(3) النفير العام
عبد الله عزام
كيف إذا صال الكفار على أرض المسلمين حيث يتعرض الدين والعرض والنفس والمال للذهاب والزوال؟ ألا يجب في هذه الحالة على المسلمين دفع الصائل الكافر والدولة الكافرة؟!
- التصنيفات: فقه الجهاد -
النفير العام
أدلة النفير العام ومبرراته:
1) قال الله عز وجل: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41]، وقد جاءت الآية قبلها ترتب العذاب والاستبدال جزاء لترك النفير، ولا عذاب إلا على ترك واجب أو فعل حرام.
{إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:39].
قال ابن كثير: "أمر الله تعالى بالنفير العام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب، وقد بوب البخاري باب: وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية، وأورد هذه الآية، وكان النفير العام بسبب أنه ترامي إلى أسماع المسلمين أن الروم يتعدون على تخوم الجزيرة لغزو المدينة، فكيف إذا دخل الكفار بلد المسلمين، أفلا يكون النفير أولى؟ قال أبو طلحة رضي الله عنه في معنى قوله تعالى {خِفَافًا وَثِقَالاً} كهولا وشبابا ما سمع الله عذر أحد" (مختصر ابن كثير [2/144]).
وقال الحسن البصري: "في العسر واليسر".
ويقول ابن تيمية في (مجموع الفتاوى [82/358]): "فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلهم وعلى غير المقصودين، كما قال تعالى {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال من الآية:72]، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصر المسلم، وسواء كان الرجل من المرتزقة للقتال أو لم يكن، وهذا يجب بحسب الإمكان على كل أحد بنفسه وماله مع القلة والكثرة والمشي والركوب، كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد".
وقال الزهري: "خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له: إنك عليل فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع" (الجامع لأحكام القرآن [8/150]).
2) ويقول الله عز وجل: {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة من الآية:36].
قال ابن العربي: "كافة يعني محيطين بهم من كل جانب وحالة" (الجامع لأحكام القرآن [8/150]).
3) ويقول الله عز وجل: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [الأنفال من الآية:39]، والفتنة هي الشرك كما قال ابن عباس والسدي (القرطبي [2/253])، وعند هجوم الكفار واستيلائهم على الديار فالأمة مهددة في دينها ومعرضة للشك في عقيدتها فيجب القتال لحماية الدين والنفس والعرض والمال.
4) قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري).
فيجب النفير إذا استنفرت الأمة، وفي حالة هجوم الكفار فالأمة مستنفرة لحماية دينها، ومدار الواجب على حاجة المسلمين أو استنفار الإمام كما قاله ابن حجر في شرح هذا الحديث.
قال القرطبي: "كل من علم بضعف المسلمين عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم" (فتح الباري [6/30]).
5) إن كل دين نزل من عند الله جاء للحفاظ على الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال.
ولذا فيجب المحافظة على هذه الضرورات بأي وسيلة، ومن هنا شرع الإسلام دفع الصائل (جامع الأحكام [8/150])، والصائل: هو الذي يسطو على غيره قهرا يريد نفسه أو ماله أو عرضه.
أ) الصائل على العرض: ولو كان مسلما إذا صال على العرض وجب دفعه باتفاق الفقهاء ولو أدى إلى قتله، ولذا فقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز للمرأة أن تستسلم للأسر ولو قتلت إذا خافت على عرضها.
ب) أما الصائل على المال أو النفس: فيجب دفعه عند جمهور العلماء، ويتفق مع الرأي الراجح في مذهبي مالك والشافعي ولو أدى إلى قتل الصائل المسلم، ففي الحديث الصحيح: « » (حديث صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، حاشية ابن عابدين [5/383]، والزيعلي [6/110]، ومواهب الجليل [6/323]، تحفة المحتاج [4/124]، الإقناع [4/290]، والروضة البهية [2/371]، والبحر الزخار [6/268]، وتاج العروس صحيح الجامع الصغير للألباني [6321]).
قال الجصاص بعد هذا الحديث: "لا نعلم خلافا أن رجلا لو شهر سيفا على رجل ليقتله بغير حق أن على المسلمين قتله» (أحكام القرآن للجصاص [1/2402])، وفي هذه الحالة –الصيال- إذا قتل الصائل فهو في النار ولو كان مسلما، وإذا قتل العادل فهو شهيد.
هذا حكم الصائل المسلم، فكيف إذا صال الكفار على أرض المسلمين حيث يتعرض الدين والعرض والنفس والمال للذهاب والزوال؟ ألا يجب في هذه الحالة على المسلمين دفع الصائل الكافر والدولة الكافرة؟!
6) تترس الكفار بأسرى المسلمين: إذا اتخذ الكفار أسرى المسلمين كترس أمامهم وتقدموا لاحتلال بلاد المسلمين يجب قتال الكفار، ولو أدى إلى قتل أسرى المسلمين.
يقول ابن تيمية في (مجمع الفتاوى[82/537]): "بل لو فيهم -الكفار- قوم صالحون من خيار الناس ولم يمكن قتالهم إلا بقتل هؤلاء لقتلوا أيضا، فإن الأئمة متفقون على أن الكفار لو تترسوا بأسرى المسلمين وخيف على المسلمين إذا لم يقاتلوا فإنه يجوز أن نرميهم - ونقصد الكفار - ولو لم نخف على المسلمين جاز رمي أولئك المسلمين أيضا على أحد قولي العلماء".
وفي الصفحة [45] يقول: "والسنة والإجماع متفقان على أن الصائل المسلم إذا لم يندفع صوله إلا بالقتل قتل، وإن كان المال الذي يأخذه قيراطا من دينار، ففي الصحيح: « »".
وذلك لأن حماية بقية المسلمين من الفتنة والشرك وحماية دينهم وعرضهم ومالهم، أولى من إبقاء بعض المسلمين أحياء، وهم الأسرى في يد الكفار المتترس بهم.
7) قتال الفئة الباغية: يقول الله عز وجل: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9].
فإذا فرض الله علينا قتال الفئة الباغية المسلمة حفظا لوحدة كلمة المسلمين وحماية دينهم وأعراضهم وأموالهم فكيف يكون الحكم في قتال الدولة الكافرة الباغية، أليس هذا أولى وأجدر؟
8) حد الحرابة: قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33].
هذا حكم المحاربين من المسلمين الذين يخيفون عامة المسلمين ويفسدون في الأرض فيعبثون بأموال الناس وأعراضهم، ولقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين كما جاء في الصحيحين (أنظر الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني لأحمد عبد الرحمن البنا [81/128]) ، وفي الحديث عن أنس؛ "أن نفرا من عكل وعرينة تكلموا بالإسلام، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم أهل ضرع ولم يكونوا أهل ريف وشكوا حمى المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وأمرهم أن يخرجوا من المدينة فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا فكانوا في ناحية الحرة فكفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وساقوا الذود، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث الطلب في آثارهم، فأتي بهم فسمل أعينهم وقطع أيديهم وأرجلهم". فكيف بالدولة الكافرة التي تفسد على الناس دينهم ومالهم وعرضهم أليس قتالها أوجب على المسلمين وأحرى؟!
هذه بعض الأدلة والمبررات للنفير العام إذا دخل الكفار أرض المسلمين.
إن دفع العدو الكافر هو أوجب الواجبات بعد الإيمان وكما قال ابن تيمية: "فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بد الإيمان من دفعه" الفتاوى الكبرى [4/608]).