هنا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم
أبو الهيثم محمد درويش
ما نراه من جفاء قاتل بين الكثير من أبناء التيارات الإسلامية المختلفة بحجة الخلاف في الرأي، وما نراه من المسارعة في التبديع أو حتى التكفير، وما نراه من القطيعة وتقطيب الجبين بين المسلمين لاختلاف وجهات النظر يخالف مخالفة صريحة أخلاق ومدرسة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
- التصنيفات: السيرة النبوية - محاسن الأخلاق -
ما نراه من جفاء قاتل بين الكثير من أبناء التيارات الإسلامية المختلفة بحجة الخلاف في الرأي، وما نراه من المسارعة في التبديع أو حتى التكفير، وما نراه من القطيعة وتقطيب الجبين بين المسلمين لاختلاف وجهات النظر يخالف مخالفة صريحة أخلاق ومدرسة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
هنا مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم..
أزف إليكم القليل من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم:
عن جرير رضي الله عنه، قال: "ما حجبني النَّبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّم في وجهي، ولقد شكوت إليه أنِّي لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري، وقال: «اللهمَّ ثبِّته، واجعله هاديًا مهديًّا»" (رواه البخاري:3035، 3036، ومسلم:2475).
ومِنْ توَدُّده صلى الله عليه وسلم أنَّه: «كان يمرُّ بالصِّبيان فيسلم عليهم» (رواه البخاري:6247، ومسلم:2168).، وكان: «إذا لقيه أحد من أصحابه، قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرَّجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده، ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتى يكون الرَّجل هو الذي ينزع يده منه، وإذا لقي أحدًا من أصحابه فتناول أذنه، ناوله إياها ثم لم ينزعها حتى يكون الرَّجل هو الذي ينزعها عنه» (رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى:(1/378)، وابن عساكر في تاريخ دمشق:(3/367) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:4780).
- ومِنْ توَدُّده صلى الله عليه وسلم لأصحابه أنَّه: «كان يأتي ضعفاء المسلمين، ويزورهم ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم» (رواه الحاكم:(2/506)، والبيهقي في شعب الإيمان:(7/4-9246)، وصحح إسناده البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة:5/495).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحبِّبني أنا وأمِّي إلى عباده المؤمنين، ويحبِّبهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمَّ حبِّب عُبَيدك هذا -يعني أبا هريرة- وأمَّه إلى عبادك المؤمنين، وحبِّب إليهم المؤمنين» فما خُلِقَ مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني" (رواه مسلم:2491).
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم، عن أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا» (الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي)، عن الأسود قال: "سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت كان: يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة" (رواه مسلم والترمذي).
عن أنس رضي الله عنه قال: "خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" (رواه الشيخان وأبو داود والترمذي)، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمًا له ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئًا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله»، وفي رواية: «ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله» (رواه مالك، والشيخان، وأبو داود).
عن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت له والله لا أذهب! وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال: «يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟»قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله فذهبت" (رواه مسلم، وأبو داود).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَه مَه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزرموه، دعوه»، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن» قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه" (رواه مسلم)، عن ابن أبي أوفى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته» (رواه النسائي، والحاكم).
أخلاقه صلى الله عليه وسلم حتى مع من يشتهر بسوء الخلق:
تأمل ما روته عائشة رضي الله عنها من: "أنَّ رجلًا استأذن على النَّبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: «بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلَّق النَّبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه»، فلما انطلق الرَّجل، قالت له عائشة: يا رسول الله! حين رأيت الرَّجل، قلت له كذا وكذا، ثم تطلَّقت في وجهه، وانبسطت إليه، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، متى عهدتني فحاشًا؟ إنَّ شر النَّاس عند الله منزلة يوم القيامة، من تركه النَّاس اتقاء شرِّه»" (رواه البخاري:6032، ومسلم:2591).
قال ابن الجوزي: "هذا إنَّما فعله رسول الله على وجه المداراة، فسَنَّ ذلك لأمَّته، فيجوز أن يُستعمل مثل هذا في حق الشِّرِّير والظَّالم" (كشف المشكل من حديث الصحيحين:4/348)، وقال ابن بطال: "المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للنَّاس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة وسلِّ السَّخيمة" (شرح صحيح البخاري:9/305).