نماذج في فِطْنَة الأنبياء والمرسلين

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -

نماذج في فِطْنَة الأنبياء والمرسلين


- قال ابن عبَّاس: "لما شبَّ إسماعيل، تزوَّج امرأة من جُرْهم، فجاء إبراهيم فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته، فقالت: خرج يبتغي لنا. ثمَّ سألها عن عَيْشهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، في ضيق وشدَّ، وشكت إليه. فقال: فإذا جاء زوجك فاقرئي -عليه السَّلام- وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء فأخبرته، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك" (رواه البخاري بنحوه: [3364]).


- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذِّئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنَّما ذهب بابنك أنت. وقالت الأخرى: إنَّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السَّلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسِّكِّين أشقُّه بينكما. فقالت الصُّغرى: لا، يرحمك الله هو ابنها. فقضى به للصُّغرى» (رواه البخاري: [6769]، ومسلم: [1720]).
قال ابن الجوزي: "أمَّا داود عليه السَّلام فرأى استواءهما في اليد، فقدم الكبرى لأجل السِّنِّ، وأما سليمان عليه السَّلام فرأى الأمر محتملًا، فاستنبط، فأَحْسَن، فكان أَحَدَّ فِطْنَةً من داود، وكلاهما حَكَم بالاجتهاد، لأنَّه لو كان داود حكم بالنَّص، لم يسع سليمان أن يحكم بخلافه، ولو كان ما حَكَم به نصًّا، لم يَخْفَ على داود.
وهذا الحديث يدل على أنَّ الفِطْنَة والفهم موهبة لا بمقدار السِّنِّ" (كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي: [3/510]).

 

نماذج في فِطْنَة النَّبي صلى الله عليه وسلم الفِطْرِيَّة


- عن علي رضي الله عنه قال: "لما قدمنا المدينة، أصبنا من ثمارها فاجتَوَيناها، وأصابنا بها وَعْكٌ، وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يتخبَّر عن بدر، فلمَّا بلغنا أنَّ المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر -وبدر بئر-، فسبقنا المشركون إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم؛ رجلًا من قريش، ومولى لعقبة بن أبي مُعَيط، فأمَّا القرشي: فانفلت، وأمَّا مولى عقبة: فأخذناه، فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم، فجعل المسلمون -إذ قال ذلك- يضربوه حتى انتهوا به إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: «كم القوم؟» قال: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم. فجهد النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره: «كم هم؟» فأبَى، ثمَّ إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم سأله:  «كم ينحرون من الجُزر؟» فقال: عشرًا كلَّ يوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القوم ألف، كلُّ جَزُور لمائة وتبعها» (رواه أحمد) .


- أنَّ علقمة بن وائل حدَّثه؛ أنَّ أباه حدَّثه، قال: "إنِّي لقاعد مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل يقود آخر بِنِسْعَةٍ، فقال: يا رسول الله، هذا قتل أخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقتلته؟» فقال: إنَّه لو لم يعترف أقمت عليه البيِّنة. قال: نعم. قتلته. قال: «كيف قتلته؟» قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة، فسبَّني فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه فقتلته. فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك من شيء تؤدِّيه عن نفسك؟» قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي. قال: «فترى قومك يشترونك؟» قال: أنا أهون على قومي من ذاك. فرمى إليه بِنِسْعَةٍ. وقال: «دونك صاحبك». فانطلق به الرَّجل. فلما ولَّى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنْ قتله فهو مثله». فرجع فقال: يا رسول الله، إنَّه بلغني أنَّك قلت: إنْ قتله فهو مثله. وأخذته بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك». قال: يا نبي الله، -لعلَّه قال- بلى. قال: «فإنَّ ذاك كذاك». قال: فرمى بنِسْعَته، وخلَّى سبيله" (رواه مسلم : [1680]).


قال ابن قتيبة: "لم يُرِد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه مثله في المأثم، واستيجاب النَّار إن قتله، وكيف يريد هذا وقد أباح الله عزَّ وجلَّ قتله بالقصاص، ولكن كَرِه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتصَّ، وأحبَّ له العفو، فعرَّض تعريضًا أوهمه به أنَّه إن قتله كان مثله في الإثم، ليعفو عنه، وكان مراده: أنَّه يقتل نفسًا كما قتل الأوَّل نفسًا، فهذا قاتل وهذا قاتل، فقد استويا في قاتل وقاتل، إلَّا أنَّ الأوَّل ظالم، والآخر مُقْتَصٌّ" (الأذكياء لابن الجوزي ص: [22]).