قد يصلح التودد ما يفسده الخلق
أبو الهيثم محمد درويش
كثير من المشاكل تطول وتطول، ويظن كلا الطرفان أنها عداوة دفينة أو كراهية حقيقية، ثم نراها تذوب مع أول لقاء بابتسامة دافئة وكلمة طيبة، من أكثر الناس نجاحاً في سرعة حل المشكلات الاجتماعية هؤلاء الذين يمتلكون شخصيات تمتاز بالتودد، وبذل الدفىء في العلاقات مع الآخرين
- التصنيفات: أخلاق إسلامية -
كثير من نزاعاتنا ومشاكلنا على المستوى الشخصي أو حتى المجتمعي.. أرى أنها ترجع لافتقادنا لغة التودد والحوار الدافىء.
كثير من المشاكل تطول وتطول، ويظن كلا الطرفان أنها عداوة دفينة أو كراهية حقيقية، ثم نراها تذوب مع أول لقاء بابتسامة دافئة وكلمة طيبة، من أكثر الناس نجاحاً في سرعة حل المشكلات الاجتماعية هؤلاء الذين يمتلكون شخصيات تمتاز بالتودد، وبذل الدفىء في العلاقات مع الآخرين، وفي الغالب يطلق عليهم العامة: "أشخاص دبلوماسيون في علاقاتهم".
وفي الحقيقة فإن الشرع الإسلامي يشجع صفة التودد، ويحض على سرعة حل المشكلات الاجتماعية بين الأفراد وعلى مستوى المجتمعات، قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]، قيل لابن عقيل: "أسمع وصية الله عزَّ وجلَّ يقول: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، وأسمع النَّاس يعدُّون من يُظهر خلاف ما يبطن منافقًا، فكيف لي بطاعة الله تعالى، والتَّخلُّص من النِّفاق؟"، فقال: "النِّفاق هو: إظهار الجميل وإبطان القبيح، وإضمار الشَّر مع إظهار الخير لإيقاع الشَّر، والذي تضمنته الآية: إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن" (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب للسفاريني:1/208-209).
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل» (وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي:(2488)، قال القاري: "«..قريب..» أي: من النَّاس بمجالستهم في محافل الطَّاعة، وملاطفتهم قدر الطَّاعة، «..سهل» أي: في قضاء حوائجهم، أو معناه: أنه سمح القضاء، سمح الاقتضاء، سمح البيع، سمح الشِّراء" (مرقاة المفاتيح للقاري:8/3179).
وقال الصديقي: "«..تحرم على كلِّ قريب» أي: من النَّاس بحسن ملاطفته لهم، «..هيِّن ليِّن..»، قال في النِّهاية: «المسلمون هَيْنُونَ لَيْنُون»، وهما بالتَّخفيف، قال ابن الأعرابي: العرب تمدح بِالْهَيْنِ اللَّيْن، مخفَّفيْن، وتذم بهما مُثَقَّلَيْن، وهيِّن: أي بالتَّشديد، فيعل من الهون، وهو السَّكينة والوقار والسُّهولة، فَعَيْنُه (واو)، وشيءٌ هَيْنٌ وهَيِّنٌ، أي: سَهْلٌ، «سهل» أي: يقضي حوائجهم ويسهل أمورهم" (دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين للصديقي:5/98).
- وعن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل: الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى» (رواه البخاري:6011، ومسلم:2586، واللفظ له)، ففي هذا الحديث: "تعظيم حقوق المسلمين، والحضُّ على تعاونهم، وملاطفة بعضهم بعضًا" (تطريز رياض الصالحين للحريملي: ص174).
قال أبو حاتم: "العاقل يتفقَّد ترك الجفاء مع الإخوان، ويراعي محوها إن بدت منه، ولا يجب أن يستضعف الجفوة اليسيرة؛ لأنَّ من استصغر الصغير يوشك أن يجمع إليه صغيرًا، فإذا الصغير كبير، بل يبلغ مجهوده في محوها؛ لأنه لا خير في الصِّدق إلا مع الوفاء، كما لا خير في الفقه إلا مع الورع، وإنَّ من أخرق الخرق التماس المرء الإخوان بغير وفاء، وطلب الأجر بالرياء، ولا شيء أضيع من مَوَدَّة تُمنح من لا وفاء له" (روضة العقلاء لابن حبان البستي:ص89).
وقال أيضاً: "ولكن من أسباب المؤاخاة التي يجب على المرء لزومها: مشي القصد، وخفض الصوت، وقلَّة الإعجاب، ولزوم التَّواضع، وترك الخلاف" (روضة العقلاء:ص88)
وقال أكثم بن صيفي: "تباعدوا في الدِّيار، تقاربوا في الموَدَّة" (البيان والتبيين للجاحظ:2/46).