أين أنت من ملك الجوارح؟!
عثمان بن محمد الخميس
- التصنيفات: الزهد والرقائق - تربية النفس -
قد ثبت في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
وهذا القلب كما أخبر الله تبارك وتعالى، وأخبر نبيه صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أولًا: قلب صحيح فهو قلب التقي الصالح كما قال الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89].
والقلب السليم هو الذي إذا أحب أحب لله، وإذا أبغض أبغض لله، وإذا أعطى فلله، وإذا منع فلله، كله لله مرتبط بالله مع أمره ومع نهيه سبحانه وتعالى، وكل إنسان يتمنى قلبه كذلك ولكن! ما كل ما يتمنى المرء يدركه، وما نيل المطالب بالتمني..
فالقضية ليست تمني؛ بل لا بد أن يسعى الإنسان حتى يصل إلى هذا المراد كما قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7-10].
فالإنسان لا يتمنى فقط أن يكون قلبه سليمًا؛ بل لا بد أن يعمل حتى يصير قلبه سليمًا أما مجرد الأماني فهذه كما يقال دابة العاجز يستعيرها ويركبها! أما المشمّر الذي يريد فعلًا أن يصل فإنه لا يتمنى الأماني ويجلس في مكانه بل لا بد أن يسعى ويسعى حتى يصل إلى هذا المراد.
ثانيًا: قلب ميِّت وهو عكس القلب الصحيح، وأعاذنا الله وإياكم وهو قلب الكافر، كما قال الله تبارك وتعالى عن الكفار: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74]، و{أَوْ} هنا للإغراب بمعنى بل فالله يخبر عن تلك القلوب بأنها أشد قسوة من الحجارة يقول تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} أي: بل أشد قسوة من الحجارة -والعياذ بالله-..
ولذلك اتبع الله تبارك وتعالى هذا الكلام ببيان فضل الحجارة على قلوبهم فقال: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} مع إنها حجارة لكنها تهبط خشية لله تبارك وتعالى، يجعل الله فيها شيئًا من الإحساس تخشى الله تبارك وتعالى به، كما قال الله تبارك وتعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر من الآية:21].. وهو جبل ولكنه يجعل الله فيه من الإحساس حيث إنه يخشع لله تبارك وتعالى.
وقال الله تبارك وتعالى لموسى صلوات الله وسلامه عليه لما قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف من الآية:143].. مع إنها حجارة ولكن جعل الله فيها من الخشية والله به عليم..
ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]، وهي جمادات ولكن الله تبارك وتعالى يجعل فيها من الإحساس ما به تقبل أو ترد.. فالحجارة أحسن من قلب الكافر والعياذ بالله، فقلبه بلغت به القسوة أن صار أشد من الحجارة والعياذ بالله.
وهذا لا شأن لنا به فنحن إن كنا فرطنا في أوقاتنا في اللهو وغيره كما يفعل غيرنا إلا وفي قلوبنا إيمان وفي قلوبنا خير وتقوى وحب لله تعالى فهل قلوبنا إذًا سليمة؟
فهل تكون كما قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27-29]؟ هل بلغنا نحن هذه المرحلة؟ أو أن الأمر بين بين؟ نعم إن غالب القلوب إنما هي بين بين. لا هي بلغت الصحة التامة بحيث أنها صارت قلوب سليمة ولا هي بلغت بها القسوة حتى تصل إلى قلوب الكفار. إذًا هناك شيء وسط وقلوب وسط وهي القلوب المريضة.
ثالثًا: قلب مريض، وهذه القلوب المريضة قد يكون المرض شديدًا، فتكون أقرب إلى الأموات، وقد يكون المرض قليلًا فتكون أقرب على أصحاب القلب السليم، وقد يكون وسطًا والناس يتفاوتون وقِسْ من قلوب الناس ما تشاء! فترى هذا أقرب إلى هذا.. وهذا أقرب إلى هذا وهذا بين بين، هكذا قلوب أكثر الناس من المسلمين مريضة، هذا القلب المريض يضره ما لا يضر القلب الصحيح من الشبهات والشهوات، كما أن المريض أحيانًا يمنعه الطبيب من أشياء لا يمنع منها الصحيح كمريض الربو مثلًا إذا صار في الجو غبار أو رطوبة، يقول له الطبيب لا تخرج الناس كلهم يخرجون ولكن هو يختلف لأنه مريض.
إذًا صاحب القلب المريض قد يتعرَّض لشهوات والشبهات، وهي تضره بينما هذه الشبهات نفسها لا تضر صاحب القلب السليم وذلك للمرض الذي فيه.
وهذه الأمراض كما بيَّن الله تبارك وتعالى تنقسم إلى قسمين:
أولًا: أمراض شبهات
قال الله تبارك وتعالى عنه: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ . يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ . فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8-10]، فقول الله تبارك وتعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} فهذا هو مرض الشبهة تلك الشبهة التي خالطت قلوبهم، حتى إنهم مع هذا المرض لا يستطيعون أن يتبيَّنوا الطريق الصحيح من هذه الشبهات التي أصابتهم.
ثانيًا: أمراض شهوات
قال الله تبارك وتعالى عنه: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب:32] فهنا مرض الشهوة.
هذان المرضان يعتريان القلب فكلاهما يضر ولكنهما يتفاوتان أحدهما أقوى من الآخر؛ أحدهما يمكن شفاءه، أما الثاني يصعب شفاءه.. وكلاهما يمكن أن يُشفى صاحبهما.. ولكن يختلفان كالأمراض الحسية التي تصيب الناس بعض الأمراض خفيفة تأتي وتذهب، ولكن بعضها قد تكون من الصعوبة بمكانٍ بحيث أنه يصعب شفاء الناس منها.. وكذلك أمراض القلوب ومرض الشبهة أعظم بكثير من مرض الشهوة. لم؟
لأن مريض الشهوة فهو مريض ويدري أنه مريض فهي قضية محسومة! فطالما الأمر كذلك فليسعى إلى العلاج قد يضعف في السعي لكنه يدري أنه مريض، كمدمن الخمر ومدمن الزنا، ومدمن غيبة، ومدمن كذب... وغيرها، سواءً من فعل المحظورات أو ترك المأمورات، كترك الصلاة، والزكاة، والحج... وغير ذلك، لكن إذا جئته فهو لا يجادل ولا يكابر في الغالب وإنما يدري أنه مخطئ وإنه مقصّر! فهذا مريض شهوة ولكنه لا يستطيع تجنبها -والعياذ بالله- لأنه يحب الخمر والقمار، والنوم فلا يقوم إلى الصلاة..
ولكن إذا جئته وكلمته فيه خير لكن هذه الشهوة غلبته، بحيث جعلته يُقدِم على فعل المعصية أو ترك الطاعة. كيف علاجه؟
هذا قد يتم علاجه عن طريق موقف مُعيَّن يرى أمامه شخص يموت أمامه، أو شخص يصاب بحادث، أو موقف مُعيَّن يؤثر فيه فيرجع إلى الله تبارك وتعالى، أحيانًا يكون من سماعه لشريط، أو يقرأ كتاب مُعيَّن أو دعوة صالحة أو كلمة حسنة من شخصٍ ما فتؤثر فيه فيرجع إلى الحق، فمرضه وإن كان يرى الناس أنه صعب العلاج! ولكن حقيقة الأمر أن صاحب مرض الشهوة سهل علاجه.
أما الثاني فهو مرض الشبهة وهذا مصيبته مصيبة! لأن مشكلته إنه مريض ولا يدري أنه مريض، فكيف يعالج؟ وهنا تكمن الصعوبة..!
فإن جئت له وقلت: اتقِ الله، واترك ما أنت عليه من بدعة..! فيقول أنا على سنة وأنت على بدعة ولا يقبل منك قولًا ولا صرفًا ولا عدلًا ولا شيئًا أبدًا، لماذا؟
لأنه لا يرى أنه مريض أصلًا وهذا الذي يُسمَّى بالجهل المركَّب، لأن هناك جاهل بسيط وهناك جاهل مركَّب، فالجاهل البسيط سهل علاجه لأنه جاهل، ولكن مُستعِد أن يتعلَّم وأن يفهم. أما الجاهل المركَّب هو جاهل ولا يدري أنه جاهل.. فيرى أنك أنت الجاهل فتحاول أن تُعلِّمه فلا يستجيب لك أصلًا.. لأنه يرى فيك الجهل وليس في نفسه.
ولذلك ينقلون عن حمار يركب عليه رجل يقال له "توما"، ويرى أنه فيلسوف! ومن العقلاء فيقول: قال حمار الحكيم توما: "لو أنصف الدهر كنت أركب -أي أنا الذي أركب على توما وليس العكس- فأنا جاهل بسيط وصاحبي جاهل مركب"..!
ولذلك صاحب مرض الشبهة لا يمكن أبدًا أن يترك ما هو عليه إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى، ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: « » (). لأن صاحب البدعة لا يتوب! وليس المقصود إذا تاب لن تُقبَل توبته؛ ولكن صعب أن يتوب لأنه لا يرى أنه على خطأ لأن الذي يبحث عن التوبة هو الذي يرى أنه مخطئ.
فهذا المريض تتعبه أقل الأشياء فمريض الشهوة قد ينظر إلى امرأة قد تؤرق عليه حياته، قد يسمع صوتًا قد يؤرق عليه حياته، يرى خمرًا قد يُدمِّر عليه حياته، أي شيء يُضعِفه بحسب ما فيه من المرض فإذا كان المرض شديدًا فأي شهوة تُثقِل كاهله وتُتعِبه وتُقعِده وإذا كان المرض أقل فيبدأ شيء من المقاومة لهذه الشهوة، إذًا هذا المرض يزيد وينقص ويؤثر ولا يتأثر.
فلننظر إلى قلوبنا الآن ولنقيسها ونعالجها فالقلب الآن لا يحتاج إلى علاج الأطباء وإنما علاجه بيد الشخص نفسه، وهو يستطيع أن يُشخِّص قلبه هل هو مريض أو غير ذلك؟
هناك لا شك علامات تدل على المرض، ولذلك؛ إذا جئت أنت إلى الطبيب يسألك بعض الأسئلة ومن هذه العلامات المُعيَّنة يستطيع الطبيب أن يحكم عليها إذا كنت مريض أم لا؟ وهل هذا المرض شديد أو أقل وما شابه ذلك.
وكذلك الأمر هنا بالنسبة لمرض القلب أنت تستطيع أن تُشخِّص قلبك، وتستطيع أن تصل إلى نتيجة إن لم تكن 100% فلا أقل من 90% يعرف من خلالها ما حال قلبه، هل هو مريض؟ أو هل هو صحيح؟ وإن كان مريضًا ما هي درجة هذا المرض؟ هل المرض شديد أو المرض ضعيف أو وسط؟ يستطيع هو أن يُقرِّر ذلك، كيف؟
هذه العلامات أو الدلائل التي من خلالها يعرِف الإنسان نفسه يُنظر في تعرُّضه للفتن هل يحب المعاصي؟ إذا جاءته المعصية هل يُقبِل عليها أو إنه ينفر منها؟
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة رضي الله عنه الذي (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه): « » فالحصير: عبارة عن أعواد رُتِّبَت وصُفَّت هذه الأعواد ثمّ جيء بخيوط فرُبِطَت بطريقةٍ مُعيَّنة فكون لنا هذا الحصير، والنكتة: هي نقط.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما أن هذا الحصير جمعته أعواد ثم صار حصيرًا، كذلك الذنوب بالنسبة للقلوب فهذه النكت أي النقط تُنقط في القلب فيكون القلب عبارة عن صفحة حمراء فيأتي الإنسان إلى معصية والعياذ بالله فيفعلها فتكون نقطة سوداء، فإذا فعل معصية أخرى نقطة بجانبها سوداء ثم ثالثة ورابعة... وهكذا، ولا يخلو المسلم أبدًا من طاعة كأن يصلي ويصوم ويتصدق وينصح ويبر والديه يفعل أي طاعة مما يعرفها الناس مما أمر به الله سبحانه وتعالى أو أمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فتنقط بالطاعات بالنقط البيضاء..
إذًا هذا القلب الذي كما قلنا عبارة عن صفيحة أو صحيفة.. إن شئت قلت حمراء توضع فيها النقط نقطة سوداء بجانبها بيضاء.. بجانبها سوداء بجانبها سوداء ثم بيضاء... وهكذا، فالمعصية سوداء والطاعة بيضاء فإذا كانت الطاعات أكثر كانت النقط البيضاء أكثر، وإذا كانت المعاصي أكثر كانت النقط السوداء أكثر، وقد تكون أحيانًا سوداء وأحيانًا تكون سوداء داكنة وأحيانًا تكون بيضاء وأحيانًا تكون بيضاء مضيئة.. بحسب الطاعة..
ولذلك أخبر الله تبارك وتعالى عن الحرم قال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج من الآية:25]، فالإلحاد في الحرم ليس كالإلحاد في غيره -يعني الذي يعمل معصية هنا.. ليس كالذي يعمل معصية في الحرم فالمعصية فيه أعظم عند الله تبارك وتعالى- يضاعف له العذاب كما قال الله تبارك وتعالى عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم: {يُضَاعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب من الآية:30].
وذلك لأنهن ليس كباقي النساء ولكنهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فالأمر يختلف والطاعة كذلك تضاعف فكما أن المعصية تضاعف.. فهذا عدل عند الله تبارك وتعالى.
ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم السابق في قوله: « » الآن ترك النبي صلى الله عليه وسلم القلب المريض.. ولكن يتكلم عن نهاية المطاف قلب الكافر وقلب المسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « » ما هو هذا القلب الأسود؟
هذا الذي النقط التي تأتيه كلها سوداء والعياذ بالله.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم « » أسود قذر كالكأس مقلوب، فالكأس المقلوب هل تستطيع أن تضع فيه شيئًا؟
بالطبع لا تستطيع لأن كلما أردت أن تضع فيه شيء يسقط، فالقلب عندها لا يعرف معروفًا ولا يُنكِر منكرًا فالقلب لا يقبل شيئًا والعياذ بالله، قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف من الآية:5] وذلك بفعلهم هم وبإرادتهم.
والقلب الآخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » لماذا لا تضره فتنة؟
لأنه بلغ به الصلاح أعلاه.. بحيث أن الفتن لا تؤثر به؛ لأن القلب أبيض فلا مجال لهذه الفتن في هذا القلب، فبعد أن كانت الصفحة حمراء صارت بيضاء بابتعاده عن الفتن وبكثرة الطاعات، ولذلك أخبر الله تبارك وتعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف من الآية:23] مباشرة بدون تردُّد منه صلوات الله وسلامه عليه، لم؟
لأن القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض. كل إنسان لا شك يتمنى أن يكون مثل يوسف عليه الصلاة والسلام إذا وقع مثل هذا الموقف.. ونسأل الله أن لا يقع أحد، فالإنسان مُعرَّض بأن يقع في مثل هذا، ولكن الصد من يوسف عليه الصلاة والسلام ما جاء من فراغ ولكن جاء من تربية من الله عز وجل أولًا ثم إنه كان رجلًا صالحًا، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف من الآية:24]، أي الذين أخلصهم الله لكن متى أخلصهم الله تبارك وتعالى لنفسه وأختارهم؟
إذًا؛ هو مخلص أخلص لله فأخلصه الله لنفسه سبحانه وتعالى، فالقضية تحتاج إذًا مبادرة منك ثمّ يأتي التوفيق من الله تبارك وتعالى أما إذا لم يبادر الإنسان ثم يقول أسأل الله أن يوفقني، الله على كل شيء قدير القضية عند الله تبارك وتعالى كن فيكون وانتهى الأمر قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]..
فالأمر ليس عسيرًا على الله تبارك وتعالى؛ ولكن الله تبارك وتعالى أرادك أنت أن تفعل، وأرادك أنت أن تعمل -كما قلنا في أول الكلام قال الله تبارك وتعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}- جعل الأمر بيدك أن تزكي هذه النفس أو تدسُّها، إذًا إذا أراد الإنسان أن يُشخِّص نفسه ينظر حاله مع هذه الفتن هل هذه الفتن إذا وقعت أمامه هل تؤثر فيه؟ هل تضره؟
أولًا: إذا كان كذلك إذًا النقط السوداء كثيرة وإذا كانت لا تضره فالنقط البيضاء كثيرة ونسأل الله تبارك وتعالى أن تكون كل الصفحة بيضاء.
ثانيًا: يجد الإنسان نفسه مُقبِلةً على الطاعة مستسلمةً له كانقياد الأغنام بسهولة ويُسِر. تحب الطاعة ترتاح إليها، إذا قرأ القرآن أدمعت عينيه، خشع في الصلاة، وإذا فعل طاعة سرته... وهكذا، فهذا دليل على صحة القلب، وعكس ذلك مع المعاصي يجد نفسه يبغض المعاصي ويكرهها فهذه دلالة على سلامة القلب.
ثالثًا: من علامات صحة القلب إنه يحب أهل الخير، ويحب الطائعين وكما قيل: "أُحبُّ الصالحين ولستُ منهم"، لأنه يرى أن هؤلاء أولياء لله تبارك وتعالى يُحبّهم الله فيُحبّهم هو، يحب من يُحبّهم الله ويبغض من يبغضهم الله تبارك وتعالى كما قال الله تبارك وتعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ} [المجادلة من الآية:22]..
مهما كانوا ويقول في آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51].
رابعًا: إنه يُكثِر من الطاعات.. فإذا وجد الإنسان نفسه مستثقل الوقت الذي ينتظر فيه إقامة الصلاة.. فهذا دليل على مرض القلب والعكس بالعكس إذا وجد الإنسان نفسه حريصًا على قراءة القرآن قبل إقامة الصلاة مثلًا ويستغل هذا الوقت بالدعاء والتسبيح وبذكر الله تبارك وتعالى هذا دليل على سلامة القلب.
وعكس هذه تمامًا علامات مرض القلب:
أولًا: يحب أهل المعاصي، يعاشرهم، يبغض أهل الطاعة، يوالي أعداء الله تبارك وتعالى.
ثانيًا: ينأى عن الطاعات، يستثقل الصلاة وغير ذلك من الأمور.
إذًا يستطيع كل واحد مِنَّا أن يصلح هذا القلب بعد أن يعرِف ما مدى المرض الذي وصل بهذا القلب إن كان به مرض.
ما هي أسباب مرض القلب؟ لعل أعظم الأسباب هي:
أولًا: حب الدنيا، ولا أعني حب الدنيا الحب الطبيعي ولكن حب الدنيا الذي أنساه كل شيء، التعلُّق الشديد بالدنيا ونسيان الآخرة، أن ينسى الإنسان أن هذه الدنيا دار ممرّ كما ذُكر عن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أنه قال "اعملوا لدار المقرّ واتركوا دار الممر".. فالآخرة هي دار المقر..
فإذا تعلَّق قلب الإنسان بهذه الدنيا بذل كل شيء لهذه الدنيا، بذل الغالي والنفيس لأجل هذه الدنيا فأعطاها أكبر من قدرها، فتعلُّق الإنسان بهذه الدنيا يُفسِد عليه قلبه..
ولذلك لما جاء سليمان بن عبد الملك إلى أحد التابعين يقال له أبو حازم فقال له: "يا أبا حازم عِظني -أي يعطيه موعظة- قال: أوصيك بتقوى الله، قال: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قال: عمَّرتُم الدنيا وخرَّبتُم الآخرة فتخافون أن تخرجوا من العمار إلى الدمار! قال: وما الحل؟ قال: اعرض نفسك على كتاب الله، قال: أين؟ قال: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]، قال: أين رحمة الله؟ قال: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف من الآية:56]".
ولعل هذا السؤال يطرحه الكثير مِنَّا.. مع أن العاقل وصاحب الطاعة لو فكَّر يريد الموت لأنه يريد ما بعد الموت؛ فإنه يريد الجنة التي لحظة في هذه الجنة تعدل سعادة الدنيا كلها، ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: « ..» هذه الغمسة أنسته نعيم الدنيا كلها: « » (متفقٌ عليه).
فالمؤمن الطائع المخلص التقي لا توجد لديه مشكلة في التخلُّص من حياة الدنيا، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يا دنيا يا دنية لا تغريني غرّي غيري، طلقتُكِ ثلاثًا.. طلاقًا لا رجعة فيه".
ثانيًا: مخالطة أصدقاء السوء الذين لا يُعِينون على الطاعة، لذلك الإنسان يحاول أن يحرص على إنسان يُعينه على طاعة الله تبارك وتعالى إذا نسي ذكّره وإذا ذكر قوَّى عزمه، فأصدقاء الخير يُعينونه على الطاعة.
ثالثًا: ترك الصلاة في جماعة، وهذه قضية مهمة، فهذه الصلاة كما قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت من الآية:45]، إذًا؛ إذا حرص الإنسان على أداء هذه الصلاة في جماعةٍ لكانت فعلًا نهته عن الفحشاء والمنكر ولصفا هذا القلب من تلك القاذورات التي تُصيبه.
رابعًا: يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت من الآية:45]، فذكر الله أكبر من الصلاة أيضًا وترك ذكر الله من أسباب مرض القلب.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يُطهِّر قلوبنا وقلوبكم، وأن يُشافيها ويعافيها، ويجعلنا من أصحاب القلوب السليمة..
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.