(رصاصة في رأسي)!
محمد عطية
- التصنيفات: الزهد والرقائق - الدار الآخرة - تزكية النفس -
وبعد أن صليت -بفضل الله- الفجر أخلدت لنومة سريعة أسابق عقارب المنبه الذي سيدق في ميعاده، وما أبغض دقته اليومية لقلبي!
وعلى غير العادة -وكأنه تأثر بذكريات أبي جعفر- رأيت في منامي أن أحدهم أطلق رصاصة فاستقرت في رأسي، لكني -ويا للعجب- لم أمت!
صداع شديد كاد أن يوقظني، وأنا أقطع الطريق ماشيًا للطبيب، الذي فحصني ثم قال: لم يبقَ في عمرك إلا أيامًا معدودة، فخلايا مخك تموت، ولا نملك التدخل بكبيرٍ أو صغير!
وخرجت من عنده بين الرغبة والرهبة.. فرح بهذه المهلة، خائف مما بعدها، أقاوم عبثًا ما أُحِسُّه من ألم!
ورأيتني متوجهًا بعينٍ باكيةٍ، وقلب يعتصره الندم لأبي وأمي، مستسمحًا إياهما عن كل ما بدر مني من تقصير.. ثم رأيتني حريصًا كل الحرص على ألا أدع لأحد علي مظلمة.. ودُرتُ على أناس كُثر، في صراعٍ مع الوقت وبقايا الأنفاس..
كانت نظرة الشفقة في عين كل من قابلتهم لا تتغير؛ فقطرات الدم التي لا تتوقف نازفة، جعلت الضمادة حول رأسي شفيعًا ناطقًا يغنيني عن الاعتذار أو طلب المسامحة.. "أيامه معدودة.. يا للمسكين" قرأتها في أعينهم كلهم!
رغم الألم الشديد؛ كنت في غاية الانتشاء وأنا أعيش جو التسامح اللامشروط، والعفو صافيًا لا يُكدِّره لوم أو مَنّ.. أحسست بخفة حلَّقت بي لأجواء روحانية.. وصرت منتظرًا للموت..!
وهاتف في أعماقي ينادي: اللهم إنك أكرم من عبيدك.. اللهم إنهم عفوا عني، فلا تحرمني يا سيدي عفوك ورضوانك..
وسرح بي خيالي متكئًا على الطمع في ربه.. وذُقت من دفء قربه ما لم أذقه من قبل...
وفجأة دق المنبه الأحمق -وما له من ذنب- فاستيقظت من نومي وفي رأسي بقايا من ذاك الصداع.. ظللت أتحسَّس كالمجنون، ولم أجد الرصاصة!
"اللهم لك الحمد"، بادرتُ ناطقًا بها.. حمدته لأن الرصاصة لم تكن حقيقة، لكني تندمت على تلك المسامحة والشفقة الصادقة، وذاك السمو الروحي عن آفات النفوس أن لم يكن حقيقة!
أوليست أيامنا بالفعل معدودة؟!
أولسنا نطارد بالفعل عقارب مُنبِّه العمر الذي إن دق فلن يسعنا إلا الاستيقاظ -شئنا أم أبينا-.. نستيقظ من حلم الدنيا، لنفيق على علم الآخرة..
لِمَ إذًا نُكدِّر وقتها المحدود في آفاتٍ قد لا نجد مهلة للتطهُّر منها؛ فالرصاصة ستأتي مفاجئة قاتلة!