التزين بالملابس

محمد سلامة الغنيمي

التزين فطرة فطر الله الإنسان عليها وجعل حبها من طبعه، فالإنسان يبحث دائماً وفي كل شيء عن الجمال والزينة، وجعل الله تعالى النفوس تسكن وتستريح إلى الجمال والزينة، وتأنس بهما وتنفر وتفر من القبيح والمشين الذي لا جمال فيه ولا زينة.

  • التصنيفات: فقه الملبس والزينة والترفيه -

المراد بالتزين ما زاد على ستر العورة من تنسيق الملابس وحسن الهندام، وما إلى ذلك من ألوان التزين والتجمل، والتزين فطرة فطر الله الإنسان عليها وجعل حبها من طبعه، فالإنسان يبحث دائماً وفي كل شيء عن الجمال والزينة، وجعل الله تعالى النفوس تسكن وتستريح إلى الجمال والزينة، وتأنس بهما وتنفر وتفر من القبيح والمشين الذي لا جمال فيه ولا زينة.

يقول الأصمعي: "رأيت بدوية من أحسن الناس وجهاً ولها زوج قبيح، فقلت: يا هذه أترضين أن تكوني تحت هذا؟ فقالت: يا هذا لعله أحسن فيما بينه وبين ربه، فجعلني ثوابه، وأسأت فيما بيني وبين ربي فجعله عذابي، أفلا أرضى بما رضي الله به؟"، فالمظهر هو الهالة المميزة للنجاح، وبقدر اعتناء الإنسان به يحصل على الاحترام والتوقير من الأخرين، فضلاً عن أنه يعكس الصورة الذهنية عن شخصية صاحبه لدى الأخرين، فضلاً عن الشعور بالارتياح والرضا عن الذات، فهو سر النجاح.

وكما أن ستر العوره مطلب من مطالب الجسد، فكذلك التزين والتجمل مطلب من مطالب الروح، وبذلك يكون القرآن قد جمع بين مطالب الروح والجسد معاً، قال تعالى منادياً البشرية جمعاء، مبيناً بعض نعمه عليهم فقال تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:26]، والرياش هو اللباس الفاخر، واستعير من ريش الطائر، يقول حسان في مدح الرسول صل الله عليه وسلم:
 

وأحسن منك لم تر قط عينـي *** وأجمل منك لم تلـد النساء
خلقت مبرأ من كل عيـب *** كأنك قد خلقت كما تشاء


 

قال تعالى في معرض المن: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل:6]، فيبدوا من الآية الكريمة، أن الإنسان يتأثر نفسياً بما يحيط به من أشكال وألوان، قال طاووس: "من زعم أن الثياب لا تغير القلوب فقد كذب، إني لأغسل ثوبي هذين فأنكر نفسي ما داما نقيين".

ولذا فقد حثت الشريعة الإسلامية قرآناً وسنه على التزين والتجمل، قال تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، كما ينكر على أولئك المتطرفين الذين يحرمون الزينة، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف:23]، وقال تعالى آيضاً: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]، والزينة نعمة من نعم الله، لذلك أمر بالتحدث بها أي بإظهارها كوجه من أوجه الشكر عليها.

وهذا هو شأن القرآن الكريم، فهو يهدف إلى جعل المؤمنين شامة وعلامة بين الناس، مميزون عن غيرهم، مؤثرين في مجتمعاتهم ليحققوا قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110]، فلن تتحقق هذه الخيرية في أفراد ذو مناظر مهملة وملابس رثة متسخة، وشعر سائر، بل لا بد من التزين والتجمل حتى تأتي الدعوة بثمارها، فضلاً عن أنهم متبعون بالاقتداء، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمتة على عبده» (رواه الترمذى، وحسنه الألباني في المشكاة:4350).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال: رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس» (رواه مسلم:91، وأبوا داود، والترمذي، وابن ماجة). وعن عمرو بن حريث رضي الله عنه: "كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه" (رواه مسلم:1359، وسنن إبن ماجه).

وكان سعيد بن المسيب يلبس الحلة بألف درهم ويدخل المسجد، فقيل له في ذلك، فقال: "إني أجالس ربي"، وقيل: "المرؤة الظاهرة الثياب الطاهرة"، وقيل آيضاً: "المظهر عنوان الشخصية"، فتلمح أثر المظهر على صاحبه من خلال هذا الموقف، دخل على الإمام أبي حنيفة يومًا رجلاً له هيبة العالم، فجلس بين يدي الإمام مع الجلوس، فهابه الإمام، وكان الإمام فأردًا قدميه، فلما جلس الرجل إستجمعهما الإمام، وأخذ طلاب الإمام يسئلونه ويجيبهم الإمام، إلى أن سأل الرجل سؤلاً لا يسئله إلا أحمق، فقال الإمام: "آن لأبي حنيفة أن يمد قدميه".

وهذه الزينة التي وصى الله تعالى بها عباده لم تأتي على سبيل الاستقصاء، وإنما حث عليها وأمر بها وجبل الإنسان عليها، ولم يترك له العنان في طلبها، ولكن وضع لها قيودًا وحدودًا لا يجوز تجاوزها، وربما كانت الحكمة من عدم تفصيلها على هيئة صور وأشكال، لأن التفصيل يقتضي الإلزام، فلو تم ذلك لكان لازماً، والأخذ بغيره محرماً، والزينة من الأمور المتغيرة التى تختلف من مجتمع لأخر ومن عصر لأخر، فكان ذلك منه سبحانه على سبيل التيسير والتخفيف.

من رحمة الله تعالى على بني آدم أن جعل الأصل في الأمور الإباحة، فما لم يرد فيه نص لا بالإباحة ولا بالمنع فهو مباح، والمباح لا يصير حراماً إلا بنص من الكتاب أو السنة، إلا أن الشارع الحكيم قد وضع ضوابط تحكم تناول الإنسان لما هو مباح، وهذه الضوابط وضعت لسلامة الفرد بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام