيرًا ببيان أهمية العقيدة الإسلامية وخصائصها ومميزاتها، وتقرير منهج القرآن في عرضها والدعوة إليها، كما حذَّر كثيرًا من وسائل الأعداء في محاربتها وصرف الناس عنها.
3- فيما يتعلق بموقف سيد قطب رحمه الله من المخالفين عقديًا نجد أنه:
أ- يُقرِّر ما جاء في القرآن والسنة حول الموقف من أهل الكتاب والمشركين والوثنيين والملاحدة عمومًا والمتمثل في اعتقاد كفرهم ووجوب بغضهم والتميّز عنهم، كما عمل على فضح أهدافهم ومخططاتهم ضد الإسلام، وحذَّر من المذاهب والنظريات الإلحادية والمادية كالشيوعية والوجودية والداروينية والعلمانية والقومية وغيرها، وبيَّن فسادها وضلالها.
ب- المخالِفون لمنهج السلف من المتكلمين والفلاسفة والصوفية وأهل الأهواء "العصرانيين" وغيرهم، بيَّن سيد قطب المأخذ عليهم، ونقد ما عندهم من أخطاء في باب العقيدة.
4- فيما يتعلق بمنهجه في باب مسائل الإيمان:
أ- يُقرِّر سيد قطب ما عليه أهل السنة والجماعة من تعريف الإيمان لغةً واصطلاحًا، وعلاقته بالعمل، وكذا العلاقة بين الإيمان والإسلام، وزيادة الإيمان ونقصانه، وكذا حكم مرتكب الكبيرة.
ب- فيما يتعلق بقضية التكفير وما ثار حولها من جدل تبيَّن لنا من خلال جمع النصوص المتعلقة بهذه القضية أن سيد قطب يُفرِّق بين الحكم على الأنظمة والأوضاع وبيَّن الحكم على الأفراد، وأن الذين اعتمدوا على بعض النصوص دون بعضها الآخر، أو على فقرات مجتزأة من سياقها، أو اغفلوا الضوابط التي ذكرت في سياق بعض النصوص فهِموا كلامه على غير ما أراد.
5- فيما يتعلق بمنهجه في باب التوحيد:
أ- يوافق سيد قطب ما عليه أهل السنة والجماعة في حقيقة التوحيد وشموله للألوهية والربوبية والأسماء والصفات، وإن كان له رأي في بيان معنى الألوهية والربوبية غير ما عليه السلف لكنه خلاف لفظي.
ب- في باب توحيد الربوبية يُقرِّر سيد منهج القرآن في الاستدلال على الربوبية وينتقد المناهج المخالفة في تقرير وجود الله ووحدانيته. كما انتقد نظرية قِدم العالم، وكذا وحدة الوجود والحلول والإتحاد، فيما يتعلق بالقدر يُقرِّر ما عليه أهل السنة في مسائل القدر عمومًا ويخالف ما عند المتكلمين والفلاسفة.
ج- في باب توحيد الأسماء والصفات: يثبت الأسماء الحسنى بمعانيها التي دلت عليها. ويثبت الصفات الإلهية إجمالًا ويرد على النفاة والمؤولين وإن وقع في بعض الأحيان في التأويل باعترافه نفسه وتراجعه عن التأويل. أما موقفه من الصفات تفصيلًا فقد كان في الغالب موافقًا لما عليه أهل السنة والجماعة إلا في قضايا قليلة محدده كما سبق.
د- في باب توحيد الألوهية اهتم سيد قطب كثيرًا ببيان منهج القرآن الكريم في تقرير توحيد الألوهية حيث بيَّن أن للألوهية ثلاثة مجالات:
أ- مجال الاعتقاد وهو: معنى لا إله إلا الله.
ب- مجال العبادة والشعائر.
ج- مجال الحاكمية والتشريع.
6- في باب نواقض التوحيد والإيمان ذكر سيد رحمه الله النواقض المتمثلة بالشرك وأنواعه، والكفر وأنواعه، والنفاق وهو في ذلك يُقرِّر ما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة، مع اهتمامه كثيرًا ببيان شرك الحاكمية وما تفرَّع عنه باعتباره أبرز أنواع الكفر في هذا العصر، وعنه ينتج ما سواه.
7- فيما يتعلق بمنهجه في باب الملائكة والجن والشياطين يُقرِّر ما عليه السلف من وجودهم وصفاتهم وأعمالهم ويرد على المخالفين في هذا الباب.
8- فيما يتعلق بالأنبياء والرسل يُقرِّر أيضًا ما عليه السلف في هذا الباب من حقيقة النبوة وصفات الأنبياء ووظائفهم وعصمتهم وغير ذلك، ويرد على المخالفين في هذا الباب، وما يتعلق بكلام سيد حول موسى عليه السلام في بعض كتبه السابقة نجد أن له كلامًا مختلفًا في كتبه الإسلامية الأخيرة فيه تعظيم لموسى عليه السلام مما يدل على أن كلامه في التصوير الفني كان في مرحلة لها حكمها.
9- فيما يتعلق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم يُقرِّر سيد أهمية بعثته عليه السلام وحاجة العالم إليها وأثرها على البشرية، وكذا دلائل نبوته وصفاته وخصائصه ومعجزاته وبيناته، حيث يرى أن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم هي القرآن الكريم وما سواه من الخوارق فإنما كان إكرامًا أو تثبيتًا له، ولم يكن خارقة على سبيل التحدي بها.
10- فيما يتعلق بالصحابة رضوان الله عليهم تحدَّث سيد قطب عن عظمة جيل الصحابة، وبيَّن مميزات هذا الجيل الفريد وخصائصه والواجب نحوهم، أما كلامه حول بعض الصحابة فقد تبَّين لنا أنه كان قبل التزامه أو في بداية تحوُّله نحو الإسلام، وأنه عدَّل ما جاء في كتابه (العدالة الاجتماعية) في الطبعة المنقَّحة قبل موته بسنتين، بالإضافة إلى أن في كتبه الأخيرة ما ينقضه.
11- فيما يتعلق بالخلافة يُقرِّر سيد قطب أهمية الخلافة الصالحة، ويستعرِض خصائص نظام الحكم في الإسلام، وكذا مكانة الحاكم المسلم وحقوقه وواجباته، ونظام الشورى وما يتعلق به، ونظرته للأنظمة المعاصرة ووسائل التغيير، حيث يُقرِّر أهمية بناء القاعدة الإسلامية في المجتمع كأساس للتغيير.
12- فيما يتعلق بالمعاد واليوم الآخر يبين سيد قطب رحمه الله أهمية اليوم الآخر وأثره في الحياة، كما تناول مقدِّمات اليوم الآخر من التوبة والموت وحياة البرزخ، وأشراط الساعة.. وكذا أحداث القيامة وما فيها حتى الاستقرار في الجنة أو النار، وله بعض الآراء التي خالف فيها القول الراجح عند أهل السنة والجماعة في هذا الباب مثل: رأيه في خروج يأجوج ومأجوج، والميزان.
والخلاصة:
نستطيع القول بأن سيد قطب رحمه الله كان إجمالًا في باب العقيدة موافقًا لما عند أهل السنة والجماعة مخالفًا للفرق المخالفة لهم، وأن الأخطاء التي وقع فيها سيد قطب في باب العقيدة تتمثل في الآتي:
أ- إما قضايا علمية خلافية كالموقف من حديث الآحاد، وقضية سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
ب- أخطاء في كتبه الأدبية السابقة لالتزامه، أو في الكتب التي ألفها في بداية تحوُّله نحو الفكر الإسلامي وقبل تعمُّقه في الدراسات الإسلامية، في الطبعات المنقَّحة منها وكذا كتبه المتأخرة ما يخالِفها أو ينقضها.
ج- إما كلام موهم أدبي حول بعض القضايا استنتج بعضهم منه أن سيد قطب يُقرِّر خلاف ما عليه أهل السنة والجماعة، ولكن يوجد له كلام آخرأكثر وضوحًا حول تلك القضايا، من أمثلة ذلك: القول بخلق القرآن، ووحدة الوجود، وتأويل الصفات ونحوها.
الأستاذ الدكتور/ صالح يحيى صواب أستاذ الدراسات القرآنية كلية الآداب - جامعة صنعاء
البريد الإلكتروني: [email protected]