الحياء.. وأقسامه العشرة
أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيي منه. وعمارة القلب بالهيبة والحياء؛ فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير.
- التصنيفات: محاسن الأخلاق -
قال رَسول اللهِ صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: «
».ومن كلام بعض الحكماء: أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيي منه. وعمارة القلب بالهيبة والحياء؛ فإذا ذهبا من القلب لم يبق فيه خير.
وقال ذو النون: الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة ما سبق منك إلى ربك، والحب ينطق والحياء يسكت والخوف يقلق.
وقال السري: إن الحياء والأنس يطرقان القلب فإن وجدا فيه الزهد والورع وإلا رحلا.
وقال الفضيل بن عياض: خمس من علامات الشقوة: القسوة في القلب وجمود العين وقلة الحياء والرغبة في الدنيا وطول الأمل.
أقسام الحياء العشرة:
حياء جناية، وحياء تقصير، وحياء إجلال، وحياء كرم، وحياء حشمة، وحياء استصغار للنفس واحتقار لها، وحياء محبة، وحياء عبودية، وحياء شرف وعزة، وحياء المستحيي من نفسه.
- حياء الجناية: فمنه حياء آدم عليه السلام لما فر هاربًا في الجنة، فقال الله تعالى: أفرارًا مني يا آدم؟ قال: لا يا رب بل حياءً منك.
- حياء التقصير: كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك.
- حياء الإجلال: هو حياء المعرفة وعلى حسب معرفة العبد بربه يكون حياؤه منه.
- حياء الكرم: كحياء النبي من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب وطولوا الجلوس عنده فقام واستحيى أن يقول لهم: انصرفوا.
- وحياء الحشمة: كحياء علي بن طالب رضي الله عنه أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي لمكان ابنته منه.
- وحياء الاستحقار واستصغار النفس: كحياء العبد من ربه عز وجل حين يسأله حوائجه احتقار الشأن نفسه واستصغارًا لها. وقد يكون لهذا النوع سببان أحدهما: استحقار السائل نفسه واستعظام ذنوبه وخطاياه، والثاني: استعظام مسؤوله.
- حياء المحبة: فهو حياء المحب من محبوبه حتى إنه إذا خطر على قلبه في غيبته هاج الحياء من قلبه وأحس به في وجهه ولا يدرى ما سببه، وكذلك يعرض للمحب عند ملاقاته محبوبه ومناجاته له روعة شديدة ومنه قولهم: جمال رائع. وسبب هذا الحياء والروعة مما لا يعرفه أكثر الناس -ولا ريب- أن للمحبة سلطانًا قاهرًا للقلب أعظم من سلطان من يقهر البدن فأين من يقهر قلبك وروحك إلى من يقهر بدنك، ولذلك تعجبت الملوك والجبابرة من قهرهم للخلق وقهر المحبوب لهم وذلهم له فإذا فاجأ المحبوب محبه ورآه بغتة: أحس القلب بهجوم سلطانه عليه فاعتراه روعة وخوف.
وسألنا يومًا شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه عن هذه المسألة فذكرت أنا هذا الجواب فتبسم ولم يقل شيئًا. وأما الحياء الذي يعتريه منه وإن كان قادرًا عليه كأمته وزوجته فسببه -والله أعلم- أن هذا السلطان لما زال خوفه عن القلب بقيت هيبته واحتشامه فتولد منها الحياء. وأما حصول ذلك له في غيبة المحبوب: فظاهر لاستيلائه على قلبه فوهمه يغالطه عليه ويكابره حتى كأنه معه.
- حياء العبودية: فهو حياء ممتزج من محبة وخوف ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده وأن قدره أعلى وأجل منها فعبوديته له توجب استحياءه منه لا محالة.
- حياء الشرف والعزة: فحياء النفس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء وإحسان؛ فإنه يستحي مع بذله حياء شرف نفس وعزة. وهذا له سببان أحدهما: هذا والثاني: استحياؤه من الآخذ حتى كأنه هو الآخذ السائل؛ حتى إن بعض أهل الكرم لا تطاوعه نفسه بمواجهته لمن يعطيه حياء منه، وهذا يدخل في حياء التلوم لأنه يستحيي من خجلة الآخذ.
- حياء المرء من نفسه: فهو حياء النفوس الشريفة العزيزة الرفيعة من رضاها لنفسها بالنقص وقناعتها بالدون فيجد نفسه مستحيًا من نفسه حتى كأن له نفسين يستحيي بإحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون من الحياء فإن العبد إذا استحيى من نفسه فهو بأن يستحيي من غيره أجدر.
من كتاب (مدارج السالكين) لابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى.