الإيمان بالكتب
أحمد بن عبد الرحمن القاضي
الإيمان بالكتب هو الاعتقاد الجازم أن الله تعالى أنزل على أنبيائه كتباً بالحق، هدى للناس ورحمةً بهم، وموعظة لهم وحجةً عليهم، وتبياناً لكل شيء..
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فالإيمان بالكتب هو الاعتقاد الجازم أن الله تعالى أنزل على أنبيائه كتباً بالحق، هدى للناس ورحمةً بهم، وموعظة لهم وحجةً عليهم، وتبياناً لكل شيء، والإيمان بها يقتضي أموراً: أولاً: الإيمان بما علمنا اسمه منها تعييناً، وما لم نعلم اسمه نؤمن به إيماناً مجملاً.
وأعظمها ثلاثة:
1- التوراة: التي أنزلها الله على موسى عليه السلام، قال تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ . وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [الأعراف:144-145]، وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} [المائدة:44]
2- الإنجيل: الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام، قال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ} [الحديد:27]، وقال: ({وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِين} [المائدة:46].
3- القرآن: الذي أنزله الله على محمد، صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} [المائدة:48]، ومن كتب الله: الزبور، الذي آتاه داود عليه السلام.، قال تعالى: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً} [الإسراء:55]، وصحف إبراهيم، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:18-19].
ثانياً: تصديق ما لم يحرف من أخبارها: فقد أخبر تعالى أن كتب بني إسرائيل قد دخلها التحريف اللفظي والمعنوي، فقال: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}، {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِه} [المائدة:13-41] وقال: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:78]، وأما القرآن العظيم فقد تكفل الله بحفظه، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وصانه، فقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز ٌ. لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:41-42]
وتأسيساً على ذلك، فإن القصص والأخبار المذكورة في كتب أهل الكتاب، المسماة اصطلاحاً (الإسرائيليات) لا تخلو من ثلاثة أحوال..، أحدها: أن تكون موافقةً لما في القرآن: فنعتقد صحتها، لشهادة كتابنا لها، كذكر الطوفان، وإغراق آل فرعون، وآيات عيسى عليه السلام.
الثانية: أن تكون مخالفةً لما في القرآن: فنعتقد بطلانها، وأنها مما أحدثوه، وكتبوه بأيديهم، ولووا به ألسنتهم، كزعمهم أن لوطاً عليه السلام شرب الخمر، وزنى بابنتيه! أكرمه الله وحاشاه، وزعمهم أن عيسى هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
الثالثة: أن تكون غير موافقة ولا مخالفة: فلا نصدقها، ولا نكذبها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله، وكتبه، ورسله. فإن كان حقاً لم تكذبوهم ن وإن كان باطلاً لم تصدقوهم» (رواه أحمد، وأبو داود)، إلا إنه يجوز التحديث به وحكايته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وحدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج» (رواه البخاري).
ثالثاً: الحكم بشريعة القرآن: فإن الله أنزل القرآن العظيم مهيمناً على الكتب السابقة أي حاكماً، وأميناً، وشاهداً عليه، فاستوعب ما تضمنته من مصالح، ونسخ بعض أحكامها، فلا يحل اتباع شريعة غير شريعة القرآن، فقد قال تعالى، بعد ذكر التوراة والإنجيل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ . وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ . أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَن أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:48-50]، وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} [النساء:105].
رابعاً: الإيمان بالكتاب كله، وعدم تبعيضه، قال تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85]، وقال: {هَا أَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّه} [آل عمران:119].
خامساً: تحريم كتمانها، وتحريفها، والاختلاف فيها، وضرب كلام الله بعضه ببعض، قال تعالى: (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) [آل عمران:187]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:174-176]، وقال: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة:79]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإنه ما ضل قوم قط إلا أوتوا الجدل» (رواه الطبري).