مشهد عبثي!
تامر نصار
من غرائب الأمور أو إن شئت فقل المضحكات المبكيات، الانشغال بصورة الشيخ وجدي غنيم أمام مائدة في وليمة! أمر غريب يدلك على خلل عظيم في التربية، ولا أقول فهم الأولويات بل حتى فهم البديهيات!
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
من غرائب الأمور أو إن شئت فقل المضحكات المبكيات، الانشغال بصورة الشيخ وجدي غنيم أمام مائدة في وليمة! أمر غريب يدلك على خلل عظيم في التربية، ولا أقول فهم الأولويات بل حتى فهم البديهيات! فمن العجيب أن ينشغل البعض بمحاولة الطعن في الرجل المجاهد الذي عاش نصف عمره أو أكثر بين معتقل ومطارد! كأنه المثال الحي لقوله تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:56]، وما ذلك إلا بسبب دينه ومواقفه في الدفاع عن عقيدته! ولست أقصد هنا التبرير لفعل هو أصلا من الحلال الطيب، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32].
والرجل فعل السنة بإجابة دعوة الداعي، ولم يكن في الوليمة شيئًا مما تزخر به موائد الدعار من المحرمات! ولو كان هو صاحب الوليمة لكان وصف الكرم هو الأولى به بلا شك! ودعك من ذلك فلست أريد الخوض في تبرير أمر كهذا! وإنما الذي يدعو للسخرية أن منتقدي ذلك إما ممن امتلأت بطونهم بالحرام وحياتهم بالإسراف كالقائمين على الجريدة التي نشرت الخبر، أو ممن يتربصون بالمؤمنين من منافقين امتلأت كروشهم بالمال الخليجي الملطخ بدماء المسلمين! لكن أهم ما تلاحظه في ذلك المشهد العبثي أمران..
الأول: سعي المنافقين دائمًا إلى تشويه صورة أهل الإيمان وطمس الفارق الواضح بين من يتحرك كبشر له فطرته واحتياجاته الطبيعية لكنه يقيد ذلك بشريعة ودين، وهو ما عبر عنه القرأن الكريم {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40]، وبين من ينساق لضعفه البشري فيعطي نفسه كل ما تشتهي ولا يريد تقييدًا لشهواته من شرع أو دين، ولا تذكيرًا يزعج ضميره بأن غيره يستطيع الحياة بسعادة في ظل شرع يرجو به خير الدنيا والآخرة! وهو ما عبر عنه القرآن بوصف هؤلاء بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ..} [النساء:141]، وقوله تعالى: {وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14]، ولذلك فقد تكرر في جميع كتاباتهم وأعمالهم الفنية وغيرها تلك الصورة النمطية للمسلم الملتزم -الفتة والنسوان!- وذلك للوصول إلى أن يرسخ في نفس المتلقي عدة أمور..
1- الشريعة بتقييدها لبعض الأمور غير قابلة للتطبيق العملي وفوق مستوى البشر!
2- مفيش حد أحسن من حد! كما جاء في عنوان أحد أفلامهم (يا عزيزى كلنا لصوص!).
3- عدم صلاحية التيار الإسلامي لتصدر المشهد السياسي أو الثقافي..... إلخ، فهم أناس يحملون ثقافة الصحراء والعصر الحجري! وطبعًا ﻻ تكلمني عن السجون المليئة بشهادات الدكتوراة! فنموذج رجل الدولة الإسلامي الناجح أو المثقف لا ينبغي أن يوجد في الذهن، حتى لو كانت التجربة القصيرة أفرزت رئيسًا متخمًا بالشهادات العلمية، لا بالموائد الشهية! -وهو ما لم يوجد مثله قبله من حارسي العلمانية وحاملي مجموع الـ50 %-، أو وزيرًا جعل تموين الناس هو همه لا تموين بطنه بالحرام! أو وزارة بدأت تقدم اول تابلت مصرى بدلاً من جهاز الكفتة المسخرة.... إلخ!
4- صرف الناس عن الالتفات إلى عصابة المجرمين اللصوص والمفسدين من رؤوس الدولة إلى سائر اذنابهم من الإعلاميين والفنانين ولاعبي الكرة.. إلخ، ولا تتكلم عن الناصريين متصدري المشهد السياسي الجديد الذين رفعوا شعار العدالة الاجتماعية والحرية في حين تمتلئ كروشهم بالمال الحرام، وسجونهم بالأحرار! ولا تكلمني عن مليارات مجلس الاحتلال المسمى بالمجلس العسكري، وﻻ عن مليارات ساويرس وعصابته الكنسية ولا فلول الحزب الواطي! فقط تكلم عن جشع الإسلاميين ونهمهم!
5- محاولة الطعن في المشهد الفريد الذي يتصدره الإسلاميون وليس لهم فيه منافس! مشهد الدفاع عن الحق على حساب الدنيا! ذلك أنه مشهد رباني الصنع لا يقوم به إلا من يحتسب نفسه وأهله وماله في سبيل نصرة عقيدته، يرجو بذلك التقرب إلى الله تعالى، ذلك المشهد الذي أعجز الطغاة على مر التاريخ ويعجز الانقلابيين الآن بعد مرور عشرة أشهر على انقلاب مجرم استحل دماء وأموال وأعراض المدافعين عن مبادئهم بصدق، وهو المشهد الذي توارى فيه أدعياء الثورة لأنهم لا يتحملون كلفته الباهظة!
6- محاولة الترويج لفكرة المغرر بهم! وتشكيك الصف الإسلامي والثوري في رموزه.. تلك المحاولات المتكررة ليل نهار بغير حياء لتشويه الرئيس الشرعي الصامد بفضل الله، بأنه ينعم في سجنه بأكل البط بالفريك! أو الإخوان الذين غرورا بالشباب وفروا من ميدان قتل فيه أبناؤهم! إلى آخر ذلك من محاولات فاشلة يغفل فيها هؤلاء الأغبياء أن قضية الثوار لا ترتبط بأشخاص أصلاً حتى تهتز باهتزاز صورتهم إن اهتزت!
وأما الملحوظة الثانية: ففي قدر الاهتمام بالمشهد المجرد وفتح الجدل واستنزاف الطاقات، والأوقات في أخذ ورد ومناظرة جدال! في وقت تحاك فيه أكبر وأقذر مؤامرة على هذه الأمة! لكنها ثمرة التربية الخاطئة الخالية من الفقه.. وأعترف هنا أن القوم يعلمون أن رسالتهم ليست موجهة فقط للهمج الرعاع، بل ستجد آذانًا صاغية في تيار واسع ممن يفترض فيهم اليقظة والفهم! وإلى الله المشتكى!