طفلٌ يخاف الظلام!
محمد عطية
- التصنيفات: الزهد والرقائق - تربية النفس -
في طفولتي كانت أكثر لحظة أعمل لها حسابًا، لدرجة أن يكون خوفي منها مسيطرًا علي مع غروب الشمس.. هي تلك اللحظة التي آوي فيها لفراشي، ويُطفأ سراج الغرفة، لتصبح فجأة حالكة، مؤذنة للعين في التمادي مع التخيلات!
لم أجرؤ يومًا أن أُغلِق المصباح بنفسي.. بل ألتف في الغطاء حريصًا على مواراة عيني، ثم أنادي أمي لتقوم هي بذلك.. وبعد أن يتسلل ضوء الصالة أبدأ في إجالة نظري بأركان الغرفة لأطمئن.. على ماذا، ومِمَّ؟! لا أدري..!
لمَّا منَّ الله عليَّ وعلَّمنا شيخنا آداب النوم وأذكاره تبدَّدت هذه المخاوف، لكن ظلَّت رهبة هذه اللحظة معي إلى الآن!
فأنا المطالِب غالبًا بإغلاق المصباح؛ كي لا أُزعِج الصغير وأُمّه.. ولا تسلني عن تلك الخطوات من الجدار حتى أصل للسرير في ذاك الظلام!
أصبح لهذا الظلام بداخلي معنى آخر.. إنه ينقلني مباشرة -رغمًا عني- لتلك الحفرة التي لا أنيس فيها!
وأصبحت أعشق ركعة الوتر في هذه اللحظة تحديدًا.. يا للضعف الذي يغمرني.. وحشة شديدة تحقر الدنيا كلها في عيني.. وتكبر للصلاة فيتسلل دفء الطمأنينة إلى وجدانك، وتستشعر لذة المناجاة، وعِزَّة القرب في السجود.. وأرى الحقيقة واضحة بعين البصيرة..
يا لله ما أغفلني!
إذا كنتُ لا آنس بأنفاس أهلي وأنا بعيد عنهم في ظلمة نفس الغرفة؛ فكيف حالي يا ترى يوم يُغلَق عليَّ قبر مظلم، لا يتسلل إليه نور إلا أن يكون من عند الله..
وينتفض القلب خائفًا، نادِمًا معتذِرًا.. ويخلد لفراشه والدنيا في نظره أهون ما تكون؛ فهو منشغل بتلك الظلمة التي تنتظره..
أفلح إن ثبت.. لكن هيهات؛ فهو مع أول تسلل للضوء القادم من الصالة، يعود للدنيا.. وينسى كثيرًا..!