حصّة ترْبوية
أم يوسف صالح
العفة خلق إيماني رفيع، العفة صبر وجهاد واحتساب، العفة قوة وتحمل وإرادة، العفة صون للأسرة المسلمة من الأهواء والانحرافات والشذوذ، العفة دعوة إلى البعد عن سفاسف الأمور وخدش المروءة والحياء، العفة لذة وانتصار على النفس والشهوات..
- التصنيفات: الحث على الطاعات -
حضرت المعلمة زينب ذات التاسعة والعشرين ربيعًا للصف الثامن الإعدادي، مرتدية جلباب واسع فضفاض باللون الرصاصي الغامق، مع خمارها ذي اللون الأبيض الناصع الذي يصل لجيبها بهيبة ووقار، وضعت المعلمة الكتب جانبًا وأرادت أن تكون حصتها تربويّة أكثر منها تعليميّة، وقررت أن تكون الحصة عن موضوع هادف والذي يفتقر كثيرًا في سلوك بعض فتيات هذه الأيام..
فابتدرت الحصة بأطيب السلام وقالت بابتسامة حانية: "السلام عليكن ورحمة الله وبركاته، كيف حال أزاهيرنا اليوم؟"، أجابت الفتيات بالحمد والثناء لله تعالى على صحتهن ونعمه عليهن، سألت المعلمة زينب الفتيات سؤال تنافسي لتتفاعل الفتيات مع الحصّة بحيوية ونشاط قائلة: "من منكن تعرف الحديث الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العفاف؟"، فرفعن أغلبية الفتيات أصابعهن للإجابة بحماس، فالسؤال هيّن فاستبشرت المعلمة خيرًا، وأشارت إلى لجين أن تجيب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول اللهم إني أسْألك الْهدى والتقى والْعفاف والْغنى وفي رواية ثانية: والْعفة» (أخرجه الإمام مسلم).
أجابت المعلمة: "أن أحسنت يا لجين اجلسي، فجلست لجين مكانها، ورفعت المعلمة نظارتها عن عينيها لتسأل ومن تعرف منكن حديثًا غير الذي ذكرته لجين الآن عن العفاف؟"، رفعت حنان إصبعها بهدوء لتنتظر المعلمة أن تشير إليها فتجيب، فأشارت المعلمة زينب لحنان أن تفضلي، فقالت حنان بصوتها الرقيق: "عنْ زيْد بْن أرْقم قال كان رسول الله صلى الله عليْه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك منْ الْعجْز والْكسل والْهرم والْجبْن والْبخْل وعذاب الْقبْر اللهم آت نفْسي تقْواها وزكها أنْت خيْر منْ زكاها أنْت وليها وموْلاها اللهم إني أعوذ بك منْ قلْبٍ لا يخْشع ونفسٍ لا تشْبع وعلْمٍ لا ينْفع ودعْوةٍ لا يسْتجاب لها» قال فقال زيْد بْن أرْقم كان رسول الله صلى الله عليْه وسلم يعلمناهن ونحْن نعلمكموهن" (أخرجه الإمام أحمد)، ردت عليها المعلمة: "أن أحسنت يا حنان تفضلي مكانك".
قامت المعلمة من مكانها وبدأت تتحدث عن خلق العفاف بين صفوف الطالبات وقالت: "فتياتي العفة خلق إيماني رفيع، العفة صبر وجهاد واحتساب، العفة قوة وتحمل وإرادة، العفة صون للأسرة المسلمة من الأهواء والانحرافات والشذوذ، العفة دعوة إلى البعد عن سفاسف الأمور وخدش المروءة والحياء، العفة لذة وانتصار على النفس والشهوات، وتقوية لها على التمسك بالأفعال الجميلة والآداب النفسانية، العفة إقامة العفاف والنزاهة والطهارة في النفوس، وغرس الفضائل والمحاسن في المجتمعات، والعفة تأتي لتهذيب النفس وتزكيتها من أهوائها وشهواتها، لتتجلى فيها مظاهر الكرامة الإنسانية، وتبدو فيها الطهارة والنزاهة الإيمانية، نعم.. إن العفة هي طلب العفاف والكف عن المحرم الذي حرمه الله جلا وعلا والاكتفاء بما أحلّ سبحانه وتعالى وإن كان قليلاً، بعد أن حدثتكن عن العفة من تخبرني منكن: ما هي العفّة؟".
رفعت مجموعة من الفتيات أصابعن فأشارت المعلمة إلى فتاة جالسة آخر الصف وتدعى بحليمة وقالت:
"تفضلي يا حليمة اذكري ما عندك"، أجابت حليمة واثقة من نفسها خافضة صوتها: "أن العفة هي الكف عما لا يحل، وعف عن المحارم والأطماع الدنية والكف عن السؤال، ويقول الرسول صلى عليه وسلم: «ثلاثة لا ترى أعينهم النار: عين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله، وعين كفت عن محارم الله» ( رواه الطبراني )، ""أحسنت يا حليمة اجلسي مكانك يا جميلة".
وأكملت المعلمة كلامها عن العفاف قائلة: "أن للعفاف أنواع كثيرة منها: (عفة الجوارح، عفة الجسد، العفة عن أموال الغير، عفة المأكل والمشرب، عفة اللسان، التعفف عن سؤال الناس)، من منكن يا جميلات تذكر لي مثالاً عن كل أنواع العفاف الذي ذكرتهن لتوي؟".
عمّ الهدوء في الصف لمدة ثانيتين والمعلمة تجوب أنظارها لعل هناك فتاة سترفع إصبعها للإجابة عن سؤالها فأطرقت رأسها وما أن كادت تتكلم حتى قالت ياسمين: "أنا يا معلمتي هل يمكنني؟"، أجابت المعلمة تفضلي يا ياسمين متشوقة لإجابتك"، أجابت ياسمين وهي شبة مترددة أن لا تحسن في اجابتها، قائلة بصوت منخفض: "أما بالنسبة لعفة الجوارح: المسلم يعف يده ورجله وعينه وأذنه وفرجه عن الحرام، فلا تغلبه شهواته، {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33]، ومثال على عفة الجسد: المسلم يستر جسده، ويبتعد عن إظهار عوراته؛ فعلى المسلم أن يستر ما بين سرته إلى ركبتيه، وعلى المسلمة أن تلتزم بالحجاب، لأن شيمتها العفة والوقار، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]، ومثال على عفة اللسان: المسلم يعف لسانه عن السب والشتم، فلا يقول إلا طيبًا، ولا يتكلم إلا بخير، والله تعالى يصف المسلمين بقوله: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّب مِنَ الْقَوْل} [الحج:24]، هذا ما يحضرني معلمتي، أنا آسفة".
دُهشت المعلمة من إجابة ياسمين عن سؤالها مع الدليل، فقالت لفتيات الصف أن: "يصفقن لها احترامًا"، ففعلن ذلك بسرور كبير أما ياسمينتنا فقد توردت وجنتاها خجلاً وأشارت المعلمة لها أن أحسنت.