المقدمة

محمد المصري

فهذا مبحث أرجو أن يكون مبادرة موفقة لدعم مزيد من التفكير بمنهجية بعيدا عن الرتابة والتقليد فما كان من خير فهو من الله وحده وما كان من شر فهو من نفسي والشيطان.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم... وبعد،،

- فهذا مبحث أرجو أن يكون مبادرة موفقة لدعم مزيد من التفكير بمنهجية بعيدا عن الرتابة والتقليد فما كان من خير فهو من الله وحده وما كان من شر فهو من نفسي والشيطان.

 

المقدمة:

في هذه الأيام التي لا نزال نتلمس فيها طريق النهضة وطريق التغيير، نحن بحاجة إلى مفكرين فقهاء وبالمعنى العام لكلمة (فقه) وهي: (الفهم العميق للإسلام)، كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل». نحن بحاجة إلى فقهاء علماء يعرفون سنن التغيير وأمراضنا الاجتماعية وواقعنا وواقع غيرنا تمام المعرفة، وما هي الخطوات المرحلية التي يجب أن نبدأ بها، وإذا كان الغرب ينتقل إلى الهم الاقتصادي والثورة (التقنية) فإننا في بلاد المسلمين لا زلنا بحاجة إلى( التخطيط الفكري)؛ فإن هذه البضاعة لا تزال عزيزة، وإذا وجدت فإنها بضاعة غير رائجة، فلا تزال المنزلة الأولى للخطيب والواعظ، وصاحب الحديث الجذاب والبلاغة الأدبية، ولا تزال المجلة الفكرية، والمحاضرة الفكرية ثقيلتي الظل على السامع أو القارئ المسلم بشكل عام، وإذا حدث ودعي مفكر لندوة أو محاضرة فهي من باب (التملح) أو لكسر الروتين السائد.

إن مشكلة (المسلم) لا تحل إلا بتحديدها تحديدًا دقيقًا، والتفكير فيها، وهذا لا يؤتاه إلا (أولو الألباب) وعندما ذكر القرآن الكريم أن عشرين من المؤمنين يغلبون مائتين من الذين كفروا قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ}. ولذلك قال عبد الله بن مسعود يصف بعض المظاهر في آخر الزمان: "يكثر الخطباء ويقل الفقهاء".

 

عندما كان العلماء الفقهاء هم الموجهون أو هم الحكام كانت الأمور تسير سيرًا صحيحًا، وعندما انفصلت السياسة عن الفكر أصيبت بالانحراف ثم بالتدمير، وفي دول الغرب الآن نجد أن السر في قوتها هو تكامل الفكر والسياسة، واعتماد رجال التخطيط والتنفيذ في دوائر السياسة والإدارة على ما يقدمه رجال الفكر العاملون في مراكز البحوث والدراسات خلال اللقاءات الدورية التي تجمع بين الفريقين لمناقشة وتقويم القضايا الداخلية والخارجية، ففي بلد كالولايات المتحدة هناك حوالي تسعة آلاف مركز بحوث ودراسات متخصصة في بحث شؤون السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة والتربية، لا شك إنهم في الغرب يمارسون هذه الصناعة ويشجعونها، بل عندهم (بنوك) للأفكار، فالذي يقدم فكرة جديدة، تخزّن حتى تأخذ طريقها للتنفيذ، ونحن لم نمارس هذه الصناعة إلا في القليل (1).

 

ومن أثر ذلك أن (المرء الناظر للواقع الإسلامي يكاد يقطع بأن من الأسباب الرئيسية للتخلف الفكري والمنهجي الذي تمر به الأمة المسلمة على وجه العموم، والفئة المسلمة على وجه الخصوص، هو أننا جعلنا التفكير ورسم الخطط مهمة آحاد من الناس أما البقية فهم متفرجون، لا يتجاوز دورهم تكثير السواد، ولعل من أبرز مقومات النهوض بالأمة وإنجاح العمل الإسلامي أن تستحث الطاقات الكامنة الخاملة، إلى التفكير وفق الأسس والموازين الشرعية فلأن تفكر الأمة بمائة عقل خير لها وأنفع من أن تفكر بعقل واحد) (2).

 

الاشتقاق اللغوي للتفكر:

ذكر صاحب (اللسان) في مادة (فكر) قوله: "الفَكر والفِكر: إعمال الخاطر في الشيء... والفكرة: كالفكر، وقد فكر في الشيء وأفكر فيه وتفكر بمعنى. ورجل فكيِّر. أي: فسيق. وفكير: كثير الفكر. وقال الجوهري: التفكر: التأمل. والاسم: الفكر والفكرة. والمصدر الفَكر بالفتح" (3)، وقال في (مفردات القرآن): "الفكرة: قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم. والتفكر جولان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، ولا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب. ولهذا روي: "تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله؛ إذ كان الله منزهًا أن يوصف بصورة" (4). قال الله عز وجل: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم:8]. ورجل فكيِّر: كثير الفكرة، قال بعض الأدباء: مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني؛ وهو فرك الأمور وبحثها طلبًا للوصول إلى حقيقتها" (5).

 

 

(1) صناعة الفكر- مجلة البيان، العدد (28)، شوال 1410،مايو 1990.

(2) لم لا نفكر..؟! أحمد بن عبد الرحمن الصويان.

(3) قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل: (ص 10) نقلاً عن كتاب (أفلا تتفكرون) للشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل.

(4) مفتاح دار السعادة: (1/191) نقلاً عن المصدر السابق.

(5) المفردات للأصفهاني نقلاً عن المصدر السابق.