على صوت حشرجة الصغير

محمد عطية

وجوه أراها على زجاج السيارة تصرخ بي لائمة مستنجدة، هذه تصيح بي لو ناولتها علبة حليب، فصغيرها يتضور وضرعها قد جففه الجوع، وهذا آخر يصرخ ما أبقى القصف لنا بيوتًا فضلًا عن (صيدليات) للدواء، أو مخابز ومحلات للغذاء، وثالث يكرر وصيتكم صغاري يا أمة محمد..

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

• وأستيقظ قبل الفجر على صوت حشرجة الصغير بأنفاسه، نوبة حساسية وسعال إثر جو بارد متقلب..
كالمجنون أطوف الشوارع بحثًا عن صيدلية عاملة في هذا الوقت، كل معاني البؤس في الدنيا تتراقص أمام عيني كأشباح مخيفة، صغير يتضور جوعًا في حجر أمه بخيمة مهترأة، وآخر يمتص المرض نضارة الطفولة في وجهه وعيون والديه المحطمة تسح الدموع ترجو لو تفديه، وآخر يرجف من البرد وأمه تجمع عليه أثمال بالية ما تغني عنه شيئًا..

بكاء وتضرع وشعور مرير بالذنب، يا لله كم غفلنا عن هؤلاء؟!
من خلف الدموع ألحظ بالكاد لافتة مضيئة (صيدلية خدمة ٢٤ ساعة).
أدخل عجلاً متلهفًا ليلقاني ذلك الوجه الشاحب من أثر السهر يتكلف بسمة طمأنة، والعين التي تقاوم النعاس جاهدة في قراءة (روشتات) المضطرين الموجوعين على أحبابهم في هذا الوقت، هممت للوهلة الأولى أن أنحني على يده لأقبلها، ومن عجيب النفس البشرية أن يهون ألمها إن وجدت من يشاركها فيه، ثلاثة آباء يطلبون نفس الوصفة، ويشكون من نفس الأعراض التي هاجمت صغارهم بخسة مستترة بظلام الليل!

وتحاصرني تلك الصور في طريق العودة مرة أخرى..
وجوه أراها على زجاج السيارة تصرخ بي لائمة مستنجدة، هذه تصيح بي لو ناولتها علبة حليب، فصغيرها يتضور وضرعها قد جففه الجوع، وهذا آخر يصرخ ما أبقى القصف لنا بيوتًا فضلًا عن (صيدليات) للدواء، أو مخابز ومحلات للغذاء، وثالث يكرر وصيتكم صغاري يا أمة محمد؛ قوات الكفر حاصرت بيتي ولا أراني تطلع علي شمس النهار!

أخجلتني صورهم من نفسي..
ناولت زوجتي الدواء ثم ذهلت عنها وعن الصغير؛ ما زال صراخهم في أذني!

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام