عبقرية الرحمة عند السلف
أبو الهيثم محمد درويش
أولئك أناس طبَّقوا الإسلام واقِعًا مُعاشًا حقيقيًا ثم تفنَّنوا وأبدعوا في تطبيق أخلاق الإسلام ليُقدِّموا نموذجًا فريدًا لا زال المُنصِفون والعقلاء يتحاكون به وسوف يتحاكون إلى قيام الساعة...
- التصنيفات: الزهد والرقائق - أخبار السلف الصالح - محاسن الأخلاق -
أولئك أناس طبَّقوا الإسلام واقِعًا مُعاشًا حقيقيًا ثم تفنَّنوا وأبدعوا في تطبيق أخلاق الإسلام ليُقدِّموا نموذجًا فريدًا لا زال المُنصِفون والعقلاء يتحاكون به وسوف يتحاكون إلى قيام الساعة.
أما رحمة محمد صلى الله عليه وسلم فتُبسَط لها الكتب وتُكتَب فيها المراجع الطِوال.
وهذه بعض مواقف من رحمة أتباع المدرسة المحمدية الأوائل:
قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما حينما أتاه يُكلِّمه في أن يَلين لهم لأنَّه أخاف النَّاس حتى خاف الأبكار في خدورهن، فقال: "إني لا أجد لهم إلَّا ذلك، والله لو أنهم يعلمون ما لهم عندي، من الرَّأفة، والرَّحْمَة، والشفقة، لأخذوا ثوبي عن عاتقي" (المجالسة وجواهر العلم؛ لأبي بكر الدينوري: [4/43] [1199]).
واشتهى الحوت يومًا.. فقال: لقد خطر على قلبي شهوة الطري من حيتان، فخرج يرفأ، في طلب الحوت لعمر رضي الله عنه، ورحل راحلته، فسار ليلتين مُدبِرًا، وليلتين مُقبِلًا، واشترى مِكتلًا، وجاء بالحوت، ثم غسل يرفأ الدابة، فنظر إليها عمر فرأى عرقًا تحت أذنها، فقال: عذَّبت بهيمةً من البهائم في شهوةِ عمر، لا والله لا يذوقه عمر، عليك بِمِكْتَلِكَ" (رواه أحمد: [1/319] [443]، وابن عساكر: [44/301]).
"ومرَّ رضي الله عنه براهبٍ فوقف ونُودي بالراهب فقيل له: هذا أمير المؤمنين، فاطَّلَع فإذا إنسان به من الضر والاجتهاد وترْكِ الدنيا، فلمَّا رآه عمر بكى، فقيل له: إنَّه نصراني، فقال عمر: قد علِمتُ ولكني رحمته، ذكرتُ قول الله عزَّ وجلَّ: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية:3-4] رحمتُ نصبَه واجتهاده وهو في النَّار" (رواه عبد الرزاق: [3/420] [3584]).
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاءتني مسكينة تحمِل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فِيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقَّت التمرة، التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « » (رواه مسلم: [2630]).
"كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى حيَّان بمصر: إنَّه بلغني أنَّ بمصر إبلًا نقالات، يحمل على البعير منها ألف رطل، فإذا أتاك كتابي هذا، فلا أعرفنَّ أنَّه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل، وكتب إلى صاحب السكك أن لا يحملوا أحدًا بلجامٍ ثقيل من هذه الرستنية، ولا ينخس بمقرعة في أسفلها حديدة" (سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك بن أنس وأصحابه).
رحمة ابن تيمية رحمه الله:
قال عمر بن علي البزار: "وحدَّثني من أثق به أنَّ الشيخ رضي الله عنه كان مارًّا يومًا في بعض الأزقَّة فدعا له بعض الفقراء، وعرف الشيخ حاجته، ولم يكن مع الشيخ ما يعطيه، فنزع ثوبًا على جلده ودفعه إليه، وقال: بِعه بما تيسَّر وأنفقه. واعتذر إليه من كونه لم يحضر عنده شيء من النفقة" (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية؛ لسراج الدين: [65]).