(5) حكم اليأس وأقسامه وما يباح منه

...الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله...

  • التصنيفات: مساوئ الأخلاق -

حكم اليأس والقنوط

أجمع العلماء على تحريم اليأس والقنوط، ومن اليأس والقنوط ما يخرج من الملة، ومنه ما لا يخرج من الملة، وإنما هو من الكبائر، بل أشد تحريمًا من الكبائر الظاهرة كالزنا، وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب (انظر: (الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي: [5/160]، (إحسان الظن بالله والتحذير من اليأْس والقنوط) لفهد بن سليمان الفهيد: [1/11-114]، (الزواجر عن اقتراف الكبائر) لابن حجر الهيتمي: [1/149]، (مدارج السالكين) لابن قيم الجوزية: [1/133]).

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله" (رواه الطبري في (تفسيره): [8/243]).

وقال العدوي: "الإياس من الكبائر" (حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني: [2/441]).

 

أقسام اليأس من رحمة الله

1- اليأْس التام: وهذا يخرج من الإسلام إذا لم يوجد الرجاء معه تمامًا.

2- يأْس العصاة: وهو يأس عصاة المسلمين بسب كثرة المعاصي، وهذا لا يخرج من الملة ولكنه من كبائر الذنوب (انظر: (تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: [1/629]، (شرح العقيدة الطحاوية) لخالد المصلح: [14/6]، (فتح الباري) لابن حجر: [13/386]).

قال السعدي: "الإياس من رحمة الله من أعظم المحاذير، وهو نوعان: إياس الكفار منها، وتركهم جميع سبب يقربهم منها، وإياس العصاة، بسبب كثرة جناياتهم أوحشتهم، فملكت قلوبهم، فأحدث لها الإياس" (تيسير الكريم الرحمن: [1/629]).

 

ما يباح من اليأْس

اليأس ليس مذمومًا في كل الأحوال بل قد يحمد في بعض المواضع، ومنها:
- اليأس مما في أيدي الناس:
"كان عمر رضي الله عنه يقول في خطبته على المنبر: إنَّ الطمع فقر، وإن اليأس غنى، وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه" (رواه ابن المبارك في (الزهد): [1/223]، وابن عساكر في (تاريخ دمشق): [44/357]).

واليأس مما في أيدي الناس شرط لتحقيق الإخلاص قال ابن القيم: "لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص، فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأْس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص" (الفوائد: [1/149]).

- ذكر نصوص الوعيد والعذاب لمن غلب رجاؤه وانهمك في المعاصي:
قال البخاري: "كان العلاء بن زياد يذكر النار، فقال رجل: لِمَ تقنط الناس؟، قال: وأنا أقدر أن أقنط الناس، والله عزَّ وجلَّ يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر من الآية:53] ويقول: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر من الآية:43] ولكنَّكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوئ أعمالكم، وإنما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم مبشرًا بالجنة لمن أطاعه، ومنذرًا بالنار من عصاه" (صحيح البخاري: [6/226]).