(5) من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

عبد الله بن حمود الفريح

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9].

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية -

الناقض الخامس:
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر لقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9].

الشرح:
المسألة الأولى: معنى هذا الناقض.
أن من أبغض شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد كفر بالله تعالى وهو نوع من أنواع النفاق الاعتقادي الأكبر الذي يخرج صاحبه من ملة الإسلام، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار، ووجه تكفيره أنه بكرهه لما شرع الله وأنزله على عباده انتقاص لما شرعه الله وكلف به عباده، واعتقاد أن ما شرعه الله ليس فيه السعادة والنجاة والهدى.

وبغض وكراهية الحق من صفات الكافرين، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9]، فالله عز وجل أحبط أعمالهم، وجعلها هباءً منثوراً بسبب كراهيتهم ما أنزل الله على رسوله، وكل من كره ما أنزل الله فعمله حابط وإن عمل بما كره قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 28] وقال تعالى مبينا أن كره ما أنزل الله من صفات الكفار الظاهرة: {بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون: 70] وقد وصف الله المنافقين بهذه الصفة فقال تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54]. ووصف كرههم للجهاد بسبب ما في قلوبهم من النفاق فقال: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} [التوبة: 81].

 

وقد عدّه الشيخ محمد بن عبد الوهاب من أنواع النفاق الاعتقادي فقال: " فأما النفاق الاعتقادي فهو ستة أنواع: تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغض الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو المسرة بانخفاض دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الكراهية بانتصار دين الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه الأنواع الستة صاحبها من أهل الدرك الأسفل من النار " [انظر مجموعة التوحيد 1/10 ونحوه لشيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 28/434].

المسألة الثانية: من أمثلة هذا الناقض.
ما يقوله كثير من الكتاب الملحدين وغيرهم من منافقي هذا الزمان من العلمانيين والليبراليين ومن اغتر بأقوالهم وكتاباتهم المسمومة والموسومة بالخبث والكيد لهذا الدين بسبب تلك الرضاعة الفاسدة من ألبان الغرب وأفكارهم وكيدهم وبذلهم الغالي والنفيس لهدم هذا الدين فأصبحوا ينعقون بأقوال ومقالات دسيسة وربما تكون ظاهرة تبين وتوضح لكل عاقل لبيب كرههم لهذا الدين فمن ذلك على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ما يلي:

• كرههم لأن تكون دية المرأة على نصف دية الرجل، أو كرههم أن تكون شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد، فهم بهذا مبغضون لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن " فتراهم يطعنون في هذا الحديث بحجة أن العقل والواقع يخالفه أو يصرفه عن ظاهره مما يبين بغضهم لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم القائل أيضاً في حديث ابن عمر عند مسلم «أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل» ومن أمثلة ذلك أيضاً:
• كراهتهم لتعدد الزوجات ومحاربتهم لذلك الحكم بشتى الوسائل وهم بذلك يحاربون الله ورسوله.

•كراهتهم لما أنزل الله من الحدود كحد السرقة وجلد شارب الخمر وقتل القاتل عمداً ونحو ذلك فهذه الأمثلة وغيرها من الأمثلة التي تبين كره المتفوهين بها لما أنزل الله كفراً أكبر مخرج من ملة الإسلام ومحبط للأعمال قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:8-9] فسماهم الله كفاراً والسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله والنتيجة أحبط أعمالهم، نسأل الله السلامة والعافية، بمثل هذه الأمثلة وغيرها تجرأ كثير ممن ينتسب للإسلام على كثير من أحكام الله وهدي نبيه تلميحاً أو تصريحاً بالكراهية لها بحجة مخالفتها للواقع والعقل أو أنها تصلح في زمان مضى دون هذا الزمان، أو غيرها من الحجج الشيطانية التي زين لهم الشيطان بها أعمالهم حتى خرجوا من ملة الإسلام.

المسألة الثالثة: من وقع في هذا الناقض لم يستكمل شروط (لا إله إلا الله).
وذلك أن من كره ما أنزل الله قد أخلّ ببعض شروط لا إله إلا الله وهذا من نواقض الإسلام وكرهه لما أنزل الله إخلال بشروط لا إله إلا الله من وجهين:

الأول: أن فيه إخلالاً بشرط المحبة والتعظيم لله عز وجل، ومحبة أوامره، وأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحبة من شروط لا إله إلا الله.

الثاني: أن فيه تركاً للقبول والانقياد والتسليم، لأن ذلك من شروط لا إله إلا الله ولذلك كفّر العلماء من اتصف بهذه الصفة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده، ومشتهاه، ويقول: لا أقر بذلك ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع" [ انظر الصارم المسلول ص 522].

المسألة الرابعة: صور لا تعد من كره ما أنزل الله على رسوله.
هناك صور من الكره تحصل بين الناس في بعض الأحوال ليست من الكره لما أنزل الله وإنما هي من الكره الطبيعي (الفطري) مع اعتقاده أن ما شرع الله هو الحق والصواب الذي لابد أن يتبع فهو كره لا يقع على ذات التشريع وإنما هو كره لسبب آخر من الأسباب فمن صور ذلك ما يلي:
• كره الزوجة أن يعدد عليها زوجها مع أن التعدد جاء به الشرع إلا أن كره الزوجة هنا لم يقع على ذات التشريع، والحكم العام في الإسلام وإنما كرهها لسبب خارج عن ذلك وهو أنها تكره أن تكون معها ضرة أخرى وقسيمة تشاركها في حياة زوجها.

صورة أخرى: كره المتوضئ الوضوء في اليوم البارد، فهو لم يكره ذات التشريع وإنما كره الوضوء لسبب آخر وهو وجود المشقة، ولذلك جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات وفيه إسباغ الوضوء على المكاره» .

صورة أخرى: كراهة المقاتل للقتال ليست كراهة لذات التشريع وإنما لسبب آخر وهو ما جبلت عليه النفس من حب الدنيا وكراهية الموت مع إقراره بفضل القتال في الإسلام فهو لم يكره أمر الله، ولذلك قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216] قال القرطبي: إنما كان الجهاد كرهاً لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل، والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس فكانت كراهيتهم لذلك لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى " [انظر تفسير القرطبي 3/39].

صورة أخرى: من وقع في شيء من المعاصي وهو مقر بذنبه لا يلزم من ارتكابه للحرام بغضه للتحريم، ولا من ترك الواجب بغض إيجابه، فمثلاً شارب الخمر أو مقترف الزنا وآكل الربا مع اعتقاده حرمة هذه الأشياء هو كسائر العصاة ولا يلزم من فعله للمحرم أنه أبغض تحريمه أو ترك الواجب أنه يبغض إيجابه، فمن الخطأ أن تجد من الناس من يقول لهم: لولا أنكم تبغضون ما جاء به محمد لما فعلتم هذه المنكرات.

ومن ألزمه بذلك فقد سلك مسلك الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار، والأدلة كثيرة التي تدل على أن مرتكب الكبيرة باقٍ على إسلامه لا يلزم من ارتكابه بغضه للتشريع ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبدالله وكان يلقب حماراً وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتي به يوماً فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنوه فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله».

فالنبي صلى الله عليه وسلم منع من لعنه فضلاً عن إلزامه بكره وبغض تحريم الخمر.

صورة أخرى: عدم قبول إنكار المنكر أو الأمر بالمعروف لا يدل على بغض ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فمثلاً عندما تبين لأحد من الناس منكراً من المنكرات فيرفض قبوله أو تأمر بالمعروف فيرفض قبوله فهذا لا يدل على أنه مبغض لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو لم يرفض الحق الذي جئت به لأنه حق وإنما رفضه لسوء تصرفك وطريقتك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدليل أنه لو جاءه شخص آخر وبيّن له نفس المنكر لقبل وانقاد له لحسن تصرفه.

والمقصود من هذه الصور إيضاح الفرق بين الكره الطبيعي (الفطري) وبين الكره المخرج من الملة، فأما الكره الطبيعي فمن علامته أن الكره موجود في الأصل سواءً علم أن الشريعة جاءت به أم لا فكرهه لم يقع على ذات التشريع وإنما لسبب من الأسباب كالمشقة في إسباغ الوضوء في الماء البارد، أو كراهة المرأة أن تكون لها ضرة وغيرها من الصور كما سبق.

وأما الكره المخرج من الملة فمن علامته أنه لا يكون إلا بعد العلم أنه من الشرع، وأن الله أمر به فكرهه إنما هو لذات الشرع ولأن الله أمر به.