(6) من استهزأ بشيء من دين الرسول (1)

عبد الله بن حمود الفريح

من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ثوابه، أو عقابه الاستهزاء: هو انتقاص الرب جل وعلا والسخرية منه، أو انتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم والسخرية منه، أو انتقاص لشيء من الدين والسخرية منه، والمستهزئ بما سبق كافر بدلالة الكتاب والسنة والإجماع.

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية -


من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ثوابه، أو عقابه (1)

الناقض السادس:
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ثوابه، أو عقابه؛ كفر"، والدليل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65-66].

الشرح:
المسألة الأولى: معنى الاستهزاء والأدلة على كفر صاحبه:
الاستهزاء: هو انتقاص الرب جل وعلا والسخرية منه، أو انتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم والسخرية منه، أو انتقاص لشيء من الدين والسخرية منه، والمستهزئ بما سبق كافر بدلالة الكتاب والسنة والإجماع.

أولا ً: الأدلة من الكتاب:
1- قال ابن تيمية في الصارم المسلول (2/85): "منها قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فإنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّم} [التوبة: 62 - 63]، فعلم أن إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم محادة لله ورسوله؛ لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً إذا أمكن أن يقال: إنه ليس بمحاد، ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر لأنه أخبر أنه له نار جهنم خالداً فيها، ولم يقل (هي جزاؤه) وبين الكلامين فرق.. فيكون المؤذي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كافراً عدواً لله ورسوله، محارباً لله ورسوله" وأيضاً بهذه الآية استدل القاضي عياض في كتابه الشفا (ص94).

2- قال ابن تيمية في الصارم المسلول (2/70): "قول سبحانه: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ . وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64 - 66] وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسبب المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله صلى الله عليه وسلم جاداً أو هازلاً فقد كفر" وأيضاً بهذه الآية استدل القاضي عياض في كتابه الشفا (ص:947).

ثانياً: ومن السنة:
1- ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي برزة قال: "كنت عند أبي بكر رضي الله عنه فتغيض على رجل، فاشتد عليه، فقلت تأذن لي يا خليفة رسول الله أضرب عنقه قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام فدخل، فأرسل إلي، فقال: ما الذي قلت آنفاً؟ قلت: ائذن لي أضرب عنقه. قال: أكنت فاعلاً ولو أمرتك؟ قلت: نعم؟ قال: لا والله ما كانت لبشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قال ابن تيمية في الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم (1/192): "رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن عبد الله بن مطرف عن أبي برزة"، وقال القاضي عياض في (الشفا) ص2/954: "قال القاضي أبو محمد بن نصر: ولم يخالف عليه أحد، فاستدل الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما أغضبه أو آذاه أو سبه".

2- ما رواه ابن جرير وغيره من حديث زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر قال: "قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله فبلغ ذلك رسول الله ونزل القرآن فقال عبد الله بن عمر: أنا رأيته متعلقاً. بحقب ناقة رسول الله تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}" [التوبة: 65 - 66].

فقد حكم الله عز وجل بكفرهم، وقطع بعدم عذرهم مع قولهم معتذرين {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة: 65]  فقال الله تعالى لهم: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [التوبة: 66].

ثالثاً: الإجماع:
قال القاضي عياض في (الشفاء) ص1/932: "اعلم وفقنا الله وإياك أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه، أو خصلة من خصاله، أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه أو الغض منه، والعيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب يقتل كما نبينه، ولا نستثني فصلاً من فصول هذا الباب على المقصد، ولا نمتري فيه تصريحاً كان أو تلويحاً. وكذلك من لعنه أو دعا عليه، أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر، ومنكر من القول وزور، أو عيّره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه، وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى وهلم جراً.. ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره".

وقال ص926 في المجلد الأول: "وأجمعت الأمة على قتل منتقصه من المسلمين وسابه، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً}" [الأحزاب: 57].

وقال ابن تيمية في الصارم المسلول 2/15: "وقال الإمام إسحاق بن راهويه أحد الأئمة الأعلام: أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل ، أو قتل نبياً من أنبياء الله عز وجل ، أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله ثم قال وتحرير القول فيها: أن الساب إن كان مسلماً فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم".

هذه الأدلة وغيرها من نقولات أهل العلم لإجماع الأمة تدل على أن من استهزئ بالله أو برسوله أو بشيء من الدين فقد كفر وخرج عن ملة الإسلام وإن كان المستهزئ مازحاً أو هازلاً أو زعم أنه لم يقصد بقوله حقيقة ما قال.

قال ابن تيمية عند قوله تعالى: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: 106] في مجموع الفتاوى (7/273): "دل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفراً، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله ورسوله يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكن لم يظنوه كفراً وكان كفراً كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه".

المسألة الثانية: الاستهزاء على نوعين
النوع الأول: الاستهزاء الصريح
ومن أمثلته ما نزلت فيه الآية، وهو قولهم: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء"، أو نحو ذلك من الأقوال الصريحة من أقوال المستهزئين كقول بعضهم: دينكم هذا دين خامس، أو دين أخرق.

النوع الثاني: الاستهزاء غير الصريح:
وهو النوع الذي قد يكثر رواده من حيث لا يشعرون، وأمثلته: الرمز بالعين أو الغمز باليد استهزاءً أو مد الشفة أو إخراج اللسان عند تلاوة القرآن أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو عند شعائر الله.

والفرق بين الاستهزاء الصريح وغير الصريح (المحتمل) هو أن الصريح يكون كلاماً كفرياً أكبر مباشرة، بخلاف المحتمل فإنه إن أراد الاحتمال الكفري صار كلامه أو فعله كفراً أكبر وإلا لم يكن كفرياً، والضابط في معرفة السب اللغة والشرع فإن لم يكن فالمرجع فيه عرف الناس.

قال ابن تيمية في الصارم المسلول( 3/1009 ): "وإذا لم يكن للسب حد معروف في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى عرف الناس، فما كان في العرف سباً للنبي صلى الله عليه وسلم فهو الذي يجب أن ينزل عليه كلام الصحابة والعلماء، وما لا فلا".