زينب وسر الثبات

أم يوسف صالح

كيف أثبت على الطاعات، وعدم فعل المعاصي والمنكرات، عندما آتي إلى هنا أستمع لدروسك ومحاضراتك ترتفع همتي، وتعلو روحي، ولكن بعد عدة أيام تفتر همتي وأفعل المعاصي، فكيف أثبت على الطاعات وعدم فعل المنكرات..

  • التصنيفات: الطريق إلى الله -

أتت إحدى التلميذات إلي معلمتها باكية، ودموعها تنهمر بغزارة ة، قالت وهي تضع يدها على فمها:
"كيف يا معلمتي كيف أثبت على الطاعات، وعدم فعل المعاصي والمنكرات، عندما آتي إلى هنا أستمع لدروسك ومحاضراتك ترتفع همتي، وتعلو روحي، ولكن بعد عدة أيام تفتر همتي وأفعل المعاصي، فكيف أثبت على الطاعات وعدم فعل المنكرات يا معلمتي؟!".

قالت لها المعلمة: "أتعلمين يا زينت ما هي الاستقامة على الدين، وكيف تكون؟".
قالت زينب: "نعم هي الثبات على الطاعات، أليس كذلك؟"
 

قالت المعلمة: "نعم، الاستقامة يا زينب هي الثبات على الدين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال للرجل السائل: "«قل آمنت بالله ثم استقم» (صحيح ابن حبان:942)، والاستقامة هي الثبات على دين الله تعالى، وعدم السير وراء كل ناعق، معناه لزوم الجادة وعدم الميل يميناً ولا شمالاً مع بنيات الطريق، والتزام ما استطاع الإنسان أن يقدر عليه من الطاعات، فأحب العبادة إلى الله أدومها، والإنسان المستقيم الذي يتذكر الله على كل أحيانه، يذكر الله في كل الأوقات إذا استفزه الشيطان إلى الوقوع في المعصية بادر إلى التوبة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:201]، إذا عرضت عليك يا زينب أية فتنة تذكري الله سبحانه وتعالى فأقلعي عنها، هذه هي الاستقامة وهي النعمة العظيمة التي ينبغي أن نسألها الله نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاستقامة".

قالت زينب متسائلة: "وكيف يا معلتمي أحافظ على نعمة الاستقامة؟".
قالت المعلمة: "إن الاستقامة يا زينب هي تكرمة من الله سبحانه وتعالى يكرم بها الذين ارتضى خدمتهم لدينه، والذين يوفقهم الله للطاعة قد اختارهم لعبادته الخاصة فهيأ جوارحهم للطاعة ومنعهم من المعصية وهيأهم لأن يكونوا من عباده الذين يعبدونه العبادة الخاصة، ولهذا على الإنسان أن يحرص على الاستقامة حرصاً شديداً، فقد أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود:112]، فلابد أن يحرص الإنسان على الاستقامة، وللاستقامة أسباب إذا أخبرتك إيّاها فهل تفعليها يا زينب؟".

زينب قائلة: "نعم سأفعلها، فقط أتعبتني كثرة الذنوب والهموم، وضيق الصدر، وتأنيب الضمير".
ابتسمت المعلمة مربتة على رأس تلميذتها وقالت: "فرج الله همك، وأعانك، وأنار طريقك بنور الهدى ثم أردفت قائلة: من أسباب الاستقامة يا زينب:
 

1- الدعاء فهو سبب للتوفيق، وهو يصطرع في السماء مع البلاء، ولا يردّ القدر إلا الدعاء، ولذلك على الإنسان أن يحرص على دعاء الله سبحانه وتعالى الاستقامة والتوفيق والثبات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر ذلك فكان يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (صحيح الترمذي:3522)، اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وكان هذا أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم، فلذلك لا بد أن يكثر هذا الدعاء على ألسنتنا أن نسأل الله الثبات على دينه، والأمر الثاني يا زينب: هو مراجعة الدافع العقدي، أن تتذكري لماذا ألتزم؟ ولماذا أخاف الله؟ ولماذا أعبده؟ فيكون ذلك دافعاً لك للتقرب إليه في كل أوقاته وكذلك منها.

والأمر الثالث يا زينب: أن تستعيني وتلازمي الرفقة الصالحة وحضور مجالس العلم لأنهم يأمرونك بالمعروف وينهونك عن المنكر، وقد قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]، والأمر الرابع: أن تخالفي هواك وأن لا تطيعي عدوك وهو الشيطان، فلا تفرطي نفسك لمن يريد بكِ الشر وأعيني على نفسك بالجهاد وفعل الخيرات.

والأمر الأخير يا زينب: هو أن تضعي نصب عينيك أن الإنسان له ساعة وسيقضي أجله ويموت: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49]، فإذا كنت يا زينب تعلمين أنه في كل لحظة يمكن أن يأتيك ملك الموت فاحرصي على أن لا تكوني على حال لا تحبين أن تموتي عليه، تذكري إذا دعتك الشهوة، أو دعاك إبليس إلى الوقوع في معصية أنك يمكن أن تموتِ الآن، وأن تكون هذه خاتمتك، فاحذري أن تموتِ على ذلك الحال، هل فهمت ما قلت لك يا زينب؟"، "نعم يا معلمتي فهمت، أسأل الله أن يوفقني لفعل الطاعات والخيرات".
أمنت المعلمة على دعائها واستأذنت منها وعادت إلى حصتها.