الصدق 2/2

محسن العزازي

الإسلام يربى أبناءه على الفضائل ومكارم الأخلاق فيعود الصغار على الصدق حتى يشبوا له حافظين وللكذب كارهين

  • التصنيفات: تربية النفس - تزكية النفس - محاسن الأخلاق -

- والإسلام يربى أبناءه على الفضائل ومكارم الأخلاق فيعود الصغار على الصدق حتى يشبوا له حافظين وللكذب كارهين عن عبد الله بن عامر قال: "دعتني أمِّي يومًا ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قاعدٌ في بيتِنا فقالت تعالْ أعطيكَ فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «وما أردتِ أن تُعطِيه؟» قالت: أُعطيه تمرًا. فقال لها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «أما إنكِ لو لم تُعطيه شيئًا كُتِبَت عليكِ كذبةً»[1]. 

وعن أبى هريرة قال رسول الله: «مَنْ قال لِصَبِيٍّ : تَعالَ هاكَ، ثُمَّ لمْ يُعْطِهِ، فهيَ كَذْبَةٌ»[2]. 

وكان الصحابة يتحرون الصدق حتى في أدق الأمور المنزلية عن أسماء بنت يزيد قالت 
كنت صاحبة عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة قالت فوالله ما وجدنا عنده قرى إلا قدح من لبن فشرب منه ثم ناوله عائشة فاستحيت الجارية فقلنا لا تردي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خذي منه فأخذته على حياء فشربت منه ثم قال نولي صواحبك فقلنا لا نشتهيه فقال لا تجمعن جوعا وكذبا قالت فقلت يا رسول الله إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهيه يعد ذلك كذبا قال «إن الكذب يكتب كذبا حتى تكتب الكذيبة كذيبة»[3]. 

 

- ولحرص الإسلام على المسلم فإنه يحذره من بعض مزالق الكذب حتى لا يبقى لأحد منفذا للشرود عن الحقيقة أو الاستهانة بها


ومن هذه المزالق:

المزاح: حرم الإسلام الكذب في المزاح وشدد عليه قال رسول الله: «ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك منه القوم فيكذب ويل له ويل له»[4]. 
وقال: «أنا زعيمٌ ببيتٍ في وسطِ الجنَّةِ لمن ترك الكذبَ وإن كان مازِحًا»[5]، وقال: «لا يؤمِنُ العبدُ الإيمانَ كلَّه حتَّى يترُكَ الكذبَ في المِزاحةِ والمِراءِ وإن كان صادقًا»[6]. 

- المدح: فعلى المسلم أن يحاذر عند الثناء على أخيه، فلا يذكره إلا بما علم فيه من خير ولا يبالغ في المدح. قال رسول الله لمادحيه: «لا تطرونى كما أطرت النصارى بن مريم ؛ فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله»[7]، كما أوصى الرسول بمطاردة المداحين، فعن أبى هريرة: "أمرنا رسول الله أن نحثوا في وجوه المداحين التراب"[8]. 
وعن أبى بكرة قال: أثنى رجل على رجل عند رسول الله، فقال له: مدح رجُلٌ رجلًا ، عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: «ويحك ! قطعتَ عُنقَ صاحبِك . قطعتَ عُنُقَ صاحبِك "مرارًا" إذا كان أحدُكم مادحًا صاحبَه لا محالةَ ، فلْيقلْ: أحسبُ فلانًا، واللهُ حسيبُه، ولا أُزكِّي على اللهِ أحدًا. أحسبُه، إن كان يعلمُ ذاك، كذا وكذا»[9]. 

- التجارة: عن حكيم بن حزام قال رسول الله: «البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يفترِقا ، فإن صدقا وبيَّنا بورِكَ لَهما في بيعِهما ، وإن كتما وَكذبا مُحِقتِ البرَكةُ من بيعِهما»[10]، وعن أبى أوف أن رجلا أقام سلعة بالسوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[11]. 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ ، ولا ينظرُ إليهم: رجلٌ حلف على سلعةٍ لقد أعطى بها أكثرَ مما أعطى وهو كاذبٌ، ورجلٌ حلف على يمينٍ كاذبةٍ بعد العصرِ ليقتطعَ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ»[12]. 

- الشهادة{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:135].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء} [المائدة من الآية:8].
وعن أبى بكرة قال رسول الله: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثًا، قلنا: بلى. قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس. وكان متكئًا فجلس، وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور». فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت[13]. 

- الوعد: كان النبي صادقا في وعده حتى قبل بعثته فعن عبد الله بن الحمساء قال: "بايعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببيعٍ قبل أن يُبعَثَ فبقِي له بقيَّةٌ ووعدتُه أن آتيَه بها في مكانِه، فنسيتُ، ثمَّ ذكرتُ بعد ثلاثٍ، فجِئتُ، فإذا هو مكانَه فقال: «يا فتًى لقد شققتَ عليَّ، أنا ها هنا منذ ثلاثٍ أنتظرُك»"[14]. 

- الاعتزاز: الاعتراف بالخطأ فضيلة يحمد عليه صاحبها وهو باب للنجاة من العقاب ولذلك حث الرسول صلى الله عليه وسلم على تحرى الصدق وإن خاف العقاب فقال: «تحرَّوُا الصِّدقَ، وإن رأيتُم أنَّ فيهِ الهلَكةَ، فإنَّ فيهِ النَّجاةَ، واجتَنبوا الكذبَ وإن رأيتُم أنَّ فيهِ النَّجاةَ، فإنَّ فيهِ الهلَكةَ» [15]. 


- وللصدق أثر عظيم فالصدق في الأقوال يؤدى إلى الصدق في الأعمال ومن ثم صدق الأحوال؛ فيسطع نور على قلبه ينير الوجه ويجعل له مهابة في أعين الناس.
فهو الأمر من الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب:70]، ويكون من أثره {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71].
قال رسول الله: «عليكم بالصِّدق؛ فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البِرِّ. وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّة. وما يزال الرجل يصدُق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا. وإيَّاكم والكذب؛ فإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنَّ الفجور يهدي إلى النَّار. وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتَّى يُكتب عند الله كذابًا»[16]
ويكفي أن تعلم أن الصدق يشمل كل أعمال البر {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].

قال صالح بن عبد القدوس:

اخْترْ قرينك واصْطفيه تفاخرا *** إنَّ القارين إلى المقارن ينسب

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبا *** إنَّ الكذوب يشين حرا يصحبُ

 

الصدق عز فلا تعدل عن الصدق *** وأحذر من الكذب المذموم في الخلق

 

ما أحسن الصدق في الدنيا لقائله *** وأقبح الكذب عند الله والناس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (محمد المناوي (تخريج أحاديث المصابيح [4/256]). 
(2) (الألباني (صحيح الترغيب [2942]).
(3) (الهيثمي (مجمع الزوائد [4/54]).
(4) (أبو داود [4990]، الترمزي [2315]، احمد [5/5] [20067] صححه الترمذي والألباني في (صحيح الترمذي)).
(5) (المنذري (الترغيب والترهيب [4/50]).
(6) (المنذري (الترغيب والترهيب [4/53])).
(7) (البخاري [3445]).
(8) (مسلم [3002]).
(9) (مسلم [3000]).
(10) (الألباني (صحيح أبي داود [3459])).
(11) (البخاري [4551]).
(12) (صحيح البخاري [3269]).
(13) (رواه البخاري [5976]، ومسلم [87]).
(14) (الترغيب والترهيب [4/75] للمنذري).
(15) (السيوطي (الجامع الصغير [3253]).
(16) (رواه البخاري [6094]، ومسلم [2607]).