الظلم

أبو مالك محمد عيسى

افتتح الله عز وجل كتابه العظيم الكريم بالحمد لله رب العالمين حتى يُطمئن عباده بأنه هو الرحمن الرحيم مالك يوم الدين فيطمئنوا بأن الله العادل هو الذي سيحكم يوم القيامة بين عباده فنطمئن فهو القائل سبحانه : {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس:54] .

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

افتتح الله عز وجل كتابه العظيم الكريم بالحمد لله رب العالمين حتى يُطمئن عباده بأنه هو الرحمن الرحيم مالك يوم الدين فيطمئنوا بأن الله العادل هو الذي سيحكم يوم القيامة بين عباده فنطمئن فهو القائل سبحانه : {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس:54] .

وهو الذي أمر عباده بالعدل فهو القائل سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: من الآية58 ] فما بالك بالله عز وجل وهو أعدل العادلين والذي وعدنا في كتابه العظيم بالعدل وأنه سيحاسبنا على ما قدمنا فهو القائل سبحانه وتعالى: {ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [آل عمران:182] .

والله عز وجل يبلغنا بتمام عدله بتحريم الظلم عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال : «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر لكم ذنوبكم جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك عندي إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم : أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه » (رواه مسلم) .

فالله عز وجل قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده حرام وأمرنا بالعدل

فالظلم في اللغة : هي الجور ومجاوزة الحد.

وفي الاصطلاح: هو وضع الشيء في غير موضعه المخصوص به أما بنقصان أو بزيادة.

 

أنواع الظلم:

أولًا: ظلم العبد لربه

وهو مجاوزة العبد الحد مع الله عز وجل فينسب لله تعالى ما الله بريء منه فمنهم من ينسب لله عز وجل الولد

كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّـهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّـهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّـهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [التوبة:30] . ثم أفحمهم الله تعالى بقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:3-4] . بل زاد ظلم العبد لربه أن نسب له الفقر ولنفسه الغنى كما قال تعالى: {قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ....} [من اّل عمران:181] . فرد الله سبحانه وتعالى عليه: {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّـهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [اّل عمران:181] .

بل زاد المر إلى أن وصل للمسلمين أنفسهم فلدى بعض المتصوفة الغلاة الذين نصَّبوا عباداً آلهة فقالوا أنهم الأقطاب فمنهم المسئول عن الرزق والآخر عن الحياة والموت وآخر عن الجنة والنار! فيكون قول الله تعالى فاصلًا في محكم آياته رداً عليهم: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء:22] .

ويقول الله تعالى على جميع من ظلمه بالحديث الذي يرويه أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى: يسبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، ويشتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، أما سبه إياي فيدعي أن لي صاحبة وولدا وما اتخذت صاحبة ولا ولداً، وأما شتمه إياي فإنه يشتم الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء» (متفق عليه) . ثم وضع الله تعالى القول الفصل فقال تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا‏} [النساء:48] .

 

ثانيًا: ظلم العبد لنفسه

وصف الله تعالى في كتابه الكريم الإنسان وأعلمه بأنه ظالم لنفسه فقال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72] .

ووصف الله تعالى حال الأنسان في قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف:54] . ويزداد ظلم الإنسان لنفسه بالإعراض عن الله تعالى وعن الذكر فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا } [ الكهف:57]، وقال تعالى: {فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّـهُ أَجْرًا حَسَنًا ۖ وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [من الفتح:16] . فسبحان الله! يُعرِضُ الإنسان عن الله تعالى فيزداد في المعاصي ويترك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن » (رواه الترمذي) .

فهنا السبيل للنجاة، لو فعل العبد المعصية فأتبعها بالحسنة لمحاها الله تعالى عنه ولكن ظلم الإنسان لنفسه بتماديه في المعصية تلو المعصية وينسى ويتناسى قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ ۚ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} [النساء:64] . فسبحان الله تعالى باب الله تعالى مفتوح دائما ولكن القلوب مغلفة بالمعاصي قال تعالى: {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] .

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر الله وتاب ، صقل قلبه ، فإن عاد زيد . فيها ، حتى تعلو على قلبه » (رواه الترمذي) وهو الران الذي ذكر الله في كتابه وكذا قال المفسرون : هو الذنب على الذنب حتى يسود القلبوالسبيل الوحيد هو سرعة النجاة من هذه الذنوب بالتوبة والعمل الصالح قبل أن يصدق فيك قول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:56] .

فهل تنتظر أن تدخل إلى نار جهنم وتذوق عذاب الله تعالى فتذكر دائمًا اذا أردت أن تترك حالك للشهوات أن الله شديد العقاب فهو القائل سبحانه: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:49-50 ] فعذاب الله تعالى شديد وأليم لن تتحمله.

 

ثالثاً: ظلم العبد لغيره

فالإنسان يمتد في طغيانه فقد ظلم الرب عز وجل وظلم نفسه وبالتالي فلن يبكي على غيره فيمتد الأمر بالظلم لغيره رغم أن الله تعالى ذكرهم بقوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا ۚ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان:15] . فذكرهم بأنهم لله تعالى عائدون فاذا كنت عائد فأعلم بأنك سَتُسئل عن كل شيء فهو مكتوب كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} [ يس:12] . ومصداقاً له قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".

 

وفي غمرات الظلم ونسيان الله تعالى ننسى قول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] .

فلن تُظلم فالله تعالى وعدك ووعده الحق بأنك لن تُظلم وبالتأكيد لن يُظلم غيرك فأين حق غيرك عليك وأنت ظالم له في الدنيا فيبقى الظالم يتفنن ببث ظلمه بين الناس حتى يأتي ربه يوم القيامة خالي الوفاض من حسنة رغم صيامه وقيامه فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» (صحيح مسلم:4678) .

وأخيرًا أختم بمجموعة من اّيات الوعيد لعلها تجد قلوب حية فقال تعالى: {وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ ۗ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ} [الشورى:44] وهو القائل سبحانه: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر:24 ] وهو القائل سبحانه : {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف من الاّية:29] وهو القائل سبحانه: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف:76]، وأخيرًا قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّـهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] .

ألم يأن الآن أن تترك الظلم وتعود للرحمن الرحيم فهو التواب الرحيم,ألم يأن أن تأتي اللحظة وتطلب العفو ممن ظلمتهم بالدنيا قبل القصاص منك في الاخرة، ألم يأن أن تعتذر من نفسك على ظلمك لها وسعيك لإدخالها النار.

أرى أنَّ بالفعل آنت العودة للرحمن الرحيم لندخل فيمن قال فيهم عز وجل: {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [ البينة:8]

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين