الدعاء بين الاستجابة والتلبية
أحمد كمال قاسم
ينبغي علينا ألا نتعجَّل نتيجة دعائنا لله عز وجل، وألا ننتظر أن يكون وقتما دعونا، وكيفما دعونا، وأينما دعونا.. فإن الله عز وجل سيفعل ما فيه الصالح لنا يقينًا، لأننا لا نعلم أكُنَّا ندعو بالخير أم ندعو بالشر.. وذلك بافتقادنا علم الغيب الذي يستأثر به الله تعالى.
- التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - الذكر والدعاء -
الدعاء ووعد الله بالاستجابة
قال تعالى في كتابه الكريم: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].
وقال أيضًا: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60].
فمعنى هذا أنه يوجد وعدٌ من الله عز وجل "بالاستجابة" كنتيجة للدعاء.
تعجُّل وخلط في المفاهيم
إن الكثير من الناس لا يفهمون معنى "الاستجابة" فضلًا عن استعجالهم إيَّاها. إننا بانتظارنا "تلبية" الله لنا ما نريده وقتما ندعو وبالذي دعوناه، إننا حينئذٍ قد نكون ما قدرنا الله حق قدره! لماذا؟!
إننا نحكم على الإنسان الذي يأخذ "رد فعل" نتيجة لفعلٍ ما دون تدخل عقله في الحكم مسبقًا في تحديد عدد الأفعال التي يمكن أن يفعلها.. "كاستجابة" للفعل وأي الأفعال سيختار، وفي أي وقت وبأي مكان، بناءًا على المصلحة، نحكم عليه بأنه انفعالي. أما إذا "اختار" ما يُنفِّذ ومتى يُنفِّذ وأين يُنفِّذ فعله المبني على الفعل الأول فإنه يكون شخصًا مستجيبًا.. حيث أنه استجاب للفعل ولم يكن انفعاليًا في التصرُّف بدون تفكير ولا حكمة.
الفرق بين الدعاء والأمر وبين الاستجابة والتلبية
وإذا كان هذا الحال في شئون العباد! فكيف برب العباد العليم الحكيم؟ إنه بلا شك لن يتخذ إلا موقفًا كله حكمة لأنه هو الحكيم تعالى عما يصفون. وهذا هو الفرق في الواقع بين التلبية والاستجابة، عندما يدعو شخص ما الله عز وجل بطلب معيَّن!
إنه لمن البخس لحق الله أن نظنه مُلبيًا وليس مستجيبًا. فإن من يُلبي يُطيع دون تفكير.. وهو ما يليق بالعباد تجاه أوامر ربّ العباد، ولا يليق أبدًا بربِّ العباد تجاه العباد فنحن ندعو الله ولا نأمره، "وإن كانت ترِد في صيغ الدعاء فعل الأمر ولكنه يكون له غرضًا بلاغيًا آخر.. ألا وهو الترجي والدعاء"، أقول أننا ندعو الله عز وجل ولا نأمره والله يستجيب لنا ولا يُلبي. فالله يفعل ما يراه مناسبًا لدعائنا كيفما شاء وأينما شاء ومتى شاء..
استجابة الله عز وجل قد تكون في الآخرة
كما وضحنا فإنه تعالى يستجيب أينما شاء ومتى شاء وكيف شاء.. ومما هو معروف في عقيدة المسلم أن الآخرة هي امتداد الدنيا، وهي دار القرار ودار الجزاء، فلا عجب إذًا أن تكون استجابة الله لدعاء عبيده يتم في الدنيا كيفما شاء وأينما شاء ومتى شاء، أو في الآخرة على صورة ثواب من عند الله الكريم، يُجازى العبد به برفع درجاته في الجنة ونعيمها، أو تخفيف عذاب في النار وسعيرها.
الخلاصة
ينبغي علينا ألا نتعجَّل نتيجة دعائنا لله عز وجل، وألا ننتظر أن يكون وقتما دعونا، وكيفما دعونا، وأينما دعونا.. فإن الله عز وجل سيفعل ما فيه الصالح لنا يقينًا، لأننا لا نعلم أكُنَّا ندعو بالخير أم ندعو بالشر.. وذلك بافتقادنا علم الغيب الذي يستأثر به الله تعالى.
قال تعالى: {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء:11].
والله أعلم.