نماذج من حفظ العلماء لأوقاتهم.. رجـال من السلف..
ملفات متنوعة
"بقيت في البصرة ثمانية أشهر وكان في نفسي أن أقيم بها سنة كاملة، لكن
انقطعت نفقتي فجعلت أبيع ثيابي حتى نفذت وبقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف
مع صديق لي إلى المشيخة وأسمع، إلى المساء""
- التصنيفات: أخبار السلف الصالح -
يحدث أبو حاتم الرازي عن نفسه وجهاده في طلب العلم فيقول: "بقيت في
البصرة ثمانية أشهر وكان في نفسي أن أقيم بها سنة كاملة، لكن انقطعت
نفقتي فجعلت أبيع ثيابي حتى نفذت وبقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق
لي إلى المشيخة وأسمع، إلى المساء، فانصرف رفيقي فجعلت أطوف معه في
سماع الحديث على جوع شديد، وانصرفت جائعا، فلما كان من الغد غدا علي
فقال: مر بنا إلى المشايخ، قلت: أنا ضعيف لا يمكنني. قال: فما ضعفك؟
قلت: لا أكتمك أمري، قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا. فقال: قد بقي
معي دينار فنصفه لك ونجعل النصف الاخرفي الكرى، فخرجنا من البصرة
وأخذت منه نصف الدينار". هكذا كان حرص العلماء على أوقاتهم على الرغم
من الشدة التي تقابلهم.
نموذج آخر يذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ، وفي سيرأعلام النبلاء عن ابن
أبي حاتم صاحب الجرح والتعديل يقول: "كنا في مصر سبعة أشهر لم نأكل
فيها مرقة، كل نهارنا مقسم لمجالس الشيوخ وبالليل النسخ والمقابلة،
فأتينا يوما أنا ورفيق لي شيخا، فقالوا: هو عليل، فرأينا في طريقنا
سمكة أعجبتنا فاشتريناها فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس فلم يمكنا
إصلاح هذه السمكة ومضينا إلى المجلس، فلم نزل حتى أتى على السمكة
ثلاثة أيام وكادت أن تتغير فأكلناها نيئة، لم يكن لنا فراغ أن نشوي
السمك. ثم قال: "إن العلم لا يستطاع براحة الجسد"
وعبد الغني المقدسي الجماعيلي المتوفي في القرن السابع أيضا حكى عنه
الذهبي ووضع فصلا في حفظه لأوقاته فقال: "كان لا يضيع شيئا من أوقاته
بلا فائدة، كان يصلي الفجر ويلقن القرآن وربما قرأ شيئا من الحديث
تلقينا ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى
قبل الظهر، وينام نومة ثم يصلي الظهر ويشتغل إما بالتسميع أو بالنسخ
الى المغرب، فإن كان صائما أفطر وإلا صلى من المغرب إلى العشاء، ثم
يصلي العشاء وينام إلى نصف الليل أو بعده ثم قام كأن إنسانا يوقظه
فيتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، وربما توضأ سبع مرات أوثمان في الليل.
وقال: ما تطيب لي الصلاة إلا مادامت أعضائي رطبة ثم ينام نومة يسيرة
إلى الفجر وهذا دأبه".
وحفظ الأوقات ليس قصرا على الرجال وحدهم بل كانت لدينا نـماذج من
النساء حافظات لأوقاتهن . .
وفي مقـدمة هؤلاء النسوة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي كانت
محل استشارة الصحابة، وحينما يشكل عليهم أمر من الأمور في الدين
بالفقه أو بالفرائض أو بغيرها تكون أم المؤمنين عاثشة رضي الله تعالى
عنها هي مرجعهم، ويقال عن عائشة أنه لو وزن علمها بعلم النساء مجتمعة
لوزن علم عائشة علم النساء كلهن، لم تحصل عائشة على هذا العلم الجليل
الذي أصبحت به من رواة الحديث المشهورين إلابحفظها وحرصهاعلى
وقتها.
وهذه أيضا عمرة بنت عبدالرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية وقد
كانت في حجر عائشة وروت عنها، قال عنها ابن سعد: إنها كانت
عالمة.
وربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت أبي سلمة بنت أم سلمة
أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها يقال: إنها كانت أفقه إمرأة بالمدينة
في وقتها.
وأم الـدرداء رضي الله تعالى عنها كانت من العالمات وكانت من الحافظات
لأوقاتها ولذلك كانت تحرص على حلق العلم وحلق الدروس مع أبي الدرداء
رضي الله تعالى عنه وكانت هناك حلقة للنساء خاصة.
ومن النساء أيضا جليلة بنت علي بن الحسين بن الحسين الشجري كانت كـما
يقول عنها العلماء محدثة قارئة للقرآن وهي من سجستان، وطلبت الحديث
بالعراق وخراسان وكتب عنها الصمعاني وكانت تعلم الصبيان القران الكريم
.
وخيرة أم الحسن البصري أيضا وهي مولاة أم سلمة رضي الله تعالى عنها
نموذج من نماذج النساء الحافظات لأوقاتهن، وأنتج هذا الحفظ علما غزيرا
وفقها كثيرا وعبادة جليلة وكانت خيرة كما قيل عنها تقص على النساء
وتعلمهن أمور دينهن.
بل يصل الأمر أيها الأخت المسلمة لحفظ بعض النساء لأوقاتهن أن أصبح
منهن إمرأة تعتبر من شيوخ الإمام الشافعي رحمه الله، والإمام الشافعي
من هو في العلم وفي الحفظ ومـع ذلك هذه المرأة التي تدعى نفيسـة بنت
الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، هذه كانت من
شيوخ الإمام الشافعي، بل إن العجب ليأخذني ويأخذكم أيضا حينما تعلمون
أنها كانت أمية ومع ذلك كانت تحفظ القرآن الكريم وتحفظ الكثيرمن
أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر الذي جعلها واحدة من مشايخ
الإمام الشافعي، قال عنها ابن كثيرأيضا: "كانت عابدة زاهدة كثيرة
الخير وكانت أيضا ذات مال فأحسنت إلى الناس وأنفقت على الزمنى والمرضى
وعموم الناس".
وكان من النساء أيضا على وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، من كانت
مثالا لحفظ الوقت، تغزو معه إذا غزا وتتعلم منه وهي نسيبة بنت كعب
الأنصارية رضي الله عنها وهي المرأة المجـاهدة العالمة وهي نموذج من
هذه النماذج، وقد كان جماعة من الصحابة وعلماء التابعين بالبصرة
يأخذون عنها غسل الميت كـما ساق ذلك ابن حجرفي تهذيب التهذيب، وكانت
في المغازي تمرض المرضى وتداوي الجرحى وشهدت غسل ابنة النبي صلى الله
عليه وسلم .