إجازة.. لكن بدون إسراف
نَدعو الآباءَ والأمهات إلى ضرورة توجيه أبنائهم أثناءَ فترة الإجازة الصيفية إلى عدم الإسراف والمبالغة في صرف الأموال، مع التمَتُّع بهذه الإجازة، ولكن وَفْقَ أسلوب الوسَط؛ لا إسراف ولا تقتير، والاستغلال الأمثل في اختيار مجالات قضاء الوقت والتمتُّع، مع وجود الفائدة طبْعًا.
- التصنيفات: ملفات إجازة الصيف -
يُعَاب على كثير من الأُسَر والأمَّهات في عالَمنا العربي والإسلامي أنه ما أَنْ تأتي العطْلةُ الصيفية حتى يُطْلِق العنان للأبناء والبنات، والبذَخ في المصاريف والعطايا حتَّى يَقوم الأبناءُ بالمبالغة في صَرْف تلك الأموال، ودُون أيِّ إحساس بقيمتها.
وأنا هنا لَست بِصَدَد التَّضييق على الأبناء، ومن أهمية الاستمتاع بالعطلة الصيفية بعد مَجهود بذَلُوه طوال العام الدراسي؛ لأنَّه لا بدَّ من أن يرتاحوا ويروِّحوا عن أنفسهم، ولكنْ على أن لا يكون ذلك متجاوِزًا لحدود الشَّرع والأدب الإسلامي، إضافةً إلى ألاَّ يَكون فيه هدْرٌ للوقت وتبذيرٌ للأموال، وإنما ندعو إلى الوَسَط في ذلك.
وهنا يقع واجبٌ كبير على الأُسرة في انتقاء المجالات التي يُريد فيه الأبناءُ التَّرويحَ عن أنفسهم، مع إضافة الفائدة إلى المُتْعة، وأعود وأكرِّر: "مع عدم الإسراف في صرف الأموال"؛ لأن الإنسان مُؤْتَمَنٌ على تلك الأموال، وسيحاسَب عليها فيما بَعد.
لذلك يجب على الأم والأب أن يَدْرُسا واقِعَ البلد الَّذي يعيشان فيه، ومستوى الدَّورات والنَّوادي والمجلات الترفيهيَّة فيه، ويشارِكَا أولادَهم في اختيار المجال الَّذي يروِّحون به عن أنفسهم، ويَستمتعون به، إضافةً إلى أنَّه يحقِّق الفائدة.
وكم أعجبني يومًا عندما زُرت دولةَ قطر الشقيقة ووجدتُ فيها مشاريعَ أظنُّها موجودةً في بعض الأقطار الخليجية الأخرى، وبعضٍ من الدول العربية، عندما وجدتُ مَراكزَ لتحفيظ القرآن الكريم، خاصَّةً بالبنات والفتيات، ومن أعمار مختَلِفة؛ حيث يتم تسجيل البنت في هذا المركز، وتلتحق به لمدة شهرين، وهو جزء من العطلة الصيفية.
وفي هذه المدة تتعلَّم وتحفظ القرآن الكريم، ولا تعود إلى بيت أهلها إلا بعد انقضاء هذين الشهرين، حيث تَعود وقد حَفِظت عدَّة أجزاء من القرآن الكريم، وتعرَّفت على مجموعة من الصديقات والأَخَوات، وكسَبَت مهاراتٍ كثيرةً في فنون الحياة والفنون المنْزلية.
وهنا جمعَت البناتُ بين الفائدة والمتعة، وكم يتمنَّى الكثير من الفتيات إتاحةَ مثل تلك الفُرَص، ولكنها لا تتوفَّر في بلدانهم؛ لذا على الأمِّ أن تَغتنم فرصةَ وجود مِثل تلك المراكز في بلدها، وتقومَ بتسجيل بنتها أو بناتها إن كان لها أكثرُ من بنت في تلك الدَّورات؛ حيث تهيِّئ تلك المراكزُ قابلياتٍ وإمكاناتٍ تمكِّن الملتَحِقات بها مِن الحفظ السريع في مدَّة قصيرة، إضافةً إلى أنَّه يتمُّ تقديم الجوائز والمكافَآت للفائزات.
أما الشباب ففرصهم ربما تكون أكبَرَ من البنات؛ حيث النوادي الصيفيةُ والألعابُ الرياضية المختلفة، والنَّدوات الشبابية التي تتيح لهم فُرَص التعرُّف على غيرهم مِن شباب العالَم، وخَلْق فرص صداقات مختلفة، والتعرُّف على عاداتِ وتقاليدِ وعلومِ شعوبٍ مختلفة.
ولا ننسى ونحن نوجِّه أبناءَنا وهم يستمتعون بالعطلة الصيفية ألاَّ يُسرفوا في صرف الأموال؛ فربَّما يَقوم الشابُّ أو الشابة بصرف مبلغ من المال، معتقِدًا أنه مبلغ بسيط، ولكنَّه في حقيقة الأمر يمكن أَن يُنقِذَ هذا المبلغُ أو جزءٌ منه إنسانًا في بلَد عربي أو مُسلم، تعرَّض للحرب أو النَّكبات، أو أي أزمة من الأزمات.
وكم هي كثيرةٌ ومنتشرةٌ صناديقُ التبرُّعات في المولات والأسواق في بلادنا، التي تُشِير إلى التبرُّع إلى المحتاج أو اليتيم في بلد آخر، وقد يُسْهِم في إنقاذ حياته، أو حمايته من الضياع!
وكم أعجبني وأنا أقرأ قبل أيام عن بابٍ للأجر يعود على فاعله بالخير والحسنات إن شاء الله وهو قيام الشخص بشراء كرسِيٍّ متحرِّك، وقيمته في المملكة العربية السعودية 300 ريال، ويقوم الشخص بشرائه من إحدى الصيدليَّات القريبة من الحَرَم المكِّي، ثم يقوم بإيصال هذا الكرسي إلى الحُرَّاس المسؤولين عن المكان الذي يتِمُّ فيه إيداع الكراسي المتحركة المجانية، التي لا يَستطيع الشخص الذي يَزور بيتَ الله الحرام إذا كان عاجزًا أو مريضًا أن يَدفع رسوم هذا الكرسي، أو قد يشكِّل عليه عِبئًا ماليًّا إذا ما قام باستئجاره، فهناك الكثير من الكراسِيِّ المجانية يمكن للشخص المريض والعاجز أن يَحصل على كرسي، ويؤدِّيَ مَناسك العمرة أو الحج دُون الحاجة إلى دَفع أيِّ مَبْلغ نظيرَ استخدامه هذا الكرسي.
ولنا أنْ نتخيَّل مقدار الأَجْر الذي سيَعود على مَن قام بشراء هذا الكرسي وإيداعه في بيت الله الحرام، ولنا أن نتخيَّل كم شخصًا سيستخدم هذا الكرسيَّ في اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو أي مدة؟
وبالتَّالي فإنَّ مبلغ 300 ريال ليس بالمبلغ الكبير، فكم سيَصرف الشاب أو الشابة في الإجازة الصيفية؟!
وإذا ما نصح الوالدان أبناءَهُما بضرورة إخراج جزء من المبلغ الذي سيَصرفونه في الإجازة على القيام بعمل أيضًا يعود بالحسنات والخير على فاعله، فإنَّ ذلك سيعود بالخير على شبَابِنا ومجتمعاتنا، ويَخْلُق ثقافةَ التفكير في معاناةِ الغير، وهي مَبْدأ مهمٌّ من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف.
إذًا؛ مِن هنا نَدعو الآباءَ والأمهات إلى ضرورة توجيه أبنائهم أثناءَ فترة الإجازة الصيفية إلى عدم الإسراف والمبالغة في صرف الأموال، مع التمَتُّع بهذه الإجازة، ولكن وَفْقَ أسلوب الوسَط؛ لا إسراف ولا تقتير، والاستغلال الأمثل في اختيار مجالات قضاء الوقت والتمتُّع، مع وجود الفائدة طبْعًا.
ولعل الكثير منا يدرك أن هذه الإجازة لا يمكن لكثير من شباب عالَمِنا العربي أن يتمتَّع بها؛ لأنَّ ظروفه المادِّية لا تَسمح له بذلك، فيقوم بالعمل أثناءَ فترة الإجازة؛ لِجَمع بعض المبالغ التي تَقضي بعض حوائجه في العام الدراسي المقْبِل، أو توفير بعض مستلْزَمات عائلته.
مع العلم أنَّ العمل - كما يؤكِّده الكثيرُ من الخبراء - في هذه السِّن يُعلِّم الإنسانَ الاعتماد على نفسه، ويفتح له أبواب التعَرُّف على فُرَص العمل وأوضاع السوق؛ لذا فإن أتيحت فرصةٌ لشبابنا بالعمل أثناء الإجازة فلْيُبادروا إلى استثمارها؛ لأنَّ في ذلك فوائِدَ لهم إضافةً للفائدة المادية، ونفْعًا بالتَّالي على مجتمعاتهم التي تتأمَّل فيهم جِيلاً يَدفع بِلادَهم إلى مزيدٍ من التقدُّم.
إسراء البدر