العقيدة والتفكير؛ بين التوافق والتعارض

أحمد كمال قاسم

إن العقيدة تُسْتَنْبَط بشكلٍ غير مباشر من دائرة المعقولات عن طريق تصديق موثوق به ثقة تامَّة منتمي إلى دائرة المحسوسات أو المعقولات. ومن أمثلة الموثوق به ثقة تامة في دائرة المعقولات،بل هو الوحيد فيها، هو الله سبحانه وتعالى...

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية - الإعجاز العلمي -

دوائر المعرفة؛ توجد ثلاثة دوائر للمعرفة:

أ- أصغر دوائر المعرفة هي دائرة المحسوسات، وهذه الدائرة يشترك فيها الإنسان مع غيره من الكائنات التي تتمتع بحواس. والمحصور في دائرة المحسوسات لا يُصدِّق إلا ماهو موجود بها أي إلا ما يُحسّه بحواسه فقط لا غير. وإذا انحصر الإنسان في هذه الدائرة فهو كالأنعام لأنه لا يدرك ما هو ليس محسوسًا بل هو أضل من الأنعام لأنه يمتلك العقل ولكن لا يستخدمه في هذه الوظيفة.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

ب- دائرة أكبر وتحوي دائرة المحسوسات تُسمَّى دائرة المعقولات.. وهذه الدائرة لا يتم معرفة ما هو داخلها وخارج دائرة المحسوسات بشكلٍ مباشر عن طريق الحواس الخمس ولكن العقل يستنبط حقائقها بشكلٍ غير مباشر من دائرة المحسوسات.

مثال من الكون: نعطي مثالًا وهو قضية "وجود الإلكترون".. بالرغم من أنه لم ير أحد قط ولن يرى الإلكترون لكن وجوده حتميٌ بالعقل؛ وذلك لأنه من المشاهدات التجريبية والتأثيرات التي يُحدِثها، نستطيع أن نسنتج وجوده بل وخصائصه بالرغم من عدم رؤيتنا له.

مثال من الغيبيات: ومن هذه الدائرة وجود الله عز وجل؛ لأنه لا يُوجد كون دون خالق، ولا تُوجد قوانين كونية دون مُؤلِّفٌ وصائغٌ لها.

كتاب الله وسنة رسوله من دائرة المعقولات:

ويتتبع وجود الله عز وجل وخلقه للكون وللحياة وجود ما يُرشِد الإنسان على الدليل.. الذي يجب أن يهتدي به حتى لا يتخبط في سيره حيث أنه حُرُّ الإرادة، وليس كالجماد مجبول على الطاعة. فيجب عقلًا أن يُنزل هذا الإله الحكيم ما يُرشِد مخلوقه العاقل إلى الطريق القويم، ويجعل من رسله من يُفسِّر هذا الإرشاد ويُطبِّقه تطبيقًا عمليًا ليكون قدوةً للناس جميعًا. ولذلك فمن هذه الدائرة أيضًا وجود كتاب مُنزَّلٌ من لدن الله فيه هداية البشرية للعمل بما يريده الله تعالى منهم في هذه الحياة ووجود رسول من لدنه يُبلِّغ رسالته ويُفسِّرها ويُطبِّقها.

الإيمان بصحة نسب كتاب الله إليه من دائرة المعقولات:

الحكم على كتاب "يُقال" بأنه من لدن الله أنه كذلك أم لا.. وذلك بمقارنته بكتب البشر من حيث المُحتوى والأسلوب والحكم على خُلُّوه من التناقضات الداخلية والخارجية هو من دائرة المعقولات.

الإيمان بصحة نسب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه من دائرة المعقولات:

الحكم على أقوال وأفعال "يُقال" بأنها من أقوالِ وأفعالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ التي أمره الله تعالى أن يقولها أو يفعلها، أنها كذلك أم لا وذلك عن طريق علم الحديث هو من دائرة المعقولات.

ج- دائرة المُصدقات.

ويقع في هذه الدائرة كل ما لا يمكن استنتاجه بالعقل مباشرةً ولا يمكن الإحساس به.. ولا تتكون هذه الدائرة إلا من خلال الثقة المطلقة في الله عز وجل الذي عرفناه من دائرة المعقولات، والثقة في صدقه حيث أنه لا يحتاج إلى الكذب سبحانه وتعالى عن هذا علوًا كبيرًا. فلو آمنَّا بالله إلهًا وربًا وآمنَّا بالقرآن كتاب الله الذي لم ينله التحريف إيمانًا مبنيًا على العقل، فإنه من السهل علينا بعد ذلك تصديق أي معلومة في القرآن حتى لو كانت غير مألوفة.

العقيدة:

العقيدة هو كل معلومة يقينية بحيث تكون كالعقدة التي عقدت في ذهن الإنسان. والعقيدة في رأيي تنطبِق أكثر على دائرتي المعقولات والمصدقات أكثر من انطباقها على دائرة المحسوسات، وذلك أن الإحساس قد يتطرَّق إليه إيهام بشكلٍ جزئي وليس عام ولذلك فإن المعقولات ينبغي بناؤها على ما ثبت وتكرَّر وتواتر من المحسوسات وحينئذ تكون اليقينيات العقلية ومن ثم المُصَدقات المبنية عليها أكثر يقينية من المحسوسات.

العقيدة والتفكير:

إن العقيدة تُسْتَنْبَط بشكلٍ غير مباشر من دائرة المعقولات عن طريق تصديق موثوق به ثقة تامَّة منتمي إلى دائرة المحسوسات أو المعقولات. ومن أمثلة الموثوق به ثقة تامة في دائرة المعقولات، بل هو الوحيد فيها، هو الله سبحانه وتعالى.

وينبني على هذه الثقة بعد ذلك تصديق ما جاء إلينا عن طريق الوحي -الذي حكمنا على صحة انتسابه لله عز وجل بالعقل)- تصديقًا وتسليمًا بصحته ومثال ذلك وجود الملائكة وأيضًا الجنة والنار كتمثيل فعلي للثواب والعقاب -اللذان يُعدان من دائرة المعقولات-، وهذا دون إعمال العقل مرةً أخرى إلا فيما يتعلَّق بتحويل نصوص العقيدة إلى عقيدة فعلية مرتبطة بكيان كل المسلم.

التفكير يكون في الشريعة والتفكر في آيات الله:

بتفسير الوحي والتفكُّر في آليات تطبيق أوامر الله عز وجل، والتدبُّر في آياته القرآنية.. والتي وردت في السنة المطهَّرة وربطها بآياته الكونية لنكون من الأقوام المتفكِّرة التي أطرى عليها القرآن الكريم في مواطن عدة.

والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:
1- (القرآن الكريم).
2- (برنامج: أسماء الله الحسني؛ تقديم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي - على قناة الرسالة).
3- (كتاب: في البحث عن الله؛ لفضيلة الإمام وحيد الدين خان).
4- (كتاب: القرآن المعجزة الأبدية؛ لفضيلة الإمام وحيد الدين خان).
5- (العقل).

 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام