كناطح صخرة
لقد جاء الإسلام بالدين الوسط، وحذر من الوكس والشطط، ولعل أبرز خصائص هذا الدين، الوسطية والاعتدال، والبعد عن الغلو والابتذال، ولا إفراط ولا تفريط.
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
كلف الله الخلق بعبادته، وجعل ما تعبدهم به سبحانه مأخوذًا من شرع مسموع، وعقل متبوع، ولذلك توجه التكليف إلى من كمل عقله، فأرسل رسوله بالهدى ودين الحق، فبلغهم رسالته، وألزمهم حجته، وبين ما كان مجملًا، وفسر ما كان مشكلًا. وكان من رأفته بخلقه، وتفضله على عباده، أن أقدرهم على ما كلفهم، ورفع الحرج عنهم فيما تعبدهم {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78].
لقد جاء الإسلام بالدين الوسط، وحذر من الوكس والشطط، ولعل أبرز خصائص هذا الدين، الوسطية والاعتدال، والبعد عن الغلو والابتذال، ولا إفراط ولا تفريط، وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، ويسر الإسلام وتيسيره، سمة من سماته، ومن حكمة بعث النبي صلى الله عليه وسلم رفع الإصر والأغلال الواقعة بالأمم قبلنا، والحرج ليس من مقاصد الشرع، واليسر والتسهيل من مقاصده {يُرِيْدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيْدُ بكم العسر} [البقرة:185].
فالغلو والتنطع والتشدد والعنف، آفة قديمة في جميع الأمم السابقة، وقد كانت هذه الآفة سببا لهلاكها، ومن أجل ذلك جاءت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، محذرة ومبينة ما يترتب على الغلو من أضرار. ومن أسباب الغلو والتنطع والتشدد، قلة العلم والتفقه بالدين، والاستعلاء والتكبر، وعدم الثقة والاقتداء بأهل العلم، وضيق الأفق، واتباع الهوى. فالغلو مشقة وعنت، وإن أصر صاحبها على المنهج الهدام، وتغافل النصيحة وتعود الخصام فحاله:
كناطح صخرة يوما ليوهنها *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
فالحذر الحذر من فعل يمنع منه الشرع، أو من ارتكاب ما يظن عزيمة وهو خطيئة، واحذر جمود النقلة، وانبساط المتكلمين، وجموع المتزهدين، وشره أهل الهوى، وهؤلاء لم يفهموا معنى العلم، وليس العلم صور الألفاظ، إنما المقصود فهم المراد منه، وذاك يورث الخشية والخوف، نسأل الله عز وجل يقظة تفهمنا المقصود، وتعرفنا المعبود.
فيصل يوسف العلي