(1) مقدمة

محمد بن عبد الرحمن العريفي

وقفات وتأملات في أحوال الخاشعين والخاشعات، نؤَمِّن فيها على الدعوات، ونمسح الدمعات، ونذكر الصلوات، نقف على مآذن المساجد، فها هي دموع المآذن تسيل في البكور والأصيل.. عجبًا هل تبكي المآذن؟! نعم تبكي المآذن، وتئن المحاريب، وتنوح المساجد..

  • التصنيفات: التصنيف العام - فقه الصلاة -

الحمد لله الذي خلق خلقه أطوارًا، وصرفهم كيف شاء عزةً واقتدارًا..
وأرسل الرسل إلى الناس إعذارًا منه وإنذارًا، فأتم بهم نعمته السابغة، وأقام بهم حجته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، فسبحان من أفاض على عباده النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، أحمده والتوفيق للحمد من نعمه، وأشكره على مزيد فضله وكرمه..

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وبها أمر الله سبحانه جميع العباد..

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعالمين، أرسله بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وأمده بملائكته المقربين، وأيده بنصره وبالمؤمنين، وأنزل عليه كتابه المبين، أفضل من صلى وصام، وتعبد لربه وقام، ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام.

أما بعد:
فهذه وقفات وتأملات في أحوال الخاشعين والخاشعات، نؤَمِّن فيها على الدعوات، ونمسح الدمعات، ونذكر الصلوات، نقف على مآذن المساجد، فها هي دموع المآذن تسيل في البكور والأصيل.. 
عجبًا هل تبكي المآذن؟! نعم تبكي المآذن، وتئن المحاريب، وتنوح المساجد..

بل تبكي الأرض والسموات، وتنهد الجبال الراسيات، إذا غاب الصالحون والصالحات..
تبكي، إذا فقدت صلاة المصلين، وخشوع الخاشعين، وبكاء الباكين..
تبكي، لفقد عمارها بالأذكار، وتعظيم الواحد القهار..
فمن يمسح دمعها، ومن يرفع حزنها؟

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ . رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36-38].

إنها الصَّلاةُ، قرَّةُ عيونِ الموَحِّدين، ولذَّةُ أرواح المحبين.
الصلاة بستان العابدين، وثمرة الخاشعين.
فهيَ بستَانُ قلوبهم، ولذَّةُ نفوسهم، ورياضُ جوارحهم.
فيها يتقلبون في النعيم، ويتقربون إلى الحليم الكريم.
عبادة، عظَّم الله أمرها، وشرَّف أهلها.

وهي آخر ما أوصى به النبي عليه السلام، وآخر ما يذهب من الإسلام، وأول ما يسأل عنه العبد بين يدي الملك العلام..

--------------------------------

من كتاب: (دموع المآذن) للشيخ محمد بن عبد الرحمن العريفي