العفة والنزاهة

علي بن نايف الشحود

"لا تزال كريمًا على الناس ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك، وكرهوا حديثك، وأبغضوك".

  • التصنيفات: التصنيف العام - قصص الأمم السابقة - محاسن الأخلاق -

وعندما جاء صاحب يس المؤمن إلى مسرح الأحداث، وصف هؤلاء الدعاة بصفتين أو سمتين بارزتين، لا يختلف عليهما اثنان، وهما أخطر صفتين؛ لأنهما جاءتا على لسان الآخر، وكذلك لم ينكرهما أصحاب القرية، والتي جعلت الرجل المؤمن يبني على أساسهما أن هؤلاء الدعاة صادقون، وبعيدون عن مواطن الشبهات أو مواضع الاتهام، وكانتا من أقوى حججه أثناء حواره مع قومه المكذبين.

 

وأول هاتين الصفتين نلمحها من قوله: {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس:21]؛ أي اتبعوا هؤلاء الكرام الذين لم يتكسبوا بفكرتهم، ولم يطلبوا أجرًا نظير وعظهم، ولم يتعيشوا بدعوتهم.

ألا ترون من لا يسعى إلى مغنم، ولم يطمع في أجر، وتنزه عما بأيديكم؛ ألا يدل ذلك على صدقه؟! وهي السمة التي يتميز بها أصحاب الدعوات.

وتأمل كيف أنكر الحق سبحانه على مشركي مكة موقفهم من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لم يطلب أجرًا يثقل كاهلهم، فيدفعهم إلى التكذيب: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} [الطور:40].

وهو الرد نفسه من نوح عليه السلام على قومه المكذبين: {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى اللَّهِ} [هود:29].

وهو أيضًا الاستنكار نفسه من هود عليه السلام على موقف عاد: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ} [هود:51].

والترفع عما بأيدي الناس، أو العفة والنزاهة، هي سمة بارزة لكل طليعة مؤمنة، وهذه السمة هي سبيل الكرامة والاحترام، ومن مسوغات قبول الناس للفكرة، وسبب أساس لكسب حبهم، كما قال الحسن البصري رحمه الله: "لا تزال كريمًا على الناس ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفوا بك، وكرهوا حديثك، وأبغضوك".