مذبحة دير ياسين وذكريات من جُرح رغم عقود خلت

"زرت القرية في عام 1974 لأول مرة بعد المجزرة، رأيت فيها حياتي وأهلي.. والدي وابني وأمي.. رغم أنها خالية تماما من أي مظهر للحياة، وأحضرت عائلتي عام 1994 للقرية، فما كان من أبنائي إلا أن قالوا: نريد أن نعود لأرضنا؛ فالمجزرة عززت فيهم هويتهم ولم ترهبهم".

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

"زرت القرية في عام 1974 لأول مرة بعد المجزرة، رأيت فيها حياتي وأهلي.. والدي وابني وأمي.. رغم أنها خالية تماما من أي مظهر للحياة، وأحضرت عائلتي عام 1994 للقرية، فما كان من أبنائي إلا أن قالوا: نريد أن نعود لأرضنا؛ فالمجزرة عززت فيهم هويتهم ولم ترهبهم".

تلك كانت كلمات الحاج سمير عبد العزيز صلاح الذي يسكن قرية بيتين شرق مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، وقد تشرّد وعائلته من قرية دير ياسين التي شهدت أبشع مذابح الاحتلال.

 

ذاكرة المرار

ويعتبر التاسع من أبريل/ نيسان يوما مفصليا في تاريخ القضية الفلسطينية التي كانت تخضع لتنازل البريطانيين والعصابات الصهيونية في الوقت الذي دخل فيه العرب في سباتهم ولم يستفيقوا، رغم دماء سالت وعائلات هجرت وحكاية لم يسدل الستار عليها.

يقول الحاج صلاح، وهو رئيس مجموعة كشافة دير ياسين لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "في يوم الخميس (8-4) كانت معركة القسطل، وأخذ الثوار يستغيثون بالقرى، فهب أهالي القرية لنصرة القائد عبد القادر الحسيني، وتوجه عدد كبير لقرية القسطل التي تبعد (3 -4) كم عن دير ياسين لنصرته والقتال إلى جانبه".

"في ذلك الوقت، كانت تدور مشاحنات بين أهالي القرية والمستعمرين في "جفعات شاؤل" على ملكية الأرض، فلما ذهب رجال القرية للقسطل بقي قسم لحراستها، وكان من ضمن الذاهبين لنصرة الحسيني والدي عبد العزيز صلاح وأصيب بثماني رصاصات أسفل بطنه في معركة غير متكافئة بسب عدم إسناد العرب لهم وقلة التنظيمات المقاومة".

ويتابع صلاح قائلا: "باغتت عصابات اليهود القرية الساعة الثالثة والنصف فجرا بمصفحات ودبابات أخذوها من البريطانيين قبل انسحابهم من فلسطين؛ وتجمع المستعمرون بقيادة مناحيم بيغن وإسحاق شامير وهم قيادات لعصابات شتيرن وليحي وهاجموا القرية من ثلاثة محاور من الشرق والشمال والجنوب".

وأشار إلى أن "يقظة الشباب أفشلت الهجوم واشتبكوا مع الجنود، وتصدوا للغزاة ودافعوا بالعتاد المتوفر معهم عن القرية، وكان معهم مدفع رشاش من نوع برن، الأول مع علي قاسم حميدة وقد أبلى بلاء حسنا، والثاني مع محمد عثمان حميدة وقاوموا بدفاع مستميت حتى تمكنوا لبعض الوقت".

"وبعد نفاد الذخيرة، خرج المقاتلون من القرية بعد معركة استمرت 12 ساعة اقتحم بعدها اليهود القرية وباشروا بالمجزرة، وتم قتل وذبح المتبقين من نساء وأطفال وشيوخ بأبشع الوسائل، ليكون حصاد ذلك 96 شهيدا منهم 93 من القرية وثلاثة من خارج القرية، هم معلمة مدرسة من عائلة البلبيسي من القدس، ورجل من الخليل مع ابنه، وكان الشهداء من عائلات زهران وحميدة والياسيني وغيرهم، رغم أنَّ أهالي القرية عددهم فقط 700 شخص".

من جانبها، تقول الحاجة أم سعيد زيدان، وهي من الناجين في المجزرة، لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "بعد تهجير كل الأهالي اعتقلوا 25 امرأة رفعن الرايات البيضاء واقتادوهن أسيرات وطافوا طواف المنتصر وهن في شاحناتهم العسكرية وأطلقوا سراحهن قرب باب العامود في المصرارة".

وتتحدث الحاجة زيدان عن نزوح الأهالي إلى مناطق سلوان وشعفاط وأبو ديس في القدس المحتلة، ثم إلى عقبة جبر في أريحا وبيتين في رام الله.

 

طمس الجريمة

ويروي أهالي القرية من الشاهدين على المجزرة وأبنائهم الذين يحفظون نكبتهم بشكل جيد؛ أن القرية ما زالت خالية من أي أعمال استيطانية؛ إلا أن الاحتلال يطمس المعالم فيها رويدًا رويدًا.

ويقول الحاج أحمد حميدة لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "أتذكر وأنا عمري خمسة أعوام، قالت أمي: إن القسطل قد ذهبت، وربما يهجمون على دير ياسين؛ فخافت أمي علينا، وأخذتنا من القرية إلى أرض أم الميش، خوفا مما سيحدث في القرية في ظل إشاعات عن قتل جماعي، وسرقة مصاغات ذهبية، واغتصاب النساء، واختطاف الأطفال".

ويشير حميدة إلى أن الاحتلال عمد إلى تغيير بعض المعالم من أجل طمس جريمته التي وصل صدى ألمها إلى بقاع الدنيا.

ويضيف: "وضع الاحتلال على المنازل الموجودة داخل القرية أشياك حديد، ومنع الدخول إليها، وأقاموا هناك مستشفى للمختلين عقليا، ومنعوا المواطنين من الدخول إلى القرية التي مر على جرحها 66 سنة".

ويقول: "ما زال نشيد والدي يقرع آذاننا كل يوم، حيث كان يردد وهو حتى على فراش الموت: صبرنا صبر أيوب ودير ياسين في البال.. أسبوع ونعود وطالت السنوات، وأتحسر على مواقف العرب التي ساعدت بتباطؤها وتجاهلها صراخ النساء والأطفال، أن تكون هناك مجزرة تلو الأخرى حتى في وقتنا الحاضر".
 

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام