طفلك فوضوي..! إليك الحل

خالد سعد النجار

مع رغبة الأهل بأن ينموا أولادهم ويكبروا بشكلٍ جيد، ومع بدء تحقيق هذه الأمنية، تكثُر الصعاب، وتزداد سلوكيات الأطفال نشاطًا وإزعاجًا.. ولا شك أن الأبوين هما الوعاء الأكبر الذي عليه استيعاب كل ذلك، واحتضان ما يعتمل بداخل أبنائهم من أفكار وأسرار، وما يعتريهم من تغيراتٍ سلوكية تكون مزعجة في كثير من الأحيان..

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - تربية الأبناء في الإسلام -

بسم الله الرحمن الرحيم

مع رغبة الأهل بأن ينموا أولادهم ويكبروا بشكلٍ جيد، ومع بدء تحقيق هذه الأمنية، تكثُر الصعاب، وتزداد سلوكيات الأطفال نشاطًا وإزعاجًا.. ولا شك أن الأبوين هما الوعاء الأكبر الذي عليه استيعاب كل ذلك، واحتضان ما يعتمل بداخل أبنائهم من أفكار وأسرار، وما يعتريهم من تغيراتٍ سلوكية تكون مزعجة في كثير من الأحيان.. ومع تفهُّم طبيعة الطفل، وسِمات كل مرحلة عمرية يمرُّ بها، يمكن أن نتفاعل بإيجابية مع كل النصائح التي يُقدِمها لنا التربويون، لنخرج للمجتمع بطفلٍ سوي يجيد لغة البناء لا لغة الهدم.

منارات عملية

• تذكر نصيحة مضيفي الطيران قبل الإقلاع والتي يُنبِّهونك فيها إلى ضرورة وضع قناع أوكسجين في حالة حدوث أي طارئ.. قبل أن تساعد طفلك على وضعه، من الأهم أن يكون التعامل مع عواطفنا محط أنظارنا أولًا، فكل ما عليك فعله هو الانتباه قبل كل شيء إلى نفسك..

ويقول د. وولف: "قد لا يكون غضبك في حدِّ ذاته هو المشكلة، وتكون المشكلة الأهم هي كيفية تعاملك مع غضبك هذا، أن تُقسِم بألَّا تغضب أبدًا قد يكون شيئًا مستحيلًا، وسيجعلك تشعر باستياء كبير، إضافةً إلى أن الأطفال يشعرون بانزعاجك.. حتى وإن حاولت أن تُخفي هذا الأمر عنهم، كل ما عليك أن تفعله هو أن تحِدَّ من غضبك..

فإذا ما ترعرعت وسط عائلة صاخبة، كل من فيها يصرخ، فقد يُصبِح ضبط الطريقة التي قد تعبر فيها عن مشاعرك أمراً شديد الصعوبة.. عليك أن تُغيِّر الطريقة التي تُعبِّر بها عن غضبك من سلوكيات طفلك الفوضوي، فبإمكانك أن تُعبِّر عن غضبك دون أن تقول له أية كلمة تجرحه.. هدئ أعصابك، فذلك سيساعدك -بدون أدنى شك- على التعامل بطريقة جيدة مع الموقف، بالإضافة إلى أنه سيمنح طفلك فرصة لفهم ما تقوله.. تذكَّر "إذا ما صرخت في وجه طفلك، فقد يُقوِّض الصراخ من عملية تعليم الطفل نفسه، فكل ما سيُركِّز عليه هو غضبك وطريقة تعبيرك عنه، وسينسى الخطأ الذي ارتكبه".

• نؤكِّد على كِلا الوالدين.. أن يتفقا على نفس النظام والقوانين، فلا يجوز أن تتسامح الأم في موضوع مُعيِّن ثم يأتي الأب ويناقضها كليًا في الموضوع نفسه!

إن الأبوين اللذين يُشكِّلان جبهة مُوحَّدة فيما يخص الانضباط هما اللذان يحققان أفضل النتائج التربوية.. تبادل أنت وزوجتك الأفكار والمشاعر حول كيفية التصدي للسلوك السيئ.. إن النظام الأمثل هو أن ندع كِلا من الطرفين -سواءً الأب أو الأم- المتواجد مع الطفل عند إساءة السلوك بمعالجة الأمر كما يتراءى له..

فعهد "انتظر حتى يعود والدك" يجب أن يكون قد انقضى منذ زمنٍ بعيد؛ لأن مثل هذه العبارات تصور الأب على أنه "الرجل الشرير"، بالإضافة إلى أن هذا التهديد يخلق نوعًا من القلق غير المبرَّر لدى الطفل الذي كان يمكن من الأفضل أن ترد عليه الأم بشكلٍ فوري قائلة: "قلت لك ألا تضرب أخاك ولكنك ضربته ثانية، تعال واجلس معي واتركه يلعب لوحده في سلام".

• لا تخضع قوانين وروتين الأسرة للحالة المزاجية للوالدين، فلا يجوز أن يتم التغاضي عن إلتزام الأبناء بالنظام حينما يكونان "أحدهما أو كلاهما" في حالة مزاجية طيبة، أو يتشدَّدان في تنفيذ الأوامر مع أبنائهما إذا كانا في حالة سيئة!

إن الشعار الدائم الذي يجب أن يتبعه أولياء الأمور هو "الاستمرارية والثبات"، فالأطفال يُفكِّرون دائمًا بصورة منطقية، وهو ما يجعلهم يعتقدون بأنه إذا لم يكن الأب والأم يُطبِّقان قوانينهما بصورة مستمرة فهذا يعني بأنهما لم يكونا جادين فيما قالاه.

• تعاملا معه بصداقة، واحترما مشاعره ولا تستفزاه، بل تعاملا معه بهدوء وتسامح إلى حدٍ كبير -طبعًا في حدود المعقول-، وساويا بينه وبين إخوانه في النظرة والحنان وطريقة التعامل؛ فقد يكون كل ما يقوم به بدافع الغيرة من إخوته، والاهتمام بهم أكثر منه؛ لأنهم أكثر هدوءًا وذكاء ونظافة… إلخ، وتوقفا عن مقارنته بأحد.

• لا بد من تكرار متابعتنا للطفل، فهو يحتاج إلى التنبيه والتكرار عليه مراتٍ عديدة لكي يفهم ويُدرِك ويتعوَّد، فهذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يُدرِك مبدأ التكرار مع الأطفال، فقال في معرض توجيهه لسلوك الآباء نحو أبنائهم: "عَوِّدُوهم الخير فإن الخير عادة".

• اربط العمل بالمتعة ليُصبِح وقعه على النفس أفضل، وهذا ينطبِق على الترتيب والنظام، فإذا ما شعر الطفل بأهميته وبأنه عمل ممتع، فإنه يتبناه أيضًا، فاحرص دائمًا على أن يراك الطفل وأنت مستمتع بترتيب أوراقك في غرفتك، لكن اعلم أن ما قد يبدو لك غير منظم، قد يعتبِره الطفل منظمًا ومرتبًا، فلا تنتقده دائمًا حتى لا تُفقِده ثِقته بنفسه، بل شجِّعه وعلِّمه، وأشعِره بالفخر بما يقوم به، فهو كلما تقدَّم في العمر تمكَّن من هذه المهارة.

• حاول أن تجعل ابنك يُحِسُّ ويتحمَّل مسؤولية الخطأ الذي قام به، بعد أن تتحدَّث إليه وتُخبِره عن سبب غضبك، واشرح له السبب الذي جعلك تطلب إليه شيئًا معينًا، والعواقب الحقيقية التي قد تنجُم عن أي فعل يقوم به، بدلًا من أن تُخبِره عن الطريقة التي ستُعاقبه بها.. أفهمه -مثلًا- بأنك لن تتمكن من إزالة آثار القلم...

وكلما قلَّ عمر طفلك قلَّت معه الكلمات التي يتعيَّن عليك استخدامها لتوضح له الأمر.. اِنزل لمستوى طفلك واَنظر إلى عينيه، ويجب أن يستمع إلى الخطأ الذي قام به، وما كان يتعيَّن عليه فعله لإصلاح خطئه، كأن تقول: "ما كان عليك أن تكتب على الحائط، كان بإمكانك أن تأخذ ورقة إذا أردت الكتابة"، أو "ما كان يجب أن تأكلي قطعة الحلوى، فسَيحين موعد العشاء بعد قليل، وانسي الأمر بعد ذلك"...

• وجَّه الطفل بعد قيامه بالسلوك الفوضوي مباشرة إلى ممارسة السلوك الصحيح المناسب، فإذا كان هذا السلوك متمثلًا بالتحدُّث دون استئذان، فالسلوك الذي ينبغي على الطفل تعلُّمه هو التحدث بطريقة مناسبة... وهكذا.

استخدام طريقة الباب مفتوح أو مُغلق:

يمكن استخدام هذه الطريقة مع طفل واحد أو أكثر يشتركون في غرفة نوم واحدة، حيث يتم تفحص الغرفة في وقتٍ متفقٍ عليه مع الأطفال، فإذا كان وضعها مُرضيًا، أبقيت الباب مفتوحًا، أما إذا لم يكن مُرضيًا، قمت بإغلاق الباب، والباب المُغلق يعني أن الغرفة بحاجةٍ لترتيب وعدم السماح للطفل بالخروج للعب إلا إذا كان الباب مفتوحًا..

إنها طريقة عملية يمكن استخدامها مع الأطفال.. إذا كان الباب مُغلقًا فعلى الأطفال تنظيف الغرفة قبل خروجهم للعب أو مشاهدة التلفزيون أو ما إلى ذلك.. وهذا النوع من الترتيب يؤدي إلى تجنب النقد اللفظي من قِبل الأبوان والجدال الدفاعي من قِبل الطفل.

• عوِّديه -أيتها الأم الفاضلة- على النظام مرّة تلو الأُخرى، وساعديه في تعليق ثيابه التي ألقاها في زوايا الغرفة.. قولي له: "سأُعلِّق لك ثيابك هذه المرّة، وساعدني في ذلك". وفي المرّات اللاحقة تستطيعين أن تشجِّعي طفلكِ على الترتيب مستفيدة من التجربة السابقة: "هيا يا بطل.. أنت تستطيع أن ترتِّب غرفتك كما فعلت المرّة الماضية بنجاح".

• ترتيب خزانة الطفل يُعتبَر من الأمور التي إن تمَّت، فسوف تُوفِّر عليك عزيزتي الأم وعلى الطفل الكثير من الوقت، ومن أجل هذا قومي بترتيب دوري للخزانة بمصاحبة الطفل.. اسأليه أثناء الترتيب عن طريقة الترتيب التي يرغب في أن تكون عليها خزانته.. ابدئي بنظرة فاحصة للخزانة، فإذا كانت مفتوحة فأخرجي منها الأشياء التي تحجب رؤيتكِ لقاع الخزانة.. تخلصي من الأشياء أو الملابس أو الألعاب غير المستعملة، بالتبرع بها للجهات الخيرية.. شجعي ابنكِ على فعل هذا؛ لتُعلِّميه حب العطاء إلى جانب الترتيب، ثم تأتي المرحلة التي تقرِّران فيها معًا ما هي الأشياء التي يجب أن تُعلَّق؟ وهل تُعلَّق على الأرفف أم تُوضع في السلة داخل الخزانة؟

• استخدم العلب والألوان.. هناك علاقة بين الألوان والترتيب، فالعلب والسلال الملونة، تُسهِّل عمليتي التصنيف والترتيب للأم والطفل، بل تعطي روحًا طفوليةً للغرفة، لذا يمكن الاستعانة بالسلال الملونة الجاهزة، هذا بالإضافة إلى إمكانية تلوينها في المنزل، وذلك عن طريق رشِّها بالصبغ، ولكن تأكدي من خلوها من مادة الرصاص السامة.

• أحيانًا يمكن ترك الطفل ليكتشف بنفسه مساوئ عدم تطبيق النظام؛ ليفهم من ذلك أهمية تطبيقه، فمثلًا إذا كنت تعاني من أن أطفالك لا يُعيدون الأشياء إلى مكانها؛ فدعهم يبحثون عنها بأنفسهم، وأعلِمهم أن هذا الوقت الذي يضيع في البحث سيقتطع من وقت لعبهم وليس من وقت دراستهم.

• اكتساب مهارة التنظيم في كل الأعمال، فالنظام لا يعني فقط غرفة مرتبة، وخزانة نظيفة، ولكنه يعني أيضًا: التفكير بنظام، والاستفادة من الوقت بنظام، وكل هذا يكتسبه الطفل بالممارسة، والصبر من قِبل الوالدين، فالطفل منذ ولادته في حاجة إلى أن نُعلِّمه النظام، فهناك نظام غذائي يُتبع لإطعامه، وهناك نظام لنومه، ونظام لأداء واجبه.


 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام