حركة العصر الجديد (4)

فوز بنت عبد اللطيف كردي

  • التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -

المبحث الثاني/ أهم المبادئ والمعتقدات:         

حركة العصر الجديد -كما سبق بيانه- هي امتداد للتيار الباطني، والعقائد الباطنية بعامة ترتكز على الإيمان بقابلية الإنسان للتألّه لاعتقادهم بأن الألوهية هي الكمال المطلق أو (الاستنارة)، وهي مرتبة يصلها الإنسان بمجاهدات معينة.

وتتلون هذه العقيدة وتتنوع طرق التعبير عنها بحسب المكان والزمان الذي تظهر فيه لتناسب الاعتقاد بوجود إله حق تدل عليه الفطرة والعقل الصحيح، والاعتقاد بوجود (الله) الذي يدل عليه النقل الصريح، فتظهر في شكل عقيدة "وحدة الوجود" التي تفُسَّر على أنها المعنى الحقيقي للتوحيد الذي جاءت به الرسالات، وتظهر في قالب "الحلول والاتحاد" على أنها طريق الوصول للاستنارة والعرفان الإشراقي (الغنوص) الذي هو غاية الحياة في الفلسفة الباطنية، قال ابن تيمية (ت.728هـ) عن الفلاسفة الباطنيين: "يظنون أن كمال النفس في مجرد العلم، ويجعلون العلم الذي به تكمل النفوس مايعرفون هم من علم مابعد الطبيعة"[1].

ومن خلال ملاحظة برامج الحركة وفحص أدبياتها أن إيصال الناس إلى الغنوص الإشراق والعرفان الباطني هو غاية مرادها لأنه الطريق إلى تبني مجموعة المبادئ والمعتقدات التي تتبناها الحركة وتحرص على نشرها وتسريبها للناس خلال برامجها وأدبياتها والتي تتلخص في العقائد التالية:         

- الاعتقاد بأن الكل واحد، فكل شيء هو الإله والإله هو كل شيء.

- الاعتقاد بأن الإنسان هو الإله أو جزء من الإله على اختلاف التصورات الضالة لديهم عن الإله وحقيقته وأسمائه: المطلق أوالكلي أو الوعي الكلي أوالعقل الكلي أوالطاو أو القوة العظمى وغيرها.

- الإنسان لا يموت وإنما يستمر في الحياة (الدهرية) من خلال التقمص والتناسخ.

- الإنسان يخلق واقعه الخاص وقيمه ومعتقداته ويحقق مراده خلال حالات الوعي المغيرة التي يدخل فيها[2].
وهذه المبادئ والعقائد هي أجزاء أو صور متنوعة مأخوذة من عقائد الضلال والكفر المعروفة بزيفها وباطلها عند أهل الإسلام، وهي:         

عقيدة وحدة الوجود: أو ما يسمى بعقيدة "تأليه الطبيعة"أو "تأليه الوجود"، ومفادها الاعتقاد بأن الوجود شيء واحد (كلي واحد) سواء كان "عقلًا كليًا" أو "وعياً كاملا" أو "طاقة كونية" أو"قوة عظمى" وأن كل ماهو موجود إنما هو انطباع لذلك الكلي، وتجلٍ له فليس في الوجود شيء غيره. وهذه العقيدة هي أصل فكر أديان الشرق الكثيرة بأسمائها المتنوعة: الطاوية والبرهمية والبوذية وغيرها. وهي العقيدة الذي تبناها كثير من فلاسفة اليونان وملاحدة الفلاسفة والطوائف الغنوصية على مر التاريخ. وهي"عقيدة وحدة الوجود" المعروفة بضلالها عند علماء المسلمين إلا أن من يتبناها من المسلمين يؤمن بالله ويجعله هو عين الوجود وكل ما سواه ليس إلا هو، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا[3].

ويعد هذا المعتقد من أبرز معتقدات حركة العصر الجديد، وهو ظاهر في معظم ممارسات الحركة وأدبياتها؛ حيث يكون الحديث عن الإله هو حديث عن الإنسان أو العكس. فلا وجود في معتقدات الحركة لإله له ذات وإرادة، بائن عن خلقه، خالق للكون ومدبر له، وإنما يفسرون كلمة "الإله" بتلك الطاقة الكونية المتغلغلة في الكون والمتحدة به. ولا فرق عندهم بين العالم والإله؛ حيث الكل هو الإله في صور وتجليات متنوعة. فالعالم والإنسان هم جزء من الإله أو تجل من تجلياته، والحديث عن فرق بين الخالق والمخلوق تعتبره الحركة ثنائية مرفوضة تنافي التوحيد الذي يعتقدونه.

عقيدة تناسخ الأرواح: عقيدة تناسخ الأرواح هي الاعتقاد بانتقال الروح بعد الموت من بدن إلى موجود أعلى أو أدنى؛ لتنعّم أو تعذّب، ،جزاء سلوك صاحبها الذي مات بدنه فتكفّر سيئاتها وتكتسب ما يكمّلها في حياتها الجديدة. ويستمر التناسخ حتى تتطهّر النفس فتنعتق من تكرار المولد[4].

وأصل القول بالتناسخ مأخوذ من مِلل الهند فهو عَلَم على الهندوسية والبرهمية. وتشير دراسات الباحثين إلى أنّه معتقد الطاويين وقدماء الفراعنة واليونانيِّن والفرس كذلك، وقد تسرّبت ضلالته إلى بعض اليهود والنصارى، وبعض المنتسبين إلى الإسلام[5] لما انحرفوا عن معاني الإيمان بالغيب، ومنهج التلقي للوحي، وتأثروا بالفكر الباطني؛ إذ جميع العقائد الباطنية ترتكز على معتقدات الديانات الشرقية الباطلة. والمتابع لبرامج وأدبيات حركة العصر الجديد يلحظ بوضوح تغلغل هذه العقيدة، بل لا يمكن فهم فلسفة الحركة إلا بمعرفة معتقد تناسخ الأرواح الذي يظهر بشكل جلي في كثير من الممارسات والأساليب العلاجية التي تنتجها الحركة أو تتبناها الحركة[6].

الإلحاد والكفر بالله: الكفر بالله وإنكار وجوده عز وجل ومنازعته في الربوبية والاعتقاد بالنجوم وتأثيرها سعدًا ونحسًا وغير ذلك من أنواع الكفر تعدُّ مبادئ أساسية في فكر الحركة، وإن كان القول بها ليس ملزمًا لأتباع الحركة ولكنه النتيجة التي تقود برامج الحركة إليه في محصلتها النهائية، فحركة العصر الجديد تظهر على أنها حركة اجتماعية جماهيرية ولا تهتم بكل ما يقوله الأتباع وما يعتقدونه، وتهتم فقط بما تضيفه إلى فكرهم من قناعات، وإلى حياتهم اليومية من ممارسات تثق بأنها مع الزمن كفيلة بإعادة صياغة فكرهم وعقائدهم.

ولا حاجة للوحي في عقيدة الحركة فالإنسان هو الذي يخلق محيط حياته ويتحكم بمستقبله وصحته وسعادته عن طريق قوة عقله الباطن[7]، فالإنسان والإله شيء واحد -في اعتقادهم- أو يمكن أن يكونا شيئًا واحدًا من خلال برامج الحركة المنتقاة التي تساعد الإنسان على اكتشاف أصله الإلهي وتنميته ليصل إلى الخلاص الحقيقي والعرفان[8].

عقيدة وحدة الأديان: وهي عقيدة رئيسة في عامة الديانات والحركات الباطنية، لأن الباطنيين يرون أن جوهر الدين واحد هو ما ينص عليه المنقول الباطني في جميع الأديان، وهو دين الحكمة، وتؤكد الحركة في أدبياتها على أن الغيبيات الدينية: الله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر أمور لا تتعدى كونها تصورات ذهنية بحتة قد تفيد من يعتقد بها، إلا أنه ليس لها في الواقع حقيقة ثابتة! وإنما الرسل صلوات الله عليهم قد خاطبوا أممهم بما يسهل فهمه على العموم فضربوا لهم أمثالًا متنوعة تتناسب مع تفاوت العقول والأزمنة والأماكن أما الحقيقة فهي سر أزلي عرفه الأنبياء والحكماء فقط!

والحركة اليوم تكشف هذه الأسرار وتجعل الوصول لها متاحًا لكل أحد لنضوج البشرية وعدم احتياجها للأديان الصورية التي كان الأنبياء يقنعون بها أتباعهم لمناسبتها لهم فيما مضى من الزمن! فدين الحكمة الذي تقدّمه الحركة للبشرية اليوم هو حقيقة كل الأديان -زعموا- وهو الذي يسبق جميع الأديان، وأسسه وعقائده وطقوسه موجودة متوارثة في المنقول الباطني المأخوذ من كل المذاهب والأديان في الشرق والغرب الذي سعت الحركة لجمعه من الأصول المتفرقة وصهره في بوتقة واحدة! ثم تقديمه للناس في برامج جديدة تحمل روحانيات العصر الجديد[9] وتدرب على منهج جديد للحياة بعيد عن محدودية الأديان.

العقائد الهرمسية Hermticum: الهرمسية هي مبادئ واعتقادات موجودة في عدة كتابات ورسائل مشكوك في مصادرها تعود إلى القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد. وهي تعكس في مجموعها جوا من التلفيق بين المذاهب الفلسفية اليونانية والشرقية وتعاليم بعض الأديان.

وتعدّ الآراء الفلسفية الواردة في الكتابات الهرمسية خليطاً من الفلسفة الأورفية والفيثاغورية والأفلاطونية والرواقية والفيزياء الأرسطية والتنجيم الكلداني التي تكوّن في مجموعها معرفة خاصة يزعم أصحابها أنهم نطقوا بها عن وحي إشراقي، وأن هدفهم هو خلاص الإنسان. وتتضمن هذه الكتابات تقرير وجود إله على قمة الوجود، وهو لا يمكن وصفه ولا معرفته، ويفسر تارة على أنه الكون نفسه أو الإنسان، وحينا يصفونه بأنه "الأب"، كما تتضمن الكتابات التعريف بالنفس الإنسانية على أنها أرواح هبطت من الأفلاك السماوية ويمكنها التحرر والعودة إلى هناك، لا بفضل طقوس سحرية، ولا بفضل مخلّص مرسل، بل بقوة المعرفة (الغنوص)[10].

وتعتمد برامج حركة العصر الجديد المتنوعة كالماكروبيوتيك والهونا والفونغ شوي على كثير من هذه الآراء وتعتمد منهجها وطريقتها وفلسفتها وأسرارها لتحصيل المرغوبات المختلفة.    

تعظيم الذات الإنسانية وتأليهها: وفقًا لأصول العقائد الباطنية فحركة العصر الجديد تنظر إلى الإنسان على أنه مُوجِد، فهو الذي يخلق محيط حياته، ولا حاجة له بشيء يأتي من خارج نفسه، فباستطاعته عن طريق تعديل حالته الذهنية أن يتحكم بمستقبله، ويصنع واقعه وصحته وسعادته، ويتحكم بحياته بعد الممات، كما أنه بإمكانه -في نظرهم- أن يصل إلى الكمال المطلق!

ويرجع ذلك إلى الاعتقاد بأن الإنسان يولد بشرارة إلهية، لا بد له من الكشف عنها وتنميتها ليتحقق اتحاده مع الكل[11]. وقد مثلت هذه الفلسفة في العصر الحديث توجهًا قويًا في الغرب تكونت لدراسته وتنميته مدراس وحركات بغية الوصول إلى ما يسمونه "الإنسان الكامل" صاحب القدرات الخارقة في التأثير، ومن أشهرها حركة القدرة البشرية الكامنة Human Potential Movement وحركة الوعيconsciousness movement وتبنى نشره بين الناس عدد من الحركات الباطنية كحركة الفكر الجديد New Thought وجمعية الثيوصوفي Theosophy وأخيرًا حركة العصر الجديد New Age.

ومن المهم الذي ينبغي أن يتذكره الباحثون والمتابعون للحركات الباطنية أنها تتبنى عقائد سرية باطنية متلونة ومتناقضة أحيانًا، ولا تواجه الحق في الظاهر وإنما تُظهر التوافق معه وتعتبره ظاهرًا لا بأس من قبوله وتفسيره بباطن تشرحه هي وتدعو إليه، فعلى سبيل المثال يستخدم المتبنون لفكر الحركة الألفاظ والمصطلحات الدينية وأهمها مصطلح الألوهية ولفظ الجلالة (الله) ولكن على معنى أنه الإنسان، أو القوة المطلقة، أوالطاقة الكونية المبثوثة في الكون، فالمصطلحات الدينية يستخدمها مروجو برامج الحركة لدى أصحاب الديانات السماوية ولكن في سياقات باطنية، وعلى تصورات إلحادية مستقاة من معتقدات الشرق والغنوصية؛ مما يؤدي إلى اشتباه الأمور على بعض المسلمين ووقوعهم في لوثات الفكر الباطني، أو تحيّر كثير منهم في فهم حقيقة الروحانيات المعاصرة وحركاتها وتطبيقاتها، وتبني بعض أدبياتها لعدم ملاحظة كونها باطنية صفتها الخفاء والتلون والمخادعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:         

[1]- (مجموع فتاوى ابن تيمية: [3/94]).

[2]- (ينظر: Christian Responses to the New Age Movement, By John A. Saliba, p 12).                                                                                         

[3]- (ينظر: تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم: [290]، وموسوعة الفلسفة لعبد الرحمن بدوي: [1/271]، وتاريخ الفكر الفلسفي عند العرب: [103]).

[4]- (ينظر: منو اسمرتي تعريب إحسان حقي: [686]، والمعجم الفلسفي لصليبا: [1/346]، وتناسخ الأرواح لمحمد الخطيب: [14-29]).

[5]- (منهم طوائف الفلاسفة والحلولية والرافضة، ينظر: "الفرق بين الفرق" للبغدادي: [240]).

[6]- (ينظر: -Sourcebook of the World's Religions: An Interfaith Guide to Religion and Spirituality Beversluis, Joel D).

[7]- (تتبنى الحركة فلسفة تقسيم العقل إلى عقل واع وعقل لاواعي -باطن-، وتنسب للعقل الباطن -اللاواعي- خوارق وقدرات لا متناهية إذ هو المنفذ في اعتقادهم إلى العقل الكلي واللاوعي الجمعي. ينظر: قوة عقلك الباطن لميرفي، ص: [20]. وينظر: تبني نفس الفكر للمتأثرين بفكر الحركة المفتونين بها في كتاب آفاق بلاحدود للتكريتي، ص: [207]، والإيمان وإيقاظ القوى الخفية لتوفيق الواعي، ص: [37]).

[8]- (ينظر: -Sourcebook of the World's Religions: An Interfaith Guide to Religion and Spirituality, Joel Beversluis).

[9]- (ينظر: -"The Implications of New Age Thought for the Quest for Truth:   A Historical Perspective", Horn,p.78).

[10]- (ينظر: موسوعة الفلسفة لعبد الرحمن بدوي، ج: [538]).

[11]- (ينظر: -The skeptic's Dictionary: A Collection of Strange Beliefs, Amusing Deceptions & Dangerous Delusions, Carroll, Robert).

 
 
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام