الطلاب وإشكالية اختيار التخصص الدراسي الأنسب.. (تحقيق)

مما لا شك فيه أن الاختيار الأنسب للتخصص الدراسي له الأثر الكبير في رسم معالم المستقبل الوظيفي للطلبة والطالبات بعد تخرجهم من الجامعة، بل لحياتهم كلها، إذا بني هذا الاختيار على معايير علمية صحيحة تجعله أقرب للصواب وأكثر ملامسة لاحتياجاتهم المتعلمين وإمكاناتهم.

  • التصنيفات: قضايا الشباب - المناهج الدراسية -

مما لا شك فيه أن الاختيار الأنسب للتخصص الدراسي له الأثر الكبير في رسم معالم المستقبل الوظيفي للطلبة والطالبات بعد تخرجهم من الجامعة، بل لحياتهم كلها، إذا بني هذا الاختيار على معايير علمية صحيحة تجعله أقرب للصواب وأكثر ملامسة لاحتياجاتهم المتعلمين وإمكاناتهم. إلا أن غياب الأجواء العلمية والمعلومات الدقيقة، وتتداخل عدة عوامل في اختيار التخصص الدراسي منها الأسرة، والأصدقاء، والجامعة، والعادات والأعراف، وسيادة بعض المفاهيم الخاطئة، جعلت من الاختيار الصحيح للتخصص أمرًا شائكًا، يترك الطالب في حيرة بين ميوله، ورغبات أسرته، والإمكانات المتاحة أمامه.

 

(المسلم) عرض موضوع التخصص الدراسي على عدد من الأكاديميين والتربويين، الذين كشفوا الإشكاليات التي تعترض الطلاب في اختيارهم للتخصص، ووضعوا جملة من الحلول المقترحة التي من شأنها تعزيز ثقة الدارسين في قدراتهم وإمكاناتهم. وتجعلهم أكثر دراية بالتخصصات المتاحة وطبيعتها، وما يحتاجه سوق العمل، وتوجهاته المستقبلية.

 

خيالات الأسرة:

بداية يرى الدكتور صغير الصغير أن من أسباب مشكلة عدم القدرة على اختيار التخصص عند الطالب ضعف التوكل على الله تعالى والقلق من المستقبل وقلة الدراية بالمجالات المتاحة ومناهجها، ويقول: "من المشاكل أيضًا عدم ميول الطالب لمجال بعينه، بينما نجد أن في بعض الدول كألمانيا مثلا يبدؤون بتحديد ميول الطلاب واتجاهاتهم من سن العاشرة".

ويضيف الصغير: "من أسباب المشكلة أيضا اختيار الطالب التخصص برغبات من حوله أو لنظرة الناس له فقط، ومن ذلك رغبة الأهل في تخصص أبنائهم في مجال الأبناء أنفسهم لا يرغبونه! فقد تجد الأب يعيش خيالاً في أن ابنه لا بد أن يصبح طبيبًا مثلا لأنه رسم صورة في نفسه، في حين لو أن الأب وسع مخيلته في أن يصبح ابنه مبدعًا في المجال الذي أحبه لكان ذلك أولى".

ويشير الدكتور الصغير إلى مشكلة أخرى يشترك فيها البيت والأصدقاء وهي قضية ما يسمى بالتثبيط أو التحطيم، فحينما يرغب الطالب في مجال ما، فيأخذون بالسخرية وأنه مجال فاشل، فقط لأنهم هم لا يرونه أو يرغبونه. في حين أن هذا التأثير قد يكون إيجابياً حينما يغلب طابع التشجيع والمساعدة في اختيار التخصص كل بحسب خبرته. ويضيف: "من المشاكل أيضًا أن بعض الطلاب يرى أن اختبار القياس هو الذي يحدد القسم المتاح، صحيح أن القياس يحدد ذلك بشكل صحيح ولكن متى ما كان هذا القياس مقام بشكل صحيح ومن مختصين".

 

الأمن الوظيفي:

في حين يرى المشرف التربوي الأستاذ إبراهيم الغشام أن من الأسباب هذه المشكلة هو التقصير للدور المساعد من قبل المرشد الطلابي والمعلم في مدارسنا في توجيه الطالب حسب ميوله. ويضيف أن من الأسباب أيضاً عدم وجود مادة دراسية تضع الطالب في الصورة المستقبلية للتخصصات المتاحة في الكليات والمعاهد والجامعات المحلية، والشروط المطلوبة لكل تخصص. ومدة الدراسة والجهات الحكومية أو الأهلية التي تستقطب كل تخصص.

ويرى الغشام أن مسألة الأمان الوظيفي التي ينشده الطالب من أبرز معوقات الاختيار السليم للتخصص فالطالب يتوجه إلى التخصص الذي يرى أنه يوفر له الأمان الوظيفي بغض النظر عن ميوله وقدرته. إضافة إلى ذلك غياب دور مؤسسات التعليم الفني والمهني، والتعليم العالي في التعريف والتثقيف للطلاب، وكذلك غياب دور المؤسسات التطوعية والخيرية مثل مراكز الأحياء أو الجمعيات الخيرية في تبصير الطالب وتوجيهه حسب ميوله. ويلفت الغشام إلى نقطة هامة وهي عدم إشباع الميول والحاجات للطالب وعدم تدريب الطالب على الاختيار واتخاذ القرار والقيادة وما يترتب على ذلك من تأثير الأصحاب والأسرة في اتخاذ القرار نيابة عنه.

ويضيف الغشام إلى ضرورة عدم إغفال جانب تأثير العرف والعادات والتقاليد في تجنب بعض التخصصات، فقد يرغب الطالب في تخصص مثل البيطرة ثم يعزف عن هذا التخصص خشية ما قد يناله أو ينال أسرته من انتقاد. إلا غير ذلك من بعض الأسباب الثانوية مثل تقاعس الطالب عن البحث عن ما يناسبه من تخصص وميوله إلى الجامعة الأقرب لسكنه، وكذلك غياب الدور الإعلامي الرسمي والخاص في هذه القضية.

 

التقصير من الجامعات:

أما المستشار الأكاديمي عثمان السماعيل فيرجع السبب في هذه المشكلة إلى قصور أغلب الجامعات في التوفيق بين رغبات الطالب وإمكاناته وتخصصه الدراسي. ويضيف السماعيل: "بل العكس من ذلك تجد الجامعة تقحم الطالب في تخصص لا يتناسب مع ميوله وإمكاناته". كما يرى أن من أسباب المشكلة عدم وجود برنامج في المدارس الثانوية تعين الطالب على معرفه قدرته وميوله العلمي. وما يفاقم المشكلة من جهل الأسرة بإمكانيات أبنائها ولتلافي هذه المشكلة يؤكد الدكتور الصغير ضرورة الاستعانة بالله عز وجل والتوكل عليه واستخارته، ثم التحرر من تأثير الآخرين والخضوع لرغباتهم واستشارة ذوي الخبرات في هذا المجال. كما يؤكد على الطالب أن يتنبه إلى مسألة هامة وهي أن لا يختار التخصص فقط للبقاء مع الأصدقاء بل ويحاول اكتشاف ذاته وما هو الأصلح لها وما هي قدراتها ومواهبها.

 

أما الأستاذ إبراهيم الغشام فيرى أهمية تخصيص مادة للطالب تعنى باكتشاف ميوله والتخصص المناسب له، ويذكر فيها أسماء الجهات التعليمية والتدريبية الأهلية والحكومية، والمخرجات لكل تخصص، وسوق العمل الذي يستقطب هذا التخصص. ويرى أنه من الضروري تخصيص مرشد أكاديمي لطلاب المرحلة الثانوية لكل مدرسة تكون مهمته توجيه الطلاب حسب ميولهم، وتعريفهم بسوق العمل المستقبلية الحكومية والأهلية لكل تخصص. إضافة إلى أن من الوسائل الهامة تعويد الطالب على اتخاذ القرار المناسب عبر تثقيفه وإعداد الدورات التدريبية أو توجيهه بالاشتراك بها إن كانت خارج أسوار المدرسة، وفتح خطوط ساخنة تخص وزارة التعليم العالي،والمؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني للطلاب لكي يتيسر لهم الاتصال والاستفسار. ويرى الغشام أنه لا يجب إغفال دور الأسرة والجهات التطوعية والخيرية في مساعدة الطالب لاختيار التخصص المناسب له.

 

أما المرشد التربوي عثمان السماعيل يرى أن الدور الرئيسي في حل هذه المشكلة يقع على عاتق الجامعات، لما لها من خبرة في هذا المجال ولما لدى منسوبيها من تخصصات تؤهلهم لإرشاد الطلاب الإرشاد الأمثل. كما يؤكد على دور الأسرة في التعرف على شخصية أبنائها وتوجيهه إلى التخصص الملائم له الوجهة الصحيحة ضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال. ويرى أن من الضروري أن يقوم الإعلام بدوره في التوعية الكافية بأهمية الاختيار المناسب للتخصص الدراسي عبر البرامج الإرشادية والحوارية.

محمد لافي| 26/7/1432 هـ