أينك عن الأقصى؟!

أيُّ المعاول أنت؟! في المقدسات، كما في الدماء؛ لا حياد ولا انتظار. لو جاءك يومًا خبرُ هدم المسجد الأقصى؛ فلا تَلُمْ أحدًا ولا تَقُلْ فلان وفلان، انظر فقط إلى يديك؛ فستجد عليها آثار غبار الهدم، فالساكت والمتخاذل مِعْول كأي معول آخر، وإن لم تكن في صفِّ من يرسخون ويثبتون؛ فأنت محسوب على الأعداء!

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

بحسب تقرير حالة القدس الذي أصدرته مؤسسة القدس الدولية يعتبر العام المنصرم و هذا العام من اسوأ الأعوام التي مرت وتمر على القدس والمسجد الأقصى لما يواجهناه من تهويد محموم، أدى الى انطباق الكماشة حول عنق المدينة ومسجدها.

فالصهاينة لم يدعوا جهدًا إلا وفعلوه لبسط سيطرتهم على المدينة، مدعومين بجهد دولي تقوده أمريكا في جعل القدس عاصمة إسرائيل الموحدة.

أما الأردن الوصي على المقدسات، دوليًّا وعربيًّا، لا يقوم سوى بدور الشجب والاستنكار في مواجهة الخطط والاعتداءات، وكأن الدبلوماسية الناعمة تنفع مع الصهاينة الذين استولوا مؤخرًا على مبنى للأردن في القدس الشرقية دون أن يعيروا الاعتراضات الأردنية أي اهتمام.

أما العرب فليسوا أحسن حالًا، فهم في مجموعهم شيَّطنوا المقاومة، وجعلوها إرهابًا، ودعموا النهج التفاوضي والتفريطي الذي تقوده السلطة الفلسطينية دون تفويض من الشعب الفلسطيني!

أما الجانب الاسرائيلي فقد غيَّر الدين لأجل أن يتمكن من القدس والأقصى، فبينما كانت الفتاوى تحظر على اليهود زيارة المكان المعروف لديهم بقدس الأقداس الى حين بناء الهيكل ومجيء المخلص؛ إذ بالمتطرفين يستصدرون فتاوى خاصة غيَّرت تعاطي المؤسسة الدينية مع موضوع التواجُد في الأقصى من المنع إلى الترحيب والتحفيز والوجوب، وينقل التقرير عن النائب ميري ريغف قولها: إن "كل يهودي يعلم أهمّية حقّه بالصلاة في جبل المعبد، وما نريده هو دخول اليهود إلى جبل المعبد والصلاة فيه دون إغلاق الأبواب. والمهمة التي نحن بصددها هي تمكين كل يهودي يريد دخول جبل المعبد والصلاة فيه دون إغلاق الأبواب، ويمكنه أن يفعل ذلك وهو يحمل الكتاب الذي ورثه عن أبيه، ومن يفعل ذلك ليس متطرفًا، بل ثمة جماعات تريد الصلاة في جبل المعبد".

إن هذا التغيُّر في النظرة الدينية كان مدعومًا أيضًا بوصول نواب متطرفين إلى سُدَّة السلطة التشريعية،  نجحوا وانتخبهم الشعب خصوصًا لمساندتهم لتهويد القدس ويهودية الدولة، وقد أبقى هؤلاء موضوع القدس والأقصى الحاضر الدائم في مناقشات الكنيست إلى أن تمَّ استصدار قوانين التقسيم الزمني، و هي من أخطر ما مر على القدس بعد الاحتلال، إذ ستمكن قطعان المستوطنين من التواجُد المنفرد في الأقصى في ساعات صلاتهم وأعيادهم، بينما يكون المسجد مغلقًا في وجه المسلمين، وهذه الخطوة ما هي إلا مسمار جحا؛ للاستيلاء التام على المسجد.

ومن كان يستبعد ذلك فليتذكر ما حصل في المسجد الإبراهيمي في الخليل، الذي طبقت عليه نفس السياسة حتى ما عاد للمسلمين مكان فيه! و لم تبقَ الفتاوى الدينية والقوانين التشريعية حبرًا على ورق، بل وُضعت مباشرةً للتطبيق الميداني من قِبَل الجماعات المتطرفة التي أصبحت تقتحم الأقصى بشكل شبه يومي، وهاهي أيام قليلة تفصلنا عن بداية تطبيق التقسيم الزماني الفعلي ونحن لا نحرك ساكنًا!!!

وقد يأتي السؤال المتغابي: وماذا يمكن لنا أن نفعل ونحن بعيدون، وليس بوسعنا حتى أن نطأ الأرض لندافع عنها؟ وكأنَّ الدفاع لا يتم الا بالتواجُد الفعلي على الأرض! و كأننا إنْ حُرِمنا هذه الوسيلة فليس بعدها شيء يمكن أن نقدمه! وهذه عقلية استسلامية انهزامية، تريد أن تريح نفسها من عناء التقديم، ولو بالقليل، وتكتفي بالتأوهات وبكاء العاجز؛ لتريح ضميرها!!

هناك الكثير الذي يمكن تقديمه وزيت الأقصى في هذه المراحل له أشكال متعددة؛ أولها: تثبيت المرابطين في ساحات الأقصى من أهل القدس وفلسطين 48 الذين أروا العالم بطولاتهم، وهم عُزَّل من السلاح في التصدي بأجسادهم لكل اعتداء واقتحام، فلم نسمع أن المسجد في يوم كان فارغًا من المرابطين أو من طلبة العلم في المصاطب؛ ليرتع فيه المستوطنون فسادًا! بل إن أهل القدس وفلسطين من حملات البيارق التي تنطلق من الأراضي المحتلة في 48 يتعهدونه بالحراسة اليومية في كافة الأوقات، ولكن تفريغ هؤلاء لهذه المهمة التي ينوبون فيها عن الأمة جمعاء، يحتاج إلى دعم مادي مستمر؛ ليستطيعوا القيام بواجبنا وواجبهم على أتم وجهٍ، فلا تسأل ماذا يمكن أن أقدم فهذه إحدى وجوه الدعم والدفاع، فهل قمتَ بها؟

أشكال أخرى من الدفاع تتمثل بالحملات الإعلامية الكبيرة، التي تكتسح الفضاء الإلكتروني؛ فهذه لها قراءاتها في المجتمع الدولي وصناعة السياسات، وبها يقيسون نبض الشعوب وحالة الإجماع التي إما أن تكون نحو التفريط أو نحو التمسك، وقد دشَّن ناشطون حملات إلكترونية تحت شعار (#كلنا_حماة_الأقصى)؛ لتكون جزءًا من التصدي الإعلامي للاعتداءات وتساهم في نشر الحقيقة حول المخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى.

وشكل آخر من التصدي أن تعود القدس إلى شوارعنا ومن قَبْلُ إلى رأس اهتماماتنا، فتضجّ وتنتفض شوارع العواصم العربية، برغم جراحها، لتساند الجرح الأكبر في القدس وتقول للعالم: إن كلنا ظهر وكنف ووتد لمساندة الأقصى، والمسلمون في أوروبا خصوصًا مطالَبون أنْ يكون لهم دور أكبر في الضغط الشعبي على ساستهم والاستفادة من القوانين الدولية ومساحة الحرية في بلادهم؛ للدفاع عن القدس بكافة الوسائل.

لن نعوِّل على جهود الحكومات؛ فهؤلاء باعونا وباعوا الأقصى، ولكن هل تكون كلمة الشعوب وأفعالهم مشابهة لأحوال هؤلاء المفرِّطين؟ إن الجهود الشعبية تُسقط الحكومات والمؤامرات، هذا ما تعلمناه في السنوات الماضية، فلا يجب أن نستقل بعزيمة الشعوب وإرادتها.

كان الناس يستغربون من حديث آخر الزمان الذي يقول: إن الكعبة قد تهدم، ويستبعدون ذلك تمامًا، فكيف يهدم المقدس الأعظم في حياة المسلمين وهم ساكتون؟! الجواب: ما نعايشه الآن، فها هو أخو المسجد الحرام في القدسية مُعرَّض للهدم والانتهاك، و لا بواكي له، ولا عمر، ولا صلاح!! فهل تختلف درجات القدسية؟و هل إثم مَن يُجَزِّئ القدسية ويفرق فيها بين المساجد الثلاثة؛ كإثم المرتد الذي يفرِّق بين الصلاة والزكاة؟

لو جاءك يوم خبر هدم المسجد الأقصى؛ فلا تَلُمْ أحدًا ولا تَقُلْ فلان وفلان، انظر فقط إلى يديك؛ فستجد عليها آثار غبار الهدم، فالساكت والمتخاذل مِعْول كأي معول آخر، وإن لم تكن في صفِّ من يرسخون ويثبتون؛ فأنت محسوب على الأعداء!

في المقدسات، كما في الدماء؛ لا حياد ولا انتظار.

فأيُّ المعاول أنت؟!

د/ ديمة طارق طهبوب

السبت 19 جمادى الآخرة 1435 الموافق 19 إبريل 2014

المصدر: موقع اﻹسلام اليوم.