الصلاةُ نبعُ حياة
أحمد كمال قاسم
تأمَّلت في الصلاة ذاتِها فوجدت عجبًا! وجدت الصلاة فيها سكناتُ لا يُسمحُ للمُصلي فيها بحركةٍ فهي تذكرة للموت وسكونه. ووجدت على النقيض فيها حركات، لا يُسمح للمصلي فيها بالسكون فهي تذكر بالحياة وحركتها، وكأن الله تعالى يُذكِّرنا بأنه تعالى له الفضل وحده في بثِّ الحياة فينا وفي إبقائنا أحياءً فهو يستطيع قبضَ روحنا وقتما شاء، وأينما شاء، وكيفما شاء.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
كنت أتوضأ وبينما كنت أغسل وجهي قفز إلى ذهني قول الله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا ففتقناهما وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء:30].
فتأمَّلت في أني أُضيف من صفة إحياء الماء بإذن ربها إلى حياتي كالنبت الذي يترعرع رِيًا عندما يُغمَرُ بالمياه. ثم تذكرت وماذا لو أن الماء لم يكن موجودًا، فوجدت التيمم بالتراب بديلًا، فتعجبت، أليس ربُنا خلقنا من تراب؟!
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم:20].
ومن التراب وُهِبْنا الحياة بإذن ربنا.
وأثناء وضوئي لاحظت حشرة ضئيلة عن كثبٍ! فقلت في نفسي "سبحان الله" ما هذا الإبداع في الخلق؟!
إن هذه الحشرة مكونةٌ من ذرات من جماد -وإن كانت تعج بالحركة الداخلية الدائبة- ولكني أرى كائنًا حيًا يسير على قدميه ويطير بجناحيه.
وصدق الله حين قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ والمطلوب} [الحج:73].
فرغت من وضوئي واتجهت لصلاتي فإذا بي أتذكر قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحشَرُون} [الأنفال:24].
فقلت سبحان ربي العظيم.. إن الله يدعونا لِيمدُنا بالحياة خمس مرات يوميًا وهو يعلم أن الموت أقرب إلينا من شِراك نِعالنا، أو كما قال القائل:
ألا كل ما هو آتٍ قريب *** وللأرض من كلِ حي نصيب
وللناس حبٌ لطولِ البقاءِ *** فيها وللموت فيهم دبيب
ثم تأمَّلت في الصلاة ذاتِها فوجدت عجبًا! وجدت الصلاة فيها سكناتُ لا يُسمحُ للمُصلي فيها بحركةٍ فهي تذكرة للموت وسكونه. ووجدت على النقيض فيها حركات، لا يُسمح للمصلي فيها بالسكون فهي تذكر بالحياة وحركتها، وكأن الله تعالى يُذكِّرنا بأنه تعالى له الفضل وحده في بثِّ الحياة فينا وفي إبقائنا أحياءً فهو يستطيع قبضَ روحنا وقتما شاء، وأينما شاء، وكيفما شاء.
ثم تفكَّرت في السجود فوجدت عجبًا! لقد وجدت أمرًا من الله بالاقتراب منه عز وجل في كلِ ركعة في الصلاة من خلال السجود.. فالله ربُنا يقول في كتابه: {كَلا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19].
فإن أقرب ما يكون العبد لربه يكون وهو ساجدٌ لأنه في تمام الذل لله يجد العبد شعورًا غير عاديًا بتمام العِزَّة المتنزهةِ عن الكِبر.
قال تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8].
ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].
وأيضًا.. لا يخفى أن الاقتراب الشديد من الله يعطي المؤمن شحنة من الحياة الروحية والقلبية.. لاقترابه من الله الحي القيوم، فنجد السجود خاصةً والصلاة عامة هما بمثابة الشحنة للمؤمن ليزداد حياةً حقيقيةً فوق حياتِه الزائلةِ التي يتمتعُ بها مؤقتًا في هذه الدنيا.
الخلاصة
الصلاة هي نبع حياة للمؤمن يحيا قلبه وتنتشي فيها روحه..
والله أعلم.