يغالطون بقولهم
يغالطون بقولهم: "ليس في الإسلام نظامٌ اقتصادي واضح المعالم بيِّن القسمات"، وإن وجد فهو لا يكاد يَبِين منفردًا، وإنما تبدو معالِمُه من خلال اختلافه مع النظريات الأخرى، فيجعل من تلك الاختلافات دعامات يستند عليها ليثبت وجوداً كاملاً غير واقعي في عالم الاقتصاد..
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
يغالطون بقولهم: "ليس في الإسلام نظامٌ اقتصادي واضح المعالم بيِّن القسمات"، وإن وجد فهو لا يكاد يَبِين منفردًا، وإنما تبدو معالِمُه من خلال اختلافه مع النظريات الأخرى، فيجعل من تلك الاختلافات دعامات يستند عليها ليثبت وجوداً كاملاً غير واقعي في عالم الاقتصاد..، وهذا زعم لا ينمُّ عن جهل بالإسلام، شريعةً وعقيدةً فحسبُ، بل يدل على أن قائلَه لا يعي ما يقول! إذ كيف للإسلام أن يختلف أو يتفق مع النظريات الأخرى وهو يفتقرُ إلى نظام واضح المعالم ابتداءً؟!
فالاختلافُ يعني وجود قولين متباينين، ولذا فإن من أقر بأن الإسلام اختلف اقتصادياً مع غيره فقد أقر ضمناً -شعر أو لم يشعر- بنظام اقتصادي إسلامي، والذي قاد أولئك الأدعياءَ لهذا الزعم -فيما أرى- مرونةُ الاقتصاد الإسلامي في قَبول ما يتفق وأهدافه السامية وقيمه النبيلة، واختلافه مع ما يتعارض وتلك المبادئ، وهذه ميزة تحسب للإسلام لا عليه، وبهذه الصفة نستدل على أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان؛ لأنه وضع قواعد عامة وضوابط إجمالية مستوعبة لكل أشكال المعاملات؛ فمهما يستجد من نشاطات اقتصادية، تبرز تلك الضوابط والأسس لتقول كلمتها في ما يستجد.
ولهذا نقول: إن الإسلام ليس له نظام اقتصادي فحسب، بل إن نظامه الاقتصادي هو أشمل نظام عرفه تاريخ الاقتصاد، ولن يأتي نظام أشمل منه، وذلك لأنه قابل -وَفْقَ تلك الضوابط- للتفاعل مع كل ما ينتجه العقل البشري في هذا المجال، وتكييف كل نشاط يطرأ.
ولا يحسبن أحد أن الاقتصاد الإسلامي قاصر على إصدار الأحكام فيما يدلي به الآخرون، وأنه يفتقر إلى روح المبادرة، إذ لو كان كذلك لما قوي شأن الدولة الإسلامية في بضعة عقود، حتى جاء اليوم الذي نادى فيه المنادى: "هل من غارم فيقضى دينه، أو من أعزب فيزوج، أو من صاحب حاجة فتقضى.."، فلا يجد مجيباً، ولم تكن تلك الرفاهية الاقتصادية ضربة حظ، وإنما نتيجة حتمية لمنهج قويم متكامل، أيقن من علَّمه وبلَّغه صلى الله عليه وسلم أن هذه هي نتيجته في مرحلة من مراحله كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، وهو يدعوه إلى الإسلام فكان مما قال: «ما يمنعك أن تسلم؟ خصاصة تراها من حولي.. وليفيضن المال -أو ليفيض- حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة» (رواه ابن حبان:15/71، 6679).
إذاً فقد كانت الرؤية واضحة أمام النبي صلى الله عليه وسلم، أن في الإسلام من الفكر الاقتصادي ما يكفي للوصول إلى أعلى قمم الاكتفاء والرفاهية التامة لجميع أفراد المجتمع، كما أن في رقي الدولة الإسلامية عقوداً وتقدمها على غيرها حقباً، في وقت تمسكها بالإسلام وعملها وفق مبادئه دليلاً آخرَ على تطور النظرية الاقتصادية الإسلامية ومواكبتها.
وربما دَفَعَ أولئك الأدعياءَ إلى ما قالوا كونُ الاقتصاد الإسلامي لا ينفك عن إطار الشريعة العام، فالشريعة الإسلامية متكاملة متجانسة غير متباينة أو مجزأة فللاقتصاد صلته الوثيقة بالسياسية الشرعية والقضاء وغيره، ولذا فهو متداخل مع غيره من جوانب الدين غير بائن عنها، وهذه ميزة أخرى من ميزات الدين وهي التجانس والتوافق والتوائم بين كل جوانبه؛ فالسياسة الشرعية تبرز الاقتصاد الإسلامي، والقضاء يبرز السياسة، وهكذا تجانس لن تجده في غير تنزيل الحكيم الحميد.
وهذا التداخل ليس فيه نفي جانب على حساب الآخر، ولا تعني تلك الصلات بين جوانب الدين ذوبان بعض جوانبه في بعضها فنقول مثلاً: في الإسلام قضاء، ولكن ليس فيه سياسة، أو ليس فيه اقتصاد.
فقط نريد من هؤلاء الأدعياء أن يعيدوا قراءة الاقتصاد الإسلامي بعمق، دون النظر إلى حالة المسلمين اليوم، ثم لا بأس أن ينظروا في حال المسلمين بعد ذلك، ليزدادوا يقيناً أن ما وصل إليه المسلمون من انحطاط إنما هو لتركهم ما بأيديهم من شريعة متكاملة جمعت بين أسباب فوز الدنيا ونجاة الآخرة.
مروان محمد أبو بكر