نماذج في الفصاحة
نماذج من فصاحة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها... نماذج أخرى.
- التصنيفات: أخبار السلف الصالح - محاسن الأخلاق -
نماذج من فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال السيوطي: "أفصحُ الخَلْق على الإطلاق سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيب رب العالمين جل وعلا" (المزهر في علوم اللغة وأنواعها: [1/165]).
و"قال الخطابي: ... ومن فَصَاحَته أنه تكلَّم بألفاظ اقتضبها، لم تُسْمع من العرب قبله، ولم توجد في متقَدِّمِ كلامها، كقوله: « »، و« »، و« »" (المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي: [1/165]).
«
»: إذا مات من غير قتل ولا ضرب. (مختار الصحاح للرازي: ص [66]).نماذج من فصاحة الصحابة رضي الله عنهم
فصاحة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
عن هشام بن عروة، قال عبيد الله، أظنُّه عن أبيه، قال: "لما وَلِيَ أبو بكر، خطب الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، أيها الناس، قد وُلِّيت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وسنَّ النبي صلى الله عليه وسلم السُّنن فعَلَّمنا فعَلِمنا. اعلموا أن أَكْيَس الكَيْس: التَّقوى، وأن أَحْمَق الحُمْق: الفجور. وأن أقواكم عندي الضعيف، حتى آخذ له بحقه، وأن أضعفكم عندي القوي، حتى آخذ منه الحق. أيها الناس، إنما أنا متبع ولست بمبتدع. فإنْ أحسنت فأعينوني، وإنْ زِغْتُ فقوِّموني" (رواه ابن سعد في (الطبقات الكبرى) [3/182]).
فصاحة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
خطب عمر رضي الله عنه فقال بعد ما حمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، إن بعض الطمع فَقْر، وإن بعض اليأس غِنى، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون، وأنتم مؤجَّلون في دار غرور، كنتم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تُؤْخَذون بالوحي، فمن أَسَرَّ شيئًا، أُخِذ بسريرته، ومن أعلن شيئًا، أُخِذ بعلانيته، فأَظْهِروا لنا أحسن أخلاقكم، والله أعلم بالسرائر، فإنه من أَظْهَر شيئًا، وزعم أن سريرته حسنة، لم نصدِّقه، ومن أَظْهَر لنا علانية حسنة، ظننَّا به حسنًا، واعلموا أن بعض الشُّح شُعبة من النفاق، فأنفقوا خيرًا لأنفسكم، ومن يُوق شحَّ نفسه، فأولئك هم المفلحون. أيها الناس، أطيبوا مثواكم، وأصلحوا أموركم، واتقوا الله ربكم، ولا تلبسوا نساءكم القَبَاطي (القباطي جمع القبطي: وهو ثوب رقيق من كتان يعمل بمصر نسبة إلى القبط. (شرح الزرقاني على موطأ مالك: [2/489]))، فإنه إن لم يَشِفَّ فإنه يَصِف. أيها الناس، إني لوددت أن أنجو كفافًا (كفافًا: أي مكفوفا عني شرها وخيرها. (فتح الباري لابن حجر: [13/207]))، لا لي ولا عليَّ، وإني لأرجو إن عُمِّرت فيكم يسيرًا أو كثيرًا، أن أعمل بالحق فيكم -إن شاء الله-، وألا يبقى أحد من المسلمين -وإن كان في بيته- إلا أتاه حقه ونصيبه من مال الله، ولا يعمل إليه نفسه، ولم ينصب إليه يومًا. وأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله، ولَقَليل في رِفْق، خيرٌ من كثير في عُنْف، والقتل حَتْف من الحُتُوف، يصيب البرَّ والفاجر، والشهيد من احتسب نفسه. وإذا أراد أحدكم بعيرًا فليعمد إلى الطويل العظيم فليضربه بعصاه، فإن وجده حديد الفؤاد فليشتره" (ذكر بعضه الوراق في (أنساب الأشراف) [3/410]).
فصاحة عائشة رضي الله عنها:
كانت عائشة رضي الله عنها على درجة عالية من الفصاحة والبلاغة، فعن معاوية قال: "ما رأيت خطيبًا قطُّ أبلغ ولا أفصح من عائشة" (رواه الطبراني [23/183]، [19252]. قال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/246]: رجاله رجال الصحيح).
- وقال موسى بن طلحة: "ما رأيت أحدًا أفصح من عائشة" (رواه الترمذي [3884]، و أحمد في فضائل الصحابة [2/876] رقم [1646]، والطبراني [23/182] [19246]، والحاكم [4/12]. قال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد [9/246]: رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي).
- وعن الأحنف بن قيس قال: "سمعت خطبة أبي بكv الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي
بن أبي طالب رضي الله عنهم، والخلفاء هلم جرًّا إلى يومي هذا، فما سمعت الكلام من فم مخلوقٍ أفخم ولا أحسن
منه من في عائشة رضي الله عنها" (رواه الحاكم [4/12]، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة [8/1522] رقم [2767]، والأثر في سنده أحمد بن سلمان الفقيه وعلي بن عاصم وهما صدوقان، والأخير ضعفه بعضهم. انظر: ميزان الاعتدال للذهبي: [1/101]، والكاشف [2/42]، وتقريب التهذيب: ص [403]).
- وحينما توفي أبوها قالت رضي الله عنها: "رحمك الله يا أبة! لقد قمت بالدين حين وهى شُعبه، وتفاقم صَدْعه، ورَحبت جوانبه، وبَغضتَ ما أصغوا إليه، وشمَّرتَ فيما وَنَوا عنه، واستخففتَ من دنياك ما استوطنوا، وصغَّرتَ منها ما عظَّموا، ولم تهضم دينك، ولم تنسَ غدك؛ ففاز عند المساهمة قَدَحك، وخفَّ مما استوزروا ظهرك، حتى قرَّرت الرؤوس على كواهلها، وحَقَنت الدماء في أُهُبها -يعني: في الأجساد-؛ فنضَّر الله وجهك يا أبة! فلقد كنت للدنيا مُذِلًّا بإدبارك عنها، وللآخرة مُعِزًّا بإقبالك عليها، ولكأنَّ أجلَّ الرزايا بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم رُزْؤك (الرزء: المصيبة. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: [2/218])، وأكبر المصائب فَقدك؛ فعليك سلام الله ورحمته، غير قاليةٍ لحياتك، ولا زاريةٍ على القضاء فيك" (رواه أبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم: [6/94]، وابن عساكر في تاريخ دمشق: [30/443]، وأورده محب الدين الطبري في الرياض النضرة في مناقب العشرة: [1/265]).
نماذج أخرى في الفصاحة:
- قال الربيع بن سليمان: "لو رأيت الشافعي وحُسْن بيانه وفصاحته لعجبتَ، ولو أنه ألَّف الكتب على عربيَّته التي يتكلم بها في المناظرة، لم نقدر على كتبه لفَصَاحَته وغرائب ألفاظه، غير أنه في تأليفه يوضِّح للعوام" (سير أعلام النبلاء للذهبي: [10/74]).
- دخل الحسن بن الفضل على بعض الخلفاء، وعنده كثير من أهل العلم، فأحب الحسن أن يتكلَّم، فزجره، وقال: يا صبي تتكلم في هذا المقام؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن كنت صبيًّا، فلست بأصغر من هدهد سليمان، ولا أنت بأكبر من سليمان عليه السلام حين قال: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل من الآية:22]، ثم قال: ألم تر أن الله فهَّم الحُكْم سليمان، ولو كان الأمر بالكِبَر لكان داود أولى (المستطرف للأبشيهي: ص [56]).
- وحُكي: أن البادية قحطت في أيام هشام، فقدمت عليه العرب، فهابوا أن يكلِّموه، وكان فيهم دِرْواس بن حبيب، وهو ابن ست عشرة سنة، له ذُؤابة، وعليه شَمْلَتان، فوقعت عليه عين هشام، فقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل عليَّ إلا دخل، حتى الصبيان، فوثب دِرْواس حتى وقف بين يديه مُطْرِقًا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن للكلام نشْرًا وطَيًّا، وإنَّه لا يعرف ما في طيِّه إلا بنشْره، فإنْ أذن لي أمير المؤمنين أنْ أنشُره نشَرته. فأعجبه كلامه، وقال له: انشُره لله درُّك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّه أصابتنا سنون ثلاث، سنة أذابت الشَّحم، وسنة أكلت اللَّحم، وسنة دقَّت العظم، وفي أيديكم فضول مال، فإنْ كانت لله ففرِّقوها على عباده، وإنْ كانت لهم، فَعَلام تحبسونها عنهم، وإنْ كانت لكم، فتصدَّقوا بها عليهم، فإنَّ الله يجزي المتَصدِّقين. فقال هشام: ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثَّلاث عذرًا، فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، ثم قال له: ألك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في خاصَّة نفسي دون عامَّة المسلمين. فخرج من عنده وهو من أجلِّ القوم (المستطرف للأبشيهي: ص [56]).
- قيل للرشيد: إن عبد الملك بن صالح يعدُّ كلامه، ويفكر فيه، فلذلك بانت بلاغته، فأنكر ذلك الرَّشيد، وقال هو طَبعٌ فيه، ثمَّ أمسك، حتى جاء يومًا، ودخل عبدُ الملك، فقال للفضل بن الرَّبيع: إذا قَرُب من سريري، فقل له: وُلِد لأمير المؤمنين في هذه اللَّيلة ابنٌ، ومات له ابنٌ. فقال له الفضل ذلك، فدنا عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، سرَّك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرَّك، وجعلها واحدة بواحدةٍ، ثواب الشَّاكرين، وأجر الصَّابرين. فلما خرج، قال الرَّشيد: أهذا الذي زعموا أنه يتصنع للكلام، ما رأى النَّاس أطبع من عبد الملك في الفَصَاحة قطُّ (ديوان المعاني أبي هلال العسكري: [2/173]).