كيف نستثمر شهر رمضان على الوجه الأكمل؟

ربما لا يأتيك رمضان القادم أو ربما لا تكمل رمضان الحالي، فتزود من حياتك للميعاد، وشمر وقم لله في لياليه واجمع خير زاد، كل ليلة في رمضان منحة ربانية بل كل يوم، بل كل ساعة ودقيقة وثانية، فلنرفع شعار (فاستبقوا الخيرات)، وعود نفسك الصبر، ودربها على تحمل المشقات في هذا الشهر، إحساسًا بالفقراء والمساكين ورأفة بالمحتاجين..

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

مع قدوم شهر رمضان من كل عام يتبارى المسلمون في العالم أجمع في فعل الخيرات وترك المنكرات، طالبين الأجر والعفو من الله عز وجل، حيث يعتبره المسلمون بمثابة معسكر إيماني مكثف، يجتهدون فيه لحصد الحسنات، وينوعون فيه من أعمال البر والخير، من الصلاة والصيام وقراءة القرآن وحضور دروس العلم ولزوم الاستغفار، وترطيب الألسنة بذكر الله عز وجل، والمسارعة إلى كفالة الأيتام، وإطعام الفقراء ورعاية المساكين، وفي هذا التحقيق التقى (المسلم) عددًا من الدعاة إلى الله عز وجل، ليقدموا نصائحهم ووصاياهم للمسلمين في العالم كله، من خلال الإجابة على سؤال واحد، وهو: كيف يمكن استثمار شهر رمضان في طاعة الله على الوجه الأكمل؟

 

دورة تدريبية مكثفة:

في البداية: يقول الدكتور وصفي عاشور أبو زيد، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: "من أراد أن يستثمر هذا الشهر الكريم على الوجه الأمثل، يجب عليه القيام بالصيام الحق، وهو صيام خاصة الخاصة كما أسماه الإمام أبو حامد الغزالي، وهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية، فيصوم عن كل ما سوى الله تعالى"، ويضيف عاشور عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في تصريح خاص لـ(المسلم): "علينا أيضًا المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، وأداؤها بحقها، بخضوعها وخشوعها وركوعها وسجودها، والتهيؤ لها بترقبها والتشوق لها والإحساس بأثرها، فضلًا عن المداومة على النوافل في الصلوات، فالنوافل هي السياج الحامي للفرائض والجابر لنواقصه، والمتمم لما وقع فيه من خلل، مع الحرص على الاعتكاف في العشر الأواخر منه، فهو بمثابة الدورة التدريبية المكثفة".

 

ثلاثة محاور لاستثمار رمضان:

ومن جانبه أوضح الداعية الإسلامي الدكتور مسعود صبري، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أن: "الاستثمار الأمثل لشهر رمضان يتمثل في ثلاثة محاور هامة، وهي: تصحيح خطأ، واستكمال مسير، وتجديد أمور. أما عن المحور الأول: فعلى المسلم أن ينظر الأخطاء التي يقع فيها، فيسعى إلى تركها، وقد ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اتق المحارم؛ تكن أعبد الناس» (السلسلة الصحيحة [930])، مشيرًا إلى أن رمضان فرصة ذهبية معينة على ذلك، فيجاهد نفسه في ترك المعاصي".

ويقول صبري، الباحث الشرعي بالمعهد العالمي للوسطية بالكويت، في تصريح خاص لـ(المسلم): "الأمر الثاني: استكمال مسير الخير، ومن النافع أن يسرد المسلم ما يفعله من أعمال صالحة مهما كان يراها صغيرة، وأن يكتبها، وأن يسعى إلى تعميقها وتأصيلها في نفسه، وأن يزيد عليها في شهر رمضان، وقد قال ربنا سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17]. وفي الحديث: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» (صحيح البخاري [6465])"، معتبرًا أن "الأمر الثالث: تجديد أمور، ويقصد بها إدخال أعمال صالحة جديدة في حياته".

 

ويشير إلى أنه: "ليس أفضل من الاطلاع على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاشه ومعاده، فيحاول أن يقرأ في هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يطبق كل يوم عادة جديدة، وأن يسعى للحفاظ عليها، ومن أنفع الكتب في ذلك: (سبل الهدى والرشاد في هدي خير العباد) للصالحي، وكتاب (زاد المعاد في هدي خير العباد) للإمام ابن القيم"، موضحًا أن "رمضان هو شهر تزكية النفوس بقراءة القرآن، والذكر وقيام الليل، فهذه ثلاثة يسن التركيز عليها وتفعيلها بشكل أكبر، وأن ينفق أكثر وقته فيها".

 

ويذكر صبري أنه: "من السنة الاعتكاف في العشر الأواخر تخفيفًا من أمر الدنيا، وإقبالًا على عمل الآخرة، وهو أيضًا شهر الإنفاق على الفقراء من أهل البلد، وعلى المسلمين المنكوبين مثل المسلمين في سوريا وغيرها من الفقراء في أفريقيا وآسيا وغيرها من بلاد المسلمين التي تحتاج إلى الزكاة والصدقات"، ويشدد على أنه: "في رمضان تستحب العبادات الجماعية والأعمال الصالحة في الجماعة خاصة في محيط الأسرة، فلتجلس الأسرة وتتفق على بعض الأعمال الصالحة الجماعية في رمضان من قراءة القرآن وقيام الليل، وليتخفف من الطعام والشراب والموائد والضيافة؛ فإنها مفسدة للروح، مضيعة للشهر"، مشيرًا إلى أنه: "ليس هناك أفضل ولا أجل من الدعاء في رمضان".

 

بين أهل الطاعات وأهل المعاصي!

ومن ناحيته يستهل الداعية الإسلامي الدكتور وائل على السيد حديثه مذكرًا بقول الله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27]، ويقول: "نحن أمام برنامجين؛ الأول: البرنامج الإلهي الذي يعتمد على التربية الروحية، وتتحقق فيها آثار العبادة من صوم يؤدي إلى التقوى تحقيقا لقوله عز وجل:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وقيام يبعث في النفوس الراحة والسكينة، فيصبح المؤمنون في طبيعة ربانية نورانية، لأنهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون"، فيتحقق شفاؤهم من جميع الأدواء، وينقضي رمضان وهم مغفور لهم بإذن الله.

 

ويضيف وائل، الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس، في تصريح خاص لـ(المسلم): "أما الثاني: فهو البرنامج الذي يعده أهل الشهوات الذين يريدون للمؤمنين الغواية والبعد عن منهج الله، فهم يستعدون لرمضان منذ انقضى رمضان الماضي ببرامج الطعام والشراب والشهوة، فيشغلون الصائمين عن مقصدهم من العبادة، ويبالغون ويسرفون في برامج اللهو واللغو من أفلام ومسلسلات، والبرامج التي تحمل الناس المزيد من المعاصي والأوزار، فينقضي رمضان وهم في غمرة ساهون، وتزداد عليهم العلل والأسقام".

 

الله أعطانا فرصة جديدة:

ويطرح الداعية الإسلامي الدكتور عبد العظيم بدران عددًا من التساؤلات، فيقول: "كم رمضان مر عليك من قبل؟! وكيف كانت أحوالك فيه؟! وهل ترى نفسك مطمئنًا إلى أحوالك التي عشتها منذ رمضان الماضي؟! وهل يشغلك هذا الرمضان كغيره مما مضى عليك؟!"، معتبرًا أن: "هذه كلها أسئلة تحتاج مني ومنك لجوابات محددة ومباشرة، لا تحتمل لفًا ولا دورانًا، وعلى أي حال فإن الله قد أعطانا فرصة جديدة، لا ندري هل ستأتي علينا مرة أخرى، أم أنها ستكون الأخيرة؟َ!"، ويشير بدران في تصريح خاص لـ(المسلم) إلى أن: "هذا يستلزم منا الانتباه جيدا إلى عدد من الأمور، أهمها فيما أرى: النية والإخلاص، فنية المرء خير من عمله، والأعمال بالنيات، فلنجدد ونعدد النوايا قدر ما نستطيع، لعل الله تعالى يضاعف لنا الأجر والمثوبة، فالصيام طاعة لله تعالى واتباع لرسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة الله تعالى قربى وزلفى، واتباع الرسول سبب للمحبة والمغفرة والرحمة من عند الله تعالى".

 

ويتابع قائلًا: "لتكن نوايانا مفتوحة من دون أسوار لتشمل كل ما يحب الله تعالى لنا ويرضاه حين نستجيبُ لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. لتكن نوايانا تحصيل الإيمان إلى أقصى حد نستطيعه، وتحصيل الصحة التي وَعد بها النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه: «صوموا تصحوا» (ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة [253]، وفي ضعيف الجامع [3504]) مشيرًا إلى أنه بين هاتين المحصلتين: الإيمان والصحة، ننوي تحصيل كل ما يترتب عليهما من آثار حميدة وعملية على مستوى الفرد والمجتمع والأمة كافة.

 

ويذكر بدران بضرورة: "الاجتهاد في العمل بضوابطه الفقهية: وهذا يعني أنه من الواجب علينا معرفة أحكام الصيام ومقاصده، ثم نجاهد أنفسنا في التصبر على الطاعة، طاعة الصيام في حر الصيف وطاعة الصلوات في مواقيتها، والحفاظ على ختام الصلاة التي هي من تمامها، والنوافل في أوقاتها، وقيام رمضان مع القائمين، وذكر الله مع المفرّدين الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، والتصدق فإن الله يجزي المتصدقين، وصلة الأرحام التي يُطيل الله بها العمر ويُنسأ بها في الأثر، وآناء الليل وأطراف النهار قرآن يُتلى وآياتٌ تفسر وأحكام تفصّل"، ويختتم بقوله: "ومع هذا كله: إخلاص في أداء الأعمال، وصدق في الأحاديث والأقوال، ووفاء بالعهود، وحفظ للحدود، وصبر جميل، وعون للكليل، والتخفيف على كل ذي عبء ثقيل، والشكر للجليل، والدعاء مخلصا لله رب العالمين أن يجعلك وجميع المسلمين كما يحب الله ويرضى، وأن يتقبل منا إنه هو السميع العليم وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وأن يفرج عنا جميعا ما يعلمه من ضوائقنا وشدائد أحوالنا، وأن يكون لنا نعم المولى ونعم النصير".

 

يقوي الصلات الاجتماعية:

ومن جهته يرى الداعية الإسلامي الدكتور محمد عبد اللطيف البنا أن: "رمضان يمكن استثماره في تقوية الإرادة، وهو ما يكمن في امتناع المسلم عن بعض الحلال -الطعام والشراب والجماع- في نهار رمضان، طاعة لله، فتقوى إرادته وتشتد، حتى يتمكن من كسر عاداته السيئة"، مشيرًا إلى أن: "كسر العادة مهم جدًا، لأن الحرص على ذلك خلال شهر كامل مع قليل من قوة الإرادة، جدير بأن يجعل من المسلم شخصًا آخر"، ويقول البنا، أستاذ الشريعة بجامعة الملك سعود، في تصريح خاص لـ(المسلم): "كما يمكن استثمار الشهر الكريم في صفاء الروح، وهو ما يكمن في القرب والارتقاء الروحي، من خلال الصوم والصلاة والتهجد والذكر والدعاء وتلاوة القرآن"، معتبرًا أن: "كل ذلك سيؤدي مع نهاية شهر رمضان إلى النقاء الروحي، الذي يمكن استثمار رمضان في تحقيقه".

 

ومما يمكن اكتسابه من رمضان -والحديث لا يزال للدكتور البنا-: "الإحساس بالآخرين، فكثيرًا ما يمر على الإنسان في حياته فترات لا يشعر فيها إلا بنفسه، فلا يشعر بجوع الجوعى ولا عطش العطشى، ولا يشعر حتى بالنعمة التي منَّ الله تعالى عليه بها، ورمضان فرصة طيبة ليشعر الإنسان بذاته، ويقترب من نعم ربه سبحانه وتعالى شاكرًا، كما أنه رمضان فرصة جيدة لاستثمار هذا المعنى الاجتماعي المهم"، ويتابع البنا قائلًا: "كما يمكن اكتساب ميزة الرباط الاجتماعي خلال شهر رمضان، حيث ينظم هذا الشهر حياة الناس ويربطهم بالعبادة، فيجتمعون في الصلوات، هذا في محيط المجتمع، وفي الدروس، وعلى مائدة الطعام، يستيقظون للسحور جماعات وليسوا أفرادًا، مما يقوي الصلات الاجتماعية، ويؤسس لها"، مشيرًا إلى أنه "يمكن لشهر رمضان أن يكون فرصة لاستثمار هذه المعاني جيدًا".

 

تزكية النفس وتحسين الخلق:

ومن جانبه يعتبر الداعية الإسلامي الدكتور رجب أبو مليح أن "من أفضل ما يستثمر فيه العبادات عامة والصيام خاصة، هو الإفادة منها في الجانب الأخلاقي، وأعني به أن تؤثر العبادة تأثيرًا إيجابيًا في خلق المسلم، وإلا كانت عبادة جافة لا روح فيها، لا تنفع صاحبها في الدنيا، ولا ترفعه في الآخرة"، مذكرًا بأن "رمضان شهر القرآن، وعلينا جميعًا أن نجعل القرآن خلقنا كما فعل قدوتنا المعصوم صلى الله عليه وسلم"، ويقول أبو مليح أستاذ الشريعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية بماليزيا في تصريح خاص لـ(المسلم): "إننا نقف عند حد التلاوة أو الاستماع فقط، فيما لا يجب أن تقف واجباتنا تجاه القرآن عند هذا الحد وحسب، وإنما لا بد من تجاوزها إلى التدبر والفهم السليم، ثم التطبيق العملي ثم دعوة الناس إلى هذا الفهم والعمل".

 

ويضيف قائلًا: "كذلك فإن رمضان شهر الدعاء، وهنا أذكر بضرورة تخصيص جزء من دعائنا لإخواننا المسلمين في الداخل والخارج، ونسأل الله أن يحقن دماءهم، وينصر مظلومهم، ويرحم شهداءهم، ويعينهم على عدوهم"، موضحًا أن "شهر رمضان أيضًا هو شهر المواساة والتراحم والصدقة، فهل يتحول حالنا من حال الأثرة والأنانية إلى حال الإيثار والعطاء والبذل والفضل؟"، ويتساءل أبو مليح: "هل نستفيد من شهر رمضان في السعي لقضاء حوائج المسلمين، فهي تعدل أو تفضل في ميزان الله صلاة التطوع وصيام التطوع وكافة النوافل؟"، ويشدد على أنه "لكي نستفيد من شهر الصبر، فإن علينا أن نصبر على أبنائنا وزوجاتنا وإخواننا وكل من نتعامل معهم من الناس"، مختتمًا بقوله: "لو استطعنا أن نفعل هذا لكان لصيامنا فائدة وثمرة في الدنيا والآخر، وأن نستفيد من العبادات في تزكية أنفسنا وتحسين أخلاقنا، فنجمع بين حسن الصلة بالله، وحسن المعاملة مع الناس".

 

لنرفع شعار (فاستبقوا الخيرات):

وفي السياق ذاته يقول الدكتور السيد أمين، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر: "لاستثمار شهر رمضان على الوجه الأكمل، يجب أن نعلم أن الأمر يختلف من بلد إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، لكن هناك أمور عامة، متفق عليها، يمكن من خلالها استثمار فرصة هذا الشهر الكريم في تزكية النفس ورفع مستوى ومنسوب الإيمان بالله عز وجل"، ويتابع أمين، مدرس الدراسات الإسلامية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، في تصريح خاص لـ(المسلم): "ربما لا يأتيك رمضان القادم أو ربما لا تكمل رمضان الحالي، فتزود من حياتك للميعاد، وشمر وقم لله في لياليه واجمع خير زاد، كل ليلة في رمضان منحة ربانية بل كل يوم، بل كل ساعة ودقيقة وثانية، فلنرفع شعار (فاستبقوا الخيرات)، وعود نفسك الصبر، ودربها على تحمل المشقات في هذا الشهر، إحساسًا بالفقراء والمساكين ورأفة بالمحتاجين"، مشيرًا إلى أن "الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله تعالى وخضوع".

 

ويضيف: "وعلى المسلمين خارج بلاد الإسلام أن يقدموا نموذجًا حيًا مشرفًا يحتذى به في هذا الشهر الفضيل، من خلال التزامهم بعملهم وعدم تكاسلهم"، موجهًا رسالته للمسلمين بأن يحسنوا استثمار رمضان في البعد عن فحش القول، وبذيء الفعل، وبؤس الصنيع.. ألا فلنتغافر ونتراحم ونتواد، في الله ولله، ولنمتثل قول الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36].

 

منحة ربانية ونفحة إلهية:

أما الداعية الإسلامي الشيخ محمد أحمد هاشم، فيرى أنه: "عندما يذبل النبات، وتمرض سوقه وأوراقه، ثم يأتي الماء يسري في جذوره إلى سوقه وأوراقه، تنتعش السوق والأوراق، وتعود الحياة إليه من جديد، هذا هو رمضان بالنسبة للأمة"، مشددًا إلى أن: "رمضان هو المنحة الربانية، والنفحة الإسلامية والهدية الإلهية لهذه الأمة"، ويتابع هاشم الموجه بالأزهر الشريف، ومدير معهد قراءات القرآن الكريم بالمنيا، قائلًا في تصريح خاص لـ(المسلم): "إن من ضيع رمضان فقد ضيع عمره كله، ومن قصر فيه فقد قصر في مغنم كبير، فالنفس فيه مهيئة للخير والطاعة، فيه سلة ميسرة للقبول، والأجر فيه مضاعف، ولذلك يجب على المسلم أن يستثمر أيام رمضان بساعاته ودقائقه وثوانيه على الوجه الأكمل".

 

وللاستفادة من هذا الشهر الكريم على الوجه الأكمل، يقدم جملة من النصائح منها: "التخلية قبل التحلية. لكي تضع الماء في الإناء لتشربه لا بد أولًا أن تنظف الإناء، ولهذا لا بد للمسلم أن ينظف قلبه أولًا من الأدران والأمراض التي تسكنه من الخداع والنفاق والكذب والغش والخيانة والغيبة والنميمة، وأن ينوي الصيام امتثالًا لأمر الله تعالى، ورغبة في تحصيل الأجر، وليس صيام العادة أو المضطر، وأن يفرح بقدوم هذا الشهر الكريم ويستبشر به، وأن ينشر هذه البشارات وهذه الفرحة لكل من يتحدث معه".

 

ويشير هاشم إلى أن: "شهر رمضان هو محل ميلاد القرآن الكريم، ومن ثم فإن على المسلم أن يجعل لنفسه وردًا من القرآن الكريم، في هذا الشهر، وكل حسب طاقته وقدرته، وأن يجعل لنفسه وردًا من التسابيح، خاصة قبل شروق الشمس وقبل الغروب، وألا يحرم نفسه من أجر الصدقة، وأن يحافظ على صلوات السنن القبلية والبعدية، فقد كان الصحابة يؤدون السنن ويحرصون عليها لأنها سنة، أما نحن فنتركها بدعوى أنها سنة!"، ويذكر بأهمية الحرص على: "قيام الليل، وأن يكون أشد حرصًا عليه، وأن يبدأ بصلاة التراويح في المسجد ثم يجعل لنفسه ولو ركعتين قبيل الفجر، فإن أجرهما كبير عند الله عز وجل، وأن يحرص على أن يصلح ما بينه وبين أرحامه، فهو فرصة عظيمة لصلة الأرحام، كما أن عليه أن يجمع بعض جيرانه، ولو يوما واحدًا في رمضان على إفطار، فهذا مما يوطد صلة الجيران، ويذيب كثيرا من المشاحنات".

 

وينصح هاشم: "بأهمية الحرص على أداء العمل على الوجه الأكمل، وألا يضيع من وقت العمل شيئًا، حتى وإن كان لتلاوة ورد القرآن، وأن يستغل أوقات فراغه كلها، وأوقات سفره وتنقله في ذكر الله تعالى، فإنها من أفضل الأعمال، مع ضرورة الحرص على الدعاء في كل وقت، فإن الدعاء مخ العبادة، بل إنه العبادة المنسية، التي لا نتذكرها إلا عند الحاجة".

 

همام عبد المعبود