النسمة العاشرة - حسن الحسنات - (1)
خالد أبو شادي
مساكين أهل الغفلة .. خرجوا من الدنيا وما ذاقوا طعم الحسنات .. وحلاوة الطاعات ولذة السجدات وأنوار القربات .. مساكين .. ماتوا فقراء، كما أن للذنوب آثارا قبيحة في الدنيا قبل الآخرة، فكذلك الحسنات لها آثار حسنة ليس في الآخرة وحسب، بل في الدنيا كذلك، وكما سبق وسردنا عواقب الذنوب في (الذنوب جراحات وآلام) لنحذر الناس منها ونبغضهم فيها، فإن للحسنات حقا علينا نرغب الناس فيها ونحببهم فيها.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
مساكين أهل الغفلة .. خرجوا من الدنيا وما ذاقوا طعم الحسنات .. وحلاوة الطاعات ولذة السجدات وأنوار القربات .. مساكين .. ماتوا فقراء.
كما أن للذنوب آثارا قبيحة في الدنيا قبل الآخرة، فكذلك الحسنات لها آثار حسنة ليس في الآخرة وحسب، بل في الدنيا كذلك، وكما سبق وسردنا عواقب الذنوب في (الذنوب جراحات وآلام) لنحذر الناس منها ونبغضهم فيها، فإن للحسنات حقا علينا نرغب الناس فيها ونحببهم فيها.
وهذه بعض آثارها:
1. السكينة عند البلاء: وطمأنينة البال وانشراح الصدر وهدوء النفس، وإن أحاطت بها المحن، وطوقتها الفتن، أليست المحن مكفرات ذنوب، ورفعات درجات، وأمارة اصطفاء؟!.
لما أدخل الإمام ابن تيمية سجن القلعة وصار داخل سورها كانت آيات القرآن تنساب من لسانه: {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} [الحديد: 131].
وانطلق يردد في سكينة عجيبة وفتوة فريدة: "ماذا يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري .. أينما رحت فهي معي .. إن معي كتاب الله وسنة نبيه .. إن قتلوني فقتلي شهادة، وإن نفوني فنفيي سياحة، وإن سجنوني فسجني خلوة مع ربي، إن المحبوس من حبس عن ربه، وإن الأسير من أسره هواه".
تكلم عن هذه الخصلة فيه تلميذه النجيب ابن قيم الجوزية فقال: "وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا، وأشرحهم صدرا، وأقواهم قلبا، وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه. وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة".
فانظر -أثابك الله- هل كان هذا إلا أحد آثار طاعاتة، وبركة من بركات حسناته.
عجائب الإمام: ولعل من حسن حسناته وعجائب كراماته أن جنا مسلما تمثل في هيئته بدمشق بينما كان الإمام مسجونا في القلعة بمصر!!.
قال ابن تيمية: كما جرى مثل هذا لي عندما كنت في مصر في قلعتها، وجرى مثل هذا إلى كثير من التتار من ناحية المشرق حيث قال ذلك الشخص: أنا ابن تيمية .. فلم يشك ذلك الأمير أنه أنا، وأخبر بذلك إلى ملك مصر رسولا وكنت في الحبس فاستعظم ذلك، وأنا لم أخرج من الحبس ولكن كان هذا جنيا يحبنا فيصنع بالتتار مثلما كنت أصنع بهم كلما جاءوا إلى دمشق، حيث كنت أدعوهم إلى الإسلام، فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر، ففعل معهم مثلما كنت أعمل، وأراد إكرامي ليظن ذلك أنني أنا الذي فعلت ذلك. قالت لي طائفة: فلم لا يجوز أن يكون ملكا؟! قلت: لا.. إن الملك لا يكذب وهذا قد قال: أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذلك.