صناعة البطالة
ملفات متنوعة
فلينم كل ظالم في مملكته عهوداً متوالية، وهو قرير العين، فما الذي
يقلق مضجعه ويؤرق ليله ويُذهِب نومه؟
- التصنيفات: قضايا الشباب -
للبطالة علاقة وثيقة بالأنظمة
المستبدة التي تعمد بصورة منهجية إلى إذلال الشعوب وتركيعها وكسر
كرامتها؛ وذلك من أجل تشتيت أذهانها وتبديد فكرها لقاء لقمة العيش
المضنية التي تلهيها عن المطالبة بحقوقها، وسلبها القدرة على التفكير
والتغيير؛ لكي تضمن هذه الأنظمة دوام بقائها في السلطة، وهذا يفسر إلى
حد كبير تلك المعادلة الصعبة التي لا يعرف الناس لها تفسيرًا؛ حيث لا
يسكن الجوع والفقر إلا في تلك الأوطان التي تنعم بالأرض الخصبة
والأنهار العديدة والثروات الوفيرة والخيرات المتنوعة، وفوق كل ذلك
اعتناقها لأفضل ديانات الأرض: الإسلام، هذا الدين الذي يهدي أتباعه
إلى مكارم الأخلاق، وطيب الطباع، وحسن المعاشرة، وصدق القول
والفعل.
لقد ارتفعت نسب البطالة في عالمنا العربي إلى أرقام فلكية لم تعرفها المنطقة من قبل، وقد طالت البطالة كل فئات المجتمع الجاهل والمثقف، الأمي والمتعلم، الرجل والمرأة، الشيب والشاب، المعوَّق والمعافى حتى الأغنياء طالتهم البطالة؛ حيث اكتفوا بالاستثمارات السريعة التي تحقق لهم ربحية عالية دون جهد أو عرق، فاتجهوا إلى الاستثمار في البورصات أو العقارات، وإلى الاستيراد دون الإنتاج، وهم جالسون في قصورهم وأبراجهم.
كذلك احتكار السلع والتحكم في أسعارها، وإنشاء القرى والمنتجعات السياحية، والمدارس الخاصة، ووسائل اللهو والترفيه، ولقد نهانا الإسلام عن ذلك، ووضع الضوابط والتعاليم التي تضمن للمجتمع تآلفه وترابطه وتماسكه، ولقد حثنا الإسلام على العمل، ورغَّبنا في الكسب الحلال، ودعانا إلى العمل فقال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة : 105]، وإلى الإتقان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» [رواه البيهقي في شعب الإيمان (4/1876)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1880)]، وإلى تكريم اليد التي تعمل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه يد يحبها الله ورسوله»، وإلى الأكل من كَدّ الجهد وعمل اليد فقال صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده» [رواه البخاري في صحيحه (2072)]، والنصوص في ذلك عديدة وكثيرة، لكن الأنظمة الفاسدة والمستبدة مثلما حرمتنا من الجهاد بالمال أو النفس، وجعلتنا نتفرج على العراقيين والفلسطينيين في نكبتهم حرمتنا أيضًا من العمل والحياة الكريمة، وجعلتنا ننتظر المعونات والصدقات من كل ملل الأرض.
إن البطالة هي الابن "البكر" للرفاهية، والرفاهية هي قبلة الرأسمالية التي هي حكر على طبقة دون أخرى، وكلما غاب العدل نشطت البطالة، وتعددت وجوه البائسين والمحتاجين والباحثين عن الرزق الحلال، وكثيرًا ما تعلق الأنظمة الفاسدة فشلها على شماعة الزيادة السكنية، والأسعار العالمية، والإنفاق على البنية التحتية التي لا تظهر ثمارها أبدًا فوق سطح الأرض.
وقد يعلم الكثيرون أن كثيرًا من موارد الدول العربية لا تخضع لأجهزة رقابية، ويصب أغلبها في يد الحاكم وحاشيته، المبالغ الطائلة تنفق على أمن النظام وحاشيته، ويكفي أن نعلم أن أجهزة الشرطة أصبحت تتسلح بأسلحة القوات المسلحة، ولها أجهزة أمن يفوق الملايين تعلف وتكرم لا لشيء إلا لضرب الشعوب وقهرها وتزييف إرادتها.
كذلك التوسع في بناء السجون والمعتقلات، على حساب بناء المساجد والمدارس والمصانع والمستشفيات في كثير من البلدان، وكل ذلك يصب في تمكين الطبقة الحاكمة وإحكام قبضتها على كل مقدرات الدولة، ومع كل ذلك تتعمد الأنظمة نشر ثقافة اللهو والفساد، وتشجيع الفن الهابط، وغض الطرف عن المخدرات والدعارة والإتاوات والرشاوى وكل أشكال الفساد، ثم إنها بعد كل ذلك تيسر الرذيلة ووسائل اللهو.
اليوم يحمل كل عاطل في يده تليفونًا محمولاً، وفي بيته دش، وفي جيبه ما يكفيه من مخدرات!
ثم يأتي بعد كل ذلك الإنفاق الحكومي المنفلت الذي لا يعرف الحكمة أو الرحمة ليقضي على البقية الباقية من موارد الدولة.
هل يُصدَّق أن مع كل تغيير وزاري يتم تغيير كل أثاث ولوازم الوزراء الجدد؟
لقد وصل الأمر لتغيير أدوات السباكة والديكورات، والمكاتب والسيارات، وكل مخلفات الوزير السابق، وكأن الوزير السابق كان "أجرب" يخشى العدوى منه!
هل يعقل أن لكل وزير جيشًا من المساعدين والمستشارين والسكرتارية والسائقين ورجال الأمن؟
لقد نشرت جريدة الجمهورية المصرية وهي جريدة حكومية وليست معارضة في عددها الأسبوعي بتاريخ الخميس 6/12/2007م أن لوزير المالية المصري 242 مستشارًا مرتب كل مستشار 45 ألف جنيه شهريًّا، ولكل مستشار سكرتيرة خاصة، يصل مرتب بعضهن إلى 22 ألف جنيه شهريًّا.
وإذا كان هذا حال وزير واحد فما بالنا بجيش من الوزراء العاطلين ممن ليس لديهم عمل حقيقي غير تنفيذ توجيهات الحاكم؟
وفي الفترة الأخيرة تعمد كثير من الأنظمة الحاكمة إلى زيادة نسب البطالة؛ وذلك بسن قوانين المعاش المبكر حيث يتم تسريح الآلاف من العاملين والموظفين وبيع المصانع والمزارع مثلما يحدث في بلدنا مصر (مديرية التحرير، الخطارة، الصالحية)، كذلك فعلت مع أفراد القوات المسلحة وقيادات الشرطة؛ تحسبًا لمنع تكوين خلايا رافضة للنظام كما يزعمون، فقاموا بتسريح الرُّتَب والقيادات أولاً بأول، وأبقوا على كل من يأمن النظام جانبه بغضّ النظر عن فوارق الخبرة والقدرة على العطاء.
لقد اتسعت الفجوة كثيرًا بين الفقراء والأثرياء، واندثرت الطبقة الوسطى التي تقوم على أكتافها النهضة والتنمية، وما نعيشه اليوم هو أفضل بكثير مما سنعيشه غدًا، وكل يوم سوف يأتي علينا سيكون أسوأ مما سبقه، فقد زادت المظالم وزاد عدد الجوعى والمرضى واليائسين والبائسين، وطلاب الحياة الحرة الكريمة.
لقد استأثرت الطغمة الحاكمة بكل نِعَم البلاد، وأخذت من الدين ما يحمي وجودها وضمت إليها جيشًا من الكاذبين والمضللين والمزيفين، من الشيوخ والدعاة والقضاة والإعلاميين وأساتذة الجامعات، فهذا يُبَرِّر، وذلك يُجَمِّل، والآخر يبارك وذاك يُضَلِّل، والسجون تعجّ بكل من يريد الإصلاح، والقوانين تتغير مع كل صباح من أجل إحكام القبضة على يد الجميع، ومجالس نيابية لا تمثل الشعب من قريب أو بعيد.
فرق كبير بين أنظمة تحمل هموم الوطن وترعى شئون مواطنيها، وأنظمة تعمد إلى قتل الأمل، والعمل على نشر الإحباط واليأس بين الناس.. الآن وبعد انتشار البطالة أصبح الناس يشترون الوظائف بالمال، ويُنْصَب عليهم دون الحصول على وظيفة أو الإبقاء على مال. يقول الأستاذ محسن فهمي رئيس تحرير التصوف الإسلامي: "في البلاد المتقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا، والتي يطلقون عليها النمور الآسيوية، نجحوا في أن يجمعوا هذه المبالغ في مشروعات صغيرة نابعة من مشروعات عملاقة تكلفهم بأعمال محددة وتشتري منهم كل الإنتاج، مما أحدث طفرة اجتماعية متميزة لكل المواطنين الذين يبحثون عن العمل الشريف الذي يخدم الوطن".
واليوم يجلس بعضنا أمام البعض، ويلوم كل منا الحكومة، والذي يلوم الحكومة في مسألة البطالة أو أي من غيرها شأنه شأن من يلوم الشيطان على اقتراف جرائمه.
الأولى باللوم والمحاسبة هي تلك النفوس الخربة التي تعيش في أجساد الشعوب الميتة، والتي لم يعد لها ذكر، فاكتفت بالصبر واللعن، وتناقل الأخبار، والبحث عن مقال هنا أو داعية هناك، أو محاضر أو مفكر يفسر لها الأوضاع التي لم تعد في حاجة إلى مزيد من التفسير أو التوضيح!
إن شعوبنا مريضة، وجرثومة مرضها تكمن فيمن تولوا أمرها سواء من الناحية السياسية أو من الناحية الدينية. ولقد عَلِمْنَا المرض، فكيف لا نبحث عن سبل العلاج؟
إن الحكام إلا من رحم الله أفراد انطبعت نفوسهم على الخيانة وحبّ الملذات، والرغبة في الخلود على المقاعد إلى ما لا نهاية، والركون إلى زينة الحياة الدنيا وزخارفها. العيب في الشعوب المستكينة، وليس في فراعينها المستبدون الذين لا يجدون من يقومهم..
يطيب للحكام المستبدين أن ينظروا لشعوبهم فيجدوها مستكينة وراضية بحياتها المرة ويجمل في أعينهم أن يستطلعوا أطوار شعوبهم فيجدوا سوادها يرقص ويلعب الكرة ويغني ويشرب الخمر ويعاقر النساء.
إن غاية الحُكَّام الفَسَقة في كل أرجاء الدنيا أن يجدوا شعوبًا على شاكلة شعوبنا.. شعوبًا تقتل الصبر خوفًا، وتتقن الطاعة أدبًا.. شعوب تبتكر في كل يوم أساليب جديدة تعينها على تحمل سفاهات الحاكم وحاشيته!
فلينم كل ظالم في مملكته عهوداً متوالية، وهو قرير العين، فما الذي يقلق مضجعه ويؤرق ليله ويُذهِب نومه؟
أما سبل العلاج فلها لقاءات أخرى بإذن الله.
محمود شنب
5/1/2008
لقد ارتفعت نسب البطالة في عالمنا العربي إلى أرقام فلكية لم تعرفها المنطقة من قبل، وقد طالت البطالة كل فئات المجتمع الجاهل والمثقف، الأمي والمتعلم، الرجل والمرأة، الشيب والشاب، المعوَّق والمعافى حتى الأغنياء طالتهم البطالة؛ حيث اكتفوا بالاستثمارات السريعة التي تحقق لهم ربحية عالية دون جهد أو عرق، فاتجهوا إلى الاستثمار في البورصات أو العقارات، وإلى الاستيراد دون الإنتاج، وهم جالسون في قصورهم وأبراجهم.
كذلك احتكار السلع والتحكم في أسعارها، وإنشاء القرى والمنتجعات السياحية، والمدارس الخاصة، ووسائل اللهو والترفيه، ولقد نهانا الإسلام عن ذلك، ووضع الضوابط والتعاليم التي تضمن للمجتمع تآلفه وترابطه وتماسكه، ولقد حثنا الإسلام على العمل، ورغَّبنا في الكسب الحلال، ودعانا إلى العمل فقال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة : 105]، وإلى الإتقان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» [رواه البيهقي في شعب الإيمان (4/1876)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1880)]، وإلى تكريم اليد التي تعمل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه يد يحبها الله ورسوله»، وإلى الأكل من كَدّ الجهد وعمل اليد فقال صلى الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده» [رواه البخاري في صحيحه (2072)]، والنصوص في ذلك عديدة وكثيرة، لكن الأنظمة الفاسدة والمستبدة مثلما حرمتنا من الجهاد بالمال أو النفس، وجعلتنا نتفرج على العراقيين والفلسطينيين في نكبتهم حرمتنا أيضًا من العمل والحياة الكريمة، وجعلتنا ننتظر المعونات والصدقات من كل ملل الأرض.
إن البطالة هي الابن "البكر" للرفاهية، والرفاهية هي قبلة الرأسمالية التي هي حكر على طبقة دون أخرى، وكلما غاب العدل نشطت البطالة، وتعددت وجوه البائسين والمحتاجين والباحثين عن الرزق الحلال، وكثيرًا ما تعلق الأنظمة الفاسدة فشلها على شماعة الزيادة السكنية، والأسعار العالمية، والإنفاق على البنية التحتية التي لا تظهر ثمارها أبدًا فوق سطح الأرض.
وقد يعلم الكثيرون أن كثيرًا من موارد الدول العربية لا تخضع لأجهزة رقابية، ويصب أغلبها في يد الحاكم وحاشيته، المبالغ الطائلة تنفق على أمن النظام وحاشيته، ويكفي أن نعلم أن أجهزة الشرطة أصبحت تتسلح بأسلحة القوات المسلحة، ولها أجهزة أمن يفوق الملايين تعلف وتكرم لا لشيء إلا لضرب الشعوب وقهرها وتزييف إرادتها.
كذلك التوسع في بناء السجون والمعتقلات، على حساب بناء المساجد والمدارس والمصانع والمستشفيات في كثير من البلدان، وكل ذلك يصب في تمكين الطبقة الحاكمة وإحكام قبضتها على كل مقدرات الدولة، ومع كل ذلك تتعمد الأنظمة نشر ثقافة اللهو والفساد، وتشجيع الفن الهابط، وغض الطرف عن المخدرات والدعارة والإتاوات والرشاوى وكل أشكال الفساد، ثم إنها بعد كل ذلك تيسر الرذيلة ووسائل اللهو.
اليوم يحمل كل عاطل في يده تليفونًا محمولاً، وفي بيته دش، وفي جيبه ما يكفيه من مخدرات!
ثم يأتي بعد كل ذلك الإنفاق الحكومي المنفلت الذي لا يعرف الحكمة أو الرحمة ليقضي على البقية الباقية من موارد الدولة.
هل يُصدَّق أن مع كل تغيير وزاري يتم تغيير كل أثاث ولوازم الوزراء الجدد؟
لقد وصل الأمر لتغيير أدوات السباكة والديكورات، والمكاتب والسيارات، وكل مخلفات الوزير السابق، وكأن الوزير السابق كان "أجرب" يخشى العدوى منه!
هل يعقل أن لكل وزير جيشًا من المساعدين والمستشارين والسكرتارية والسائقين ورجال الأمن؟
لقد نشرت جريدة الجمهورية المصرية وهي جريدة حكومية وليست معارضة في عددها الأسبوعي بتاريخ الخميس 6/12/2007م أن لوزير المالية المصري 242 مستشارًا مرتب كل مستشار 45 ألف جنيه شهريًّا، ولكل مستشار سكرتيرة خاصة، يصل مرتب بعضهن إلى 22 ألف جنيه شهريًّا.
وإذا كان هذا حال وزير واحد فما بالنا بجيش من الوزراء العاطلين ممن ليس لديهم عمل حقيقي غير تنفيذ توجيهات الحاكم؟
وفي الفترة الأخيرة تعمد كثير من الأنظمة الحاكمة إلى زيادة نسب البطالة؛ وذلك بسن قوانين المعاش المبكر حيث يتم تسريح الآلاف من العاملين والموظفين وبيع المصانع والمزارع مثلما يحدث في بلدنا مصر (مديرية التحرير، الخطارة، الصالحية)، كذلك فعلت مع أفراد القوات المسلحة وقيادات الشرطة؛ تحسبًا لمنع تكوين خلايا رافضة للنظام كما يزعمون، فقاموا بتسريح الرُّتَب والقيادات أولاً بأول، وأبقوا على كل من يأمن النظام جانبه بغضّ النظر عن فوارق الخبرة والقدرة على العطاء.
لقد اتسعت الفجوة كثيرًا بين الفقراء والأثرياء، واندثرت الطبقة الوسطى التي تقوم على أكتافها النهضة والتنمية، وما نعيشه اليوم هو أفضل بكثير مما سنعيشه غدًا، وكل يوم سوف يأتي علينا سيكون أسوأ مما سبقه، فقد زادت المظالم وزاد عدد الجوعى والمرضى واليائسين والبائسين، وطلاب الحياة الحرة الكريمة.
لقد استأثرت الطغمة الحاكمة بكل نِعَم البلاد، وأخذت من الدين ما يحمي وجودها وضمت إليها جيشًا من الكاذبين والمضللين والمزيفين، من الشيوخ والدعاة والقضاة والإعلاميين وأساتذة الجامعات، فهذا يُبَرِّر، وذلك يُجَمِّل، والآخر يبارك وذاك يُضَلِّل، والسجون تعجّ بكل من يريد الإصلاح، والقوانين تتغير مع كل صباح من أجل إحكام القبضة على يد الجميع، ومجالس نيابية لا تمثل الشعب من قريب أو بعيد.
فرق كبير بين أنظمة تحمل هموم الوطن وترعى شئون مواطنيها، وأنظمة تعمد إلى قتل الأمل، والعمل على نشر الإحباط واليأس بين الناس.. الآن وبعد انتشار البطالة أصبح الناس يشترون الوظائف بالمال، ويُنْصَب عليهم دون الحصول على وظيفة أو الإبقاء على مال. يقول الأستاذ محسن فهمي رئيس تحرير التصوف الإسلامي: "في البلاد المتقدمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا، والتي يطلقون عليها النمور الآسيوية، نجحوا في أن يجمعوا هذه المبالغ في مشروعات صغيرة نابعة من مشروعات عملاقة تكلفهم بأعمال محددة وتشتري منهم كل الإنتاج، مما أحدث طفرة اجتماعية متميزة لكل المواطنين الذين يبحثون عن العمل الشريف الذي يخدم الوطن".
واليوم يجلس بعضنا أمام البعض، ويلوم كل منا الحكومة، والذي يلوم الحكومة في مسألة البطالة أو أي من غيرها شأنه شأن من يلوم الشيطان على اقتراف جرائمه.
الأولى باللوم والمحاسبة هي تلك النفوس الخربة التي تعيش في أجساد الشعوب الميتة، والتي لم يعد لها ذكر، فاكتفت بالصبر واللعن، وتناقل الأخبار، والبحث عن مقال هنا أو داعية هناك، أو محاضر أو مفكر يفسر لها الأوضاع التي لم تعد في حاجة إلى مزيد من التفسير أو التوضيح!
إن شعوبنا مريضة، وجرثومة مرضها تكمن فيمن تولوا أمرها سواء من الناحية السياسية أو من الناحية الدينية. ولقد عَلِمْنَا المرض، فكيف لا نبحث عن سبل العلاج؟
إن الحكام إلا من رحم الله أفراد انطبعت نفوسهم على الخيانة وحبّ الملذات، والرغبة في الخلود على المقاعد إلى ما لا نهاية، والركون إلى زينة الحياة الدنيا وزخارفها. العيب في الشعوب المستكينة، وليس في فراعينها المستبدون الذين لا يجدون من يقومهم..
يطيب للحكام المستبدين أن ينظروا لشعوبهم فيجدوها مستكينة وراضية بحياتها المرة ويجمل في أعينهم أن يستطلعوا أطوار شعوبهم فيجدوا سوادها يرقص ويلعب الكرة ويغني ويشرب الخمر ويعاقر النساء.
إن غاية الحُكَّام الفَسَقة في كل أرجاء الدنيا أن يجدوا شعوبًا على شاكلة شعوبنا.. شعوبًا تقتل الصبر خوفًا، وتتقن الطاعة أدبًا.. شعوب تبتكر في كل يوم أساليب جديدة تعينها على تحمل سفاهات الحاكم وحاشيته!
فلينم كل ظالم في مملكته عهوداً متوالية، وهو قرير العين، فما الذي يقلق مضجعه ويؤرق ليله ويُذهِب نومه؟
أما سبل العلاج فلها لقاءات أخرى بإذن الله.
محمود شنب
5/1/2008
المصدر: لواء الشريعة