(8) ما يراد من المناهج الشرعية

تطوير مناهجنا بصورة عامة، ومناهج العلوم الشرعية بصورة خاصة لا بد أن يكون نابعاً من ذاتنا، دون أي ضغوط خارجية أو داخلية مستغربة، تدعوا إلى تغيير المناهج بعيداً عن منطلقاتها وأسسها الشرعية، ولا بد أن يكون تطويرها على يدي العلماء والمتخصصين في المناهج الذين لديهم القدرة على تطويرها بما يناسب التطورات والتغيرات الحديثة، وبما يناسب احتياجات المجتمع والطالب...

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية - المناهج الدراسية -

ثالثاً: ما نريده في مناهجنا:

تطوير مناهجنا بصورة عامة، ومناهج العلوم الشرعية بصورة خاصة لا بد أن يكون نابعاً من ذاتنا، دون أي ضغوط خارجية أو داخلية مستغربة، تدعوا إلى تغيير المناهج بعيداً عن منطلقاتها وأسسها الشرعية، ولا بد أن يكون تطويرها على يدي العلماء والمتخصصين في المناهج الذين لديهم القدرة على تطويرها بما يناسب التطورات والتغيرات الحديثة، وبما يناسب احتياجات المجتمع والطالب.

 

وتحقيقاً لذلك استكتبنا عدداً من العلماء وطلبة العلم والمتخصصين في المناهج، ونعرض آراءهم فيما طرحناه من أسئلة حول تطوير المناهج كما وردت عنهم بدون تدخل أو تغيير، ويسرنا عرضها على النحو التالي: 
بدأنا بسؤال:
هل تتفقون معنا على وجود ثغرات في مناهج التعليم يستغلها ويبالغ في ذلك مناهضوا منطلقاتها الشرعية، وأنها بحاجة للتطوير والمراجعة بأيدينا لا بأيدي هؤلاء. حتى نعمل على إعداد الأجيال بما يحصنهم أمام التحديات القادمة؟ 

من خلال هذا السؤال اتفق الأخوة على وجود ثغرات في مناهج التعليم، ولكن اختلفوا في دقة وصف السؤال للواقع الحالي!

 

فيرى د. محمد البشر أن المناهج الشرعية لا يعني تطويرها هو وجود نواحي سلبية كما يرى بعض المطالبين بأنها هي السبب في تخريج الإرهابيين أو عجز مناهج العلوم الشرعية عن إعداد الأجيال فيقول: "من المتفق عليه لدى المهتمين بالمناهج أن مناهج التعليم لابد من خضوعها للتقويم ثم التطوير، ولا يعني خضوع أي منهج دراسي للتقويم وجود نواحي سلبية كما يعتقد البعض بل التأكد من مدى تحقيقه للأهداف الموضوعة ومدى مناسبتها للتلاميذ".

ويضيف: "ومما يلاحظ كثرة المطالبة بتطوير مناهج العلوم الشرعية بحجج مختلفة قد تصل في تطرفها إلى اتهام مناهج العلوم الشرعية بتخريج إرهابيين أو عجز مناهج العلوم الشرعية عن إعداد الأجيال بما يحصنهم أمام التحديات القادمة". 

 

ويرى المشرف التربوي عبدالله بن سعد الفالح أن المناهج القائمة راعت فترة مرت بها البلاد لكن لا يمنع من السعي لتطوير ما يحتاج إلى التطوير فيقول: "المناهج القائمة مناهج جيدة جدا، حيث أنها شاملة لما يحتاجه الطالب في دينه ودنياه، وإن وجد بعض الأخطاء فهذا لا يعني التطوير الكامل لها والتغيير ولكن... يصلح الخطأ ويبين اللبس. أما تلك الحملات على المناهج خاصة التربية الإسلامية فهؤلاء لا يصدرون عن علم وبيان ما فيه من أخطاء علمية أو منهجية، وإنما عن هوى واتباع لكل ناعق ثم طلبهم ذلك إنما هو للتغيير والحذف والتبديل".

 

ويؤيد هذا الكلام المشرف التربوي خالد العقيلي بقوله:
أولاً: أظن أن جميع المعنيين بالتربية والتعليم يتفقون على ضرورة تطوير المناهج، سواء أصحاب التوجهات الغامضة أو المنحرفة أو أصحاب التوجهات الأصلية.

ثانيًا: المنطلقات في هذه القناعة متباينة ومختلفة بل ومتعارضة في أهدافها ودوافعها، بين أصحاب التوجهين.

في حين أن الشيخ الدكتور عبدالوهاب الطريري يتفق في وجود من يتهم المناهج بتخريج الإرهابيين والمتطرفين ولكنه يرى ألا نهاجم من يهاجم المناهج مهما كانت توجهاته والأصل هو حسن النية فيقول: "لماذا افترض في كل من يعارض مناهج التعليم الشرعية أنه يعارض منطلقاتها الشرعية؟
 لماذا نعيش ونحن ملغمون بسوء الظن بالآخرين؟ 
لماذا نطالب الحكومات أن تحسن الظن بمن ينتقدها ونحن نستعد بقائمة من التهم لكل من ينتقد ما نحن عليه؟

إن علي أن أفترض الصدق وحسن النية في كل من ينتقد هذه المناهج حتى وإن أخطأ، فيبين له وجه خطئه من غير أن يحاصر أو يحرج بأنه يناهض منطلقاتها الشرعية.

إن مناهج التعليم، سواء الشرعية أو غيرها أمر يخص كل بيت، وكلَّ رب أسرة، وكل متعلم، وكل ناشئ، وبالتالي فهي قضية عامة ينبغي أن تفتح آفاق الحديث والحوار حولها دون أن يرجم أي متحدث عنها بهذه الأنواع من التهم.

 المهم أن يكون هذا النقد نتيجة استقراء وتتبع، وليس بطريقة رجم مقرراتنا الشرعية بتهم مستوردة، كاتهامها بأنها تصنع الإرهاب، أو أنها تنتج العنف، ونحو ذلك من التهم التي نرى أنها تهم معلبة مستوردة من الخارج، فهذا نوع من استيرادتهم الآخرين ثم تسويقها بيننا وليس مما نحن فيه.

 لكن وصف المقررات بأن فيها عوزاً وقصوراً وتحتاج إلى إصلاح فهذه قضية عامة ينبغي أن نتنادى لها، والمقررات الشرعية هي مما ينبغي أن يوجه إلى تأليفها وإعدادها النقد، لأن المقررات الشرعية ليست هي الشرع، هي عمل بشري قابل للتقويم والمراجعة، 

دعني أنا وإياك نتساءل: ما سر تعاقب التأليف طوال القرون؟ لماذا لم يكتف أصحاب كل قرن بالمؤلفات التي ألفت قبلهم، إن السبب بوضوح أنهم يرون أن وقتهم وعصرهم محتاج لنوع من التأليف والصياغة لا تكفي ولا تغني فيه الصياغة قبل ذلك، والمقررات الشرعية هي من هذا النوع.

كما أنني أعترض على هذا التقسيم (بأيدينا لا بأيدي هؤلاء) فهؤلاء هم منا، فمن كان منهم لديه رأي رشيد، سديد فينبغي أن يستفاد منه ومن كان لديه جنوح فينبغي أن يسدد ويبصر. دعني أتناءى وإياك عن نحن وهؤلاء.

 

أما الجواب على السؤال هل مقرراتنا الشرعية بحاجة للتطوير والمراجعة؟
فإني أحتاج فيه إلى نعمات كثيرة... نعم ثم نعم ثم نعم هي بحاجة للتطوير والمراجعات بأيدينا جميعاً حتى تلاقي حاجة الأجيال المعاصرة والقادمة".

 

في حين أن الشيخ عبدالعزيز الشويش يرى أن المناقضين للمناهج في هذه الفترة همهم هو إرضاء أهوائهم وسائر الملل والطوائف غير عابئين بنوعية التطوير فيقول: "المشكلة أن الذين يطعنون من الأمام أو الخلف فيها ويصمونها بالقصور عن استيعاب العصر لا يرضيهم تطويرها ولا حتى ترويضها لأنها بالنسبة لهم كلها ثغرة ولن يقفوا عند حد المطالبة بالتطوير والتغيير بل بالإلغاء والإبقاء على حد يرضي في وقت واحد الرافضي والبدعي والنصراني واليهودي والبوذي والمسلم الذي لا يعرف منها إلا الشعائر الفردية أما المناهج التي تعلي من شأن المسلم وتميزه عن غيره علماً وعملاً وسلوكاً وتتدخل في جميع شؤونه وفي جميع شؤون الحياة بالترتيب والتنظيم وتوضح طبيعة العلاقات مع مخالفي هذا الدين فهذا ما لا يرضاه هؤلاء بحال من الأحوال". 

ويقول: "أين هم قبل ذلك الوقت ولماذا نفروا في هذا الوقت وتخصص كل منهم في النيل من صرح من صروح هذا المجتمع الذي يمثل تميزاً ويعطي مثالاً فهبوا بمعاولهم الداثرة وثقافتهم البائرة وأمركتهم الفاجرة وكرتهم الخاسرة بترتيب عجيب وتكالب غريب وتكاتف مريب خابوا وخسروا لقد ظنوا أن الكعكة جاهزة للقسمة.. لقد خاب ظنهم وأخطئوا في توقيتهم وجهلوا أبسط مقومات المجتمع وحقائق هذا الدين".

 

ويرى د. عبدالمحسن السيف أن مكمن الخطر هو في حديث غير المتخصصين في الأمور التربوية في هذه القضايا الهامة فيقول: "إن مكمن الخطر هنا هو حديث غير المتخصصين في الأمور التربوية في هذه القضايا الهامة التي تحتاج إلى تضافر الجهود من التربويين ورجال الفكر للحديث عنها ورسم خططها والعناية بها وعدم التخلف عن القيام بهذا الدور الكبير والواجب العظيم، إذ إن تركه لغير أهله ربما أصاب الأمة جميعها بالخسارة والتخلف، ومع الأسف الشديد فإن هذا هو الذي يحصل اليوم في كثير من بلاد المسلمين حتى أصبح الحديث عن المناهج وبالذات مناهج العلوم الشرعية حمى مستباح يفتي فيه كل من شاء بما شاء فأصبحت النتائج على خلاف ما يريده المختصون المخلصون".

كما يرى أن المناهج من حيث العموم بحاجة للتطوير فيقول: "أما قضية تطوير المناهج من حيث العموم فإنها من الضرورات الهامة والأمور المهمة ليس في وقتنا الحاضر فحسب ولكن في جميع الأوقات وذلك أن الحياة بطبيعتها لا تثبت على حال بل لا بد من التغير والتبدل في معطياتها وخصائصها وحاجات أفرادها والمؤثرات التي يتعرض لها أفرادها بين حين وآخر والمناهج في حقيقتها تعكس تلك الأمور جميعها..."

 

لماذا لا يكون للمتخصصين وأهل العلم والدعوة مشروع لتطوير مناهج التعليم بعامة ومناهج العلوم الشرعية خاصة، لمواجهة حملة تغيير المناهج التغريبية؟ 

 

قال د. عبدالوهاب الطريري: "هذا سؤال حقيقي وارد، والجواب عليه يجب أن يكون للمتخصصين وأهل العلم والدعوة مشروع لتطوير مناهج التعليم، وأضع خطوطاً كثيرة تحت تطوير مناهج التعليم وليس مجرد الدفاع عنها بوضعها الحالي وإبقائها على ما هي عليه بحجة أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان".

 

ويتفق الشيخ عبدالعزيز الشويش على وجوب إقامة المشروع بأيدي المتخصصين المخلصين فيقول: "إنني أتفق معكم بأن يكون للمتخصصين وأهل العلم والدعوة مشروعاً لتطوير المناهج وخاصة مناهج العلوم الشرعية ليس لمواجهة الحملة التغريبية فحسب، بل لإضافة وتثبيت بعض الحقائق الغائبة عن المناهج والتي تدعو الحاجة إليها بعد التطورات الأخيرة وتحديداً بعد 11 سبتمبر لكن هذا المشروع ينبغي ألا يكون مشاعاً لعامة من ذكر من المتخصصين وأهل العلم والدعوة بل ينتدب منهم رجالاً مخلصين موثوقين متمكنين سديدي الرأي بعيدي الرؤية فقهاء للواقع لا يمكن أن يؤتى المسلمون من قبلهم".

ويضيف قائلاً: "يجب أن يكون عندنا من الشجاعة والروح المعنوية في معالجة وتطوير المناهج ما نبني به حضارتنا ونواجه به أعدائنا ونسير به حياتنا ومعيشتنا في عبودية وخضوع لله سبحانه وتعالى".

 

ويحث المشرف التربوي خالد العقيلي المتخصصين وأهل العلم إلى المسارعة بقوله: "هذا ما يلزم المتخصصين وأهل العلم والدعوة استشعاره والمبادرة إلى استثماره".

 

ويرى د. محمد البشر أن قيام هذه النخبة من التربويين وأهل الاختصاص هو السبيل الصحيح لتطوير المناهج مع المحافظة على خصوصية البلد وأهله، والتي أوجزها في هذه النقاط:
- إن عملية التطوير عملية منظمة ومستمرة وهادفة يجب أن يتولاها أهل الاختصاص والخبرة وأن يشارك في عملية التطوير جميع أطراف العملية التربوية.

 2-  كما يجب أن لا نغفل دور القطاع الخاص في عملية تصميم المناهج الدراسية وإخضاع ما يقترحه من مقررات دراسية موضع التجريب، فإذا أثبت فاعلية لماذا لا يعمم؟

3- كما أقترح القيام بمؤتمرات وندوات لأهل الاختصاص في كل فرع من فروع مناهجنا لتدارس الإيجابيات والوقوف على السلبيات ومحاولة الخروج بخبرات جديدة قد تسهم في تطوير مناهجنا.

 

ويشدد المشرف التربوي عبدالله الفالح على وجوب أن تسند الأمور لأهلها وإلى ذوي المقاصد الحسنة فيقول: "إن كان ولا بد من التغيير والتطوير فليوكل ذلك إلى أهل الخبرة والاختصاص من العلماء البارزين الذين يعرفون متطلبات المجتمع وما يحتاجه، ولهم دراية بالتأليف مع حسن المقصد ومحبة الخير والنفع للغير".

 

وما قرأناه سابقا يقودنا إلى طرح هذا السؤال:

هل لكم أن تساهموا معنا في تقديم ملاحظاتكم على المناهج القائمة ومقترحات تطوير محددة في هذا الخصوص؟ 

 

فيجيب د. عبدالمحسن السيف بعرض هذه النقاط التي تَوَافَق الجميع على طرحها أو طرح بعضها فيقول: "هذا التطوير يجب أن يكون شاملاً لجميع نواحي التطوير وألا يقتصر فقط على الشكل دون المضمون أو على عنصر واحد من عناصر المنهج بمفهومه الشامل وفي مقدمة ذلك المحتوى أو ما يطلق عليه الآن الكتاب المدرسي والأهداف التعليمية التي ترسم هذا المحتوى، وكذلك طرق التدريس المتبعة والأنشطة الصفية وغير الصفية المعينة على تنفيذ المنهج والتقويم المتبع في هذه المناهج. كما أن التطوير يجب أن يشمل حتى البنية الأساسية للتعليم مثل المدارس ومنها المباني المدرسية التي يجب أن تتحقق فيها مواصفات المبنى المدرسي الملائم لتنفيذ المنهج وكذلك الأنظمة والأساليب التي تدار بها العملية التعليمية بشكل عام حتى نضمن أن يكون التطوير شاملاً ومتكاملاً يؤدي الغرض المنشود منه. 

 

أما أبرز الملاحظات على المناهج القائمة حالياً خاصة مناهج العلوم الشرعية، فإنها كما يلي: 
1- بعد البعض منها عن مناقشة الحاجات التعليمية للمتعلم وذلك أنها تنحو نحو العمومية وعدم التركيز على حاجات المتعلم. 

2- عدم مراعاة بعض موضوعاتها للمرحلة العمرية للمتعلم حيث نجد بعض الموضوعات تتطرق إلى مفاهيم لا تناسب قدرات المتعلمين الذهنية أو الفكرية أو الثقافية في مثل هذا السن. 

3- الاهتمام بالكم في بعض الموضوعات على حساب الكيف وذلك بعدم العناية بالتركيز على موضوعات مختصرة وإعطائها ما تستحقه من الشرح والتوضيح والأمثلة.

4- عدم ربط الموضوعات التي يتم تدريسها بواقع المتعلم وحياته مما يجعله يتصور أن المخاطب بها غيره فيضعف تأثره بها. 

5- عدم الاعتناء بشرح بعض المفاهيم داخل الكتاب والاكتفاء بدور المعلم في هذا الصدد وهذا غير مجدي خاصة في ضوء ضعف دور المعلمين وإعدادهم من جهات الإعداد. 

6- نقص جانب التشويق والإثارة في أسلوب تأليف كتب العلوم الشرعية وعدم تضمين الكتاب للصور الحية والأشكال التوضيحية التي تسهل الفهم على المتعلمين خاصة كلما صغرت المرحلة العمرية للمتعلم. 

7- عدم الاعتناء بإعداد معلم العلوم الشرعية خاصة، الإعداد التربوي الذي يمكنه من التعامل مع المتعلمين على أساس مراعاة قدراتهم واحترام عقلياتهم ومراعاة مشاعرهم وتلبية احتياجاتهم واستمالة مشاعرهم نحو الدرس وقدرته على إثارة الدافعية لديهم نحو تقبل العلوم الشرعية ومحبتها والتأثر بها.

8- عدم إيجاد وتوفير الحوافز والتعزيز بشقيه المادي والمعنوي لدعم المتعلمين في مجال العلوم الشرعية ومحاولة انتشالهم من الضعف الذي يعانونه كما هو الحال في تعليم القرآن الكريم

9- عدم الاعتناء باختيار المعلمين الأكفاء الذين يمثلون العلوم الشرعية التي يدرسونها بصدق وذلك ف مجال القدوة الحسنة لطلابهم وطالباتهم حيث إن غياب القدوات يعتبر أكبر عامل في عدم تأثر المتعلمين بما يدرسونه من هذه المناهج. 

10- النقص الواضح في تفعيل دور الأنشطة الصفية وغير الصفية في المدارس على اختلاف مستوياتها حيث لا يولي هذا الجانب الاهتمام الكافي من القائمين على المدارس زعماً منهم بأنه يزاحم التحصيل العلمي للطلاب. 

 

ويضيف د. عبدالوهاب الطريري بقوله: "كما أنها يجب أيضا أن تراعي الفروق بين مراحل التعليم فيجب أن تراعي الفروق بين الفتيان والفتيات، فغير صحيح إطلاقاً أن نعلم الفتيات أنصبة الإبل والبقر والغنم وكأننا نرشحهن ليخرجن ساعيات لجباية الزكوات، ولا أن نعلمهن أحكام الديات والشجاج وغيرها وكأنهن سينصّبن قاضيات في المحاكم. علينا أن نعلم الفتيات الأحكام العامة الشرعية والتي يشتركن في جملتها مع الرجال، ونركز على مايحتجنه بخاصة من الأحكام التي تلاقي خصوصيتها كزوجة وخصوصيتها كأم، فلها بذلك مساس وخصوصية أعظم". 

ويقول: "أيضًا مجتمعنا ليس مجتمعًا رعوياً نعيش له سارحين مع الإبل والبقر السائمة حتى نحفظ طلاباً في سن الابتدائية زكاة الإبل والبقر، والتبيع والتبيعة والمسن والمسنة وابن اللبون والحقة، ونحن قد درسنا هذه الأشياء في طفولتنا وها نحن الآن نقارب سن الشيخوخة ولم نحتج إلى هذه المعلومة يوماً واحداً من حياتنا، لأنها ليست معلومة تمس مجتمعنا نحن، هذه معلومة ينبغي أن تدرس لمجتمع يحتاجها، مجتمع رعوي، نحن الآن ينبغي أن نعلم أبنائنا المعاملات البنكية، زكاة رصيد البنك، بيع الأسهم، أحكام التأمين... ونحو ذلك.

خذ مثالاً آخر على ذلك، نعلم الأحاديث والأحكام التي تتعلق بالنهي عن التخلي في الطريق، والملاعن الثلاثة، وهذه أحكام نبوية. وهناك مجتمعات تحتاج إليها، لكن هل رأيت في حياتك إنساناً يتخلى على هذه الأرصفة المبلطة في شوارعنا؟

إنني أحتاج أن أعلم المارة الآن آداب غض البصر، لأتقي أنا وأهلي هذه النظرات التي تثقب زجاج السيارة كالرصاص.

أحتاج أن أعلم الناس آداب السير في الطريق في المركبات والسيارات، وسأجد في ديني وهدي نبيي صلى الله عليه وسلم أحكاماً تنظم هذه الأمور وتتعلق بها. ولا زلت أذكر شيخاً علمني علماً استفدت منه، فقد كنت أقرأ على جماعة المسجد الذي كنت أصلي فيه وأنا شاب حدث السن أحاديث في أحكام الجنائز، 

فأمسكني هذا الشيخ وقال لي: يا بني نحن نموت في حياتنا مرة واحدة ونصلي في اليوم خمس مرات فاقرأ علينا أحاديث تتعلق بأحكام الصلاة التي نصليها خمس صلوات في اليوم. إن فتياننا يحتاجون أن يُعلموا أشياء هم يمارسونها ويعايشونها، وليس أشياء هي من ديننا، لكنها مماسة وملامسة لمجتمعات أخرى غير مجتمعنا".

 

ويقول أيضًا: "الفتيان في المراحل المتقدمة يحتاجون إلى أن يعلموا أموراً مهمة في الشرع تضبط لهم موازين تصوراتهم، ليتعلم الطالب مقاصد الشريعة ومسألة المصالح والمفاسد والموازنة بينها، وهذه الأمور هي من صلب ديننا، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم زاخر بذلك ففي أي مرحلة يعلم الطالب ذلك ؟ لماذا لا يكون لهذا منهج في المرحلة الثانوية؟".

 

وعلى هذا يري الشيخ عبدالعزيز الشويش أنها لابد أن توافق الواقع بشكل كبير فيضرب على ذلك بعض الأمثلة منها كما قال: "ومن الأمثلة على ذلك: 
1- ما يتعلق بالولاء والبراء وضوابط التكفير.
 
2- مفهوم الإفراط والتفريط وعلاقة ذلك بالفوضى والإرهاب.
 
3-  موقف أهل السنة والجماعة من معارضيهم.

4- مشروعية الجهاد ودوافعه ودواعيه وأحكامه المتعلقة به وأحكام أهل الذمة والمحاربين والمرتدين وتنزيل ذلك على الواقع.

5- مفهوم الحرية وضوابطها والفرق بينها وبين الفوضى والإباحية.

6- قوة الإسلام وحزمه بالإضافة إلى سماحته ويسره.

7- مكانة وحقوق المرأة في الإسلام.

8- أسباب الغنى والفقر وحسن توزيع الثروة والتوازن في الحقوق والواجبات.

 

إن احتواء المناهج على مثل هذه المفردات وطرحها بعمق وتجرد من شأنه أن ينتج جيلاً يعلم ويعمل، وسطياً يبني ولا يهدم، يعدل ولا يجور، يثق ولا يسيء الظن، يستعمل عقله ولا يلغي عقول الآخرين، يتفاعل ايجاباً مع مجتمعه وبلده وأمته، يحقق الخيرية ويدعو إلى الله على بصيرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويؤمن بالله ويشهد على الناس".

ويرى أن التغاضي عن طرق هذه المواضيع والإحساس بالحرج حيالها هو السبب في ظهور السلبيات والشبهات والأهواء والتصرفات الخطرة فيقول: "إن تعاملنا مع هذه المفردات وما تحويه من حقائق وما هو على شاكلتها مما تدعو الحاجة إليه بأساليب انتقائية وطرق متشنجة وبعبارات حذرة لا يعالج السلبية ولا يقضي على العنف ولا يصحح النظرة ولا يولد التسامح ولا يدعم الثقة ولا يحل المشكلات.. بل سيفتح سوقاً للإجتهادات القاصرة والتبريرات الزائغة والفتاوى الشاذة والتصرفات الخطرة والأهواء الضالة والشبهات المغلفة".

 

ويرى المشرف التربوي خالد العقيلي أننا إذا أردنا تطويراً نحو الأفضل فلا بد من تحقيق معايير، فيقول: "إذا أردنا تطوير المناهج نحو الأفضل فلا بد من: 
1- قياسها واعتبارها بمناهج مثيلة.

2- التأكيد على ما هو إيجابي في المناهج القائمة حاليا ً وإبراز الجوانب الإيجابية والسلبية للمناهج القائمة بعد دراسة هذه اللجان لها وتعميمها على أفراد المجتمع، والمجتمع التربوي خاصة. 

3- إعادة صياغة وتطوير ما يحتاج إلى ذلك من خلال لجان متخصصة ولها مكانة مقنعة ذاتياً وعلمياً ). 

 

كما يركز د. عبدالوهاب الطريري على أهمية وضع استبيانات لقياس تأثير المناهج على الطلاب فيقول: "إن علينا عند تقويم المناهج الشرعية أن نجري استبيانات على الشباب الآن نسائلهم عن مدى تأثرهم بالمناهج الشرعية، وما الذي بقي معهم منها وما الذي لا زال له حضور في حياتهم. دعنا نتساءل عن الشباب المتدين وهم كثير –بحمد الله- هل كانت المناهج سبباً في استقامتهم أم أن هناك عوامل أخرى ليست المناهج الشرعية منها؟".

 

ويضيف المشرف التربوي سليمان الخضير بعض المقترحات لتطوير المناهج التعليمية في النقاط التالية:
1- تصميم برامج تربوية تعرف الطلبة بالمذاهب المعاصرة المناهضة للفكر الإسلامي والمجتمع السعودي، وأن تتضمن البرامج التربوية مواجهة مستنيرة وواقعية لتلك المذاهب، لأنه قد يصادف النشء في حياتهم أفكاراً وفلسفات معادية لعقيدتهم ووطنهم فيصبح لديهم معيار لمعرفة واقعيتها وخطورتها، مما يصعّب على الآخرين إقناعهم بها. 

2- الاستفادة من التقنيات الحديثة في تعليم أبناء الأمة، من خلال إيجادها والتدريب عليها واستخدامها، حيث أصبحت ضرورة يحتمها التطور السريع، كما أنها تساعد على جذب انتباه الطلاب وتوفر جوا من التشويق والإبداع والإثارة.

3- ضرورة الاهتمام باللغة العربية بصفة عامة، وتنمية حب القراءة والبحث والتركيز على القراءة والتحرير والإنشاء والإملاء في جميع المراحل وخصوصاً الصفوف الأولية، وتطوير طرق تدريسها.

4- ضرورة التركيز على الجانب التطبيقي بشكل عام. 

5- أن تزود المناهج بمراجع يمكن للطالب الرجوع إليها وغرس قيم البحث العلمي في نفوس الطلاب والعناية بمكتبة المدرسة. 

 

كما تبين أم بلال أهمية البحث والتركيز عليه لتنمية مهارات الطلاب في القراءة والبحث ليس من خلال مقرر واحد وإنما في جميع المناهج الدراسية بأنواعها: "نريد أن تفتح لنا المناهج أبواب البحث، فالمنهج الآن مكتوب وفق أفكار لا يستطيع أن يحيد المعلم والمتعلم عنها إلا قليلاً، نحن نريد أن تكون المناهج مجرد مواضيع مقررة يندرج تحتها أفكار مقترحة للبحث ويترك البقية لجهد المعلم، وهذا يشجع المعلم والمتعلم على البحث والتجدد مما يبرز شخصيته وينفرد بإبداعه".

وتقول: "يا حبذا لو كانت المناهج الشرعية عبارة عن سرد للموضوعات المقررة مع ترشيح كتابين مثلاً للإطلاع، وبهذا نشجع الطلاب والطالبات على القراءة الجادة المطولة".

 

كما يوجه د. عبد الوهاب الطريري إلى حاجة المناهج لتفعيل عرض حياة النبي صلى الله عليه وسلم بطريقة أكثر دقة وشمولية فيقول: "سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ما مدى حضورها في مناهجنا التعليمية؟ لماذا نعلم فتياننا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم على أنها غزوات لا على أنها منهج حياة؟ إن نبينا صلى الله عليه وسلم كان إماما في الحياة وليس فقط قائداً للغزوات، فلماذا لا توجد السيرة النبوية متكاملة يدرسها الطالب فيتشبع بها بحيث يعيش وكأنه قد عاش زمن النبوة من خلال منهج متكامل يقدم السيرة النبوية متكاملة منهج حياة على طريقة ابن القيم في زاد المعاد؟ ومن خلال ذلك يتحقق الاقتداء والأسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم  قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]. 

الأخلاق التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم بتتميمها أن يكون لها منهج خاص ولو في سنة من السنوات أو في فصل من الفصول الدراسية يدرس فيها كتاب مثل: (خلق المسلم) للشيخ: محمد الغزالي أو غيره.

 

كما ترى أم بلال أن تطوير المناهج يجب أن يشمل عناصر كثيرة فتقول: "اطلعوا رحمكم الله على مناهج التاريخ لدينا لتروا ركاكة الصياغة. التاريخ عالم من القراءة التي لا تنتهي فاجعلوا الطلاب يقرأون التاريخ القديم والمعاصر ويستشرفون المستقبل فالأمة الإسلامية زاخرة بالتاريخ الذي نستقي منه التربية والعبرة فلا نقيدهم بالحفظ للاختبار مع وجود وسائل أخرى لتقويم ما حصلوا من معلومات".

وفي ختام عرض الآراء يسرنا دعوة الجميع لكتابة تعليقاتهم حول هذا الموضوع

 

شارك في هذا المحور كل من: 

1- د. عبدالمحسن بن سيف السيف: الأستاذ المساعد بقسم المناهج وطرق التدريس بجامعة الملك سعود بالرياض.
2- د. محمد بن فهد البشر:الأستاذ المساعد بقسم المناهج وطرق التدريس بجامعة الملك سعود بالرياض.
3- د. عبدالوهاب بن ناصر الطريري: المشرف على المكتب العلمي بموقع الإسلام اليوم. 
4- الشيخ / عبدالعزيز بن محمد الشويش: رئيس قسم التربية الإسلامية في إدارة التعليم بالرياض.
5- الأستاذ / عبدالله بن سعد الفالح: المشرف التربوي في إدارة التعليم بالرياض.
6- الأستاذ / خالد بن سعد العقيلي:المشرف التربوي في إدارة التعليم بالرياض.
7- الأستاذ / سليمان بن سعد الخضير: المشرف التربوي في وزارة التربية والتعليم.
8- الأستاذة / أم بلال بنت عبدالعزيز: معلمة مادة الرياضيات بالمرحلة الثانوية.